«لم يجلس في منزله عالة على أهله، كما أنه لم يمد يده طالباً المعونة من الناس... ذلك الشاب الكفيف، كان قد تعود على الجلوس أمام بعض المراكز التجارية الكبرى الشهيرة في البلاد، لتداعب أنامله ناياً يتناغم معه حسبما يصدر من صدره من نغمات وآهات وتعبيرات، وكان البعض، يقف مستمعاً لذلك الكفيف وهو يعزف على نايه... فتخرج الزفرات ساخنة معبرة، يحصل بعضها على دراهم قليلة، لكنها نظير عمل قدمه للناس كما يقول هو عن نفسه».
المكفوفون، حالهم حال الأصحاء اليوم، فالكثيرون منهم يدرسون ويواصلون تعليمهم الجامعي والبعض الآخر يتوفق للالتحاق بوظيفة تناسب قدراته، فيما ينتظر الآخرون الحصول على وظائف تناسبهم بشق الأنفس... فليس سهلاً عثور الباحث عن العمل السليم الجسم على وظيفة أو عمل يناسبه... فكيف الحال بالنسبة إلى المكفوفين أو ذوي الاحتياجات الخاصة؟
هذا الموضوع، كان جوهر لقاء عقدته جمعية الصداقة للمكفوفين في مدينة عيسى. وكان لقاء عبر فيه عدد من المكفوفين عن شعورهم ومعاناتهم في البحث عن الوظيفة، وكانوا محقين وصادقين فيما طرحوا وقالوا:
فرصة للالتحاق بسلك التعليم
في ذلك اللقاء، تفتحت الأفكار، فكان من بينها فتح المجال أمام المكفوفين المؤهلين للالتحاق بسلك التعليم في وزارة التربية والتعليم، فهناك تجربة محدودة بتوظيف عدد من المكفوفين في المعهد الديني «لأهل السنة والجماعة»، وهناك مقترح لتكرار التجربة في المعهد الديني الجعفري.
ربما لم يغفل رئيس الجمعية حسين الحليبي، أن يشير إلى أهمية أكبر مشروع لتوظيف العاطلين عن العمل تطبقه الدولة، وهو المشروع الوطني للتوظيف وما يعلق عليه من آمال في أن يتم إدراج المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة في هذا المشروع لتخصيص وظائف تناسب قدرات المكفوفين وهو أمر موكل الى وزارة التنمية الاجتماعية للتنسيق مع وزارة العمل في هذا الشأن، مؤكداً أن الدافع وراء ذلك هو حاجة المكفوف إلى أن يعيش وخصوصاً مع تزايد المشكلات التي يواجهها المكفوف في المجتمع.
هل هي مشكلة؟
وقبل الاسترسال في طرح بعض الملاحظات والانتقال إلى شئون وشجون المكفوفين، نتساءل: «هل هناك مشكلة تعاني منها البلاد بالنسبة إلى المكفوفين الباحثين عن عمل؟»، حتى نجيب على السؤال ونواصل بحث المسألة، والإجابة تقول إن عدد المكفوفين الباحثين عن عمل والمسجلين في كشوف الجمعية لا يتجاوزون الثلاثين مكفوفاً! وهذا يعني أن العدد محصور أولاً، ما يجعل التحرك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة ممكناً لاستيعاب هذا العدد الذي يضم بالإضافة إلى المكفوفين عدداً من ضعاف البصر.
ويشير أعضاء في الجمعية إلى أن المطلوب هو برنامج عمل بالتعاون مع الوزارة (وزارة العمل) وكذلك بالتنسيق مع وزارتي التنمية الاجتماعية والتربية والتعليم لكي يتم الاتفاق على الوظائف التي تناسب المكفوفين وتوزيعها عليهم بحيث تشمل وظائف التعليم، البدالة والاستقبال، ووظائف المراسلين وحفظ الملفات والخدمات المكتبية البسيطة بالنسبة إلى ضعاف البصر.
ماذا يقول المكفوفون؟
حين يتحدث المكفوفون، فإن هناك علامات مشتركة تربط بينهم وبين الأصحاء من الباحثين عن عمل. وفي ذلك اللقاء، عبر عدد منهم عن الحاجة الى العمل وتوفير لقمة العيش لتغطية متطلبات الحياة، ويخطئ من يعتقد أن الكفيف لا يحتاج إلى هذا الأمر كله، أو يظن أن الكفيف «مرتاح» لأنه يحصل على المساعدات من الدولة تكفيه عن العمل... لا، ذلك ليس صحيحاً، فنحن في حاجة الى العمل من أجل أن نصرف على أسرنا ولا نكون عالة عليها وخصوصاً أننا جميعاً من عوائل متوسطة وفقيرة.
وهناك اشارة مهمة، تتعلق بتوظيف أو عرض وظائف لا تناسب قدرات المكفوفين حتى أولئك الذين يحملون مؤهلات جامعية، ما يضع بعض العقبات والتعجيز أمامهم.
أما أولياء أمور المكفوفين، فهم يتمنون أيضاً أن تنظر الدولة، من خلال هذه الرسالة التي يرفعونها عبر «الوسط» في وضعية الـ «30» مكفوفاً، واذا كان المشروع الوطني يضم ما يزيد على 40 ألف وظيفة، فليس من الصعب إيجاد 30 وظيفة تناسب أولئك المواطنين الذين لهم حقوق كاملة في الحصول على الأعمال والوظائف التي تناسبهم
العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ