ذكرت دراسة صدرت أخيراً أن القطاعين العام والخاص في دول الخليج العربية شهدا ضغوطاً لزيادة الأجور ناجمة عن الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة بفضل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى نحو 60 دولاراً للبرميل الواحد في العام الماضي ولقي استجابات من هذه الدول، وأن هذا الاتجاه مرشح للاستمرار في العام الجديد.
وقالت الدراسة إنه مع نمو اقتصاديات دول الخليج العربية بشكل سريع فإن التعويض أصبح أمراً مطلوباً في المنطقة. فالزيادة في كلف الحياة المعيشية في عدة مدن ونمو الطلب على المهنيين لعدم وجود العدد الكافي، بالإضافة إلى نمو توقعات مواطني دول الخليج للحصول على حصة من دخل النفط المرتفع في هذه الدول، كل ذلك وضع ضغوطا قوية على الأجور.
وأضافت الدراسة التي صدرت عن الشركة الاستشارية غلف تالنت (Gulf Talent) ومقرها دبي أن ارتفاع أسعار النفط المستمر شجع حكومات دول الخليج على زيادة الرواتب، ما وضع ضغطا على القطاع الخاص للقيام بالمثل، «وقد قاومت بعض الشركات في بداية الأمر، ولكن معظمها رفع الأجور أو أنه في طريقه إلى عمل ذلك». ويقول بعض المحللين إن الدراسة ليست بالضرورة تنطبق على البحرين بأكملها نتيجة عدة أمور من ضمنها اختلاف في طبيعة القوى العاملة وتوجاهاتها بين دولة وأخرى، إذ إن البحرينيين يقبلون على وظائف متدنية وبأجور بسيطة، وهذا قد لا يحدث في معظم دول الخليج التي تنعم بدخل مرتفع من النفط. والمملكة هي أقل دول الخليج العربية ثراء. وتقول الشركة إنها أجرت دراسة للمهنيين في دول الخليج العربية للتعرف على الزيادة التي حدثت في الأجور. كما أجرت مقابلات مع مديري الموارد البشرية لتشكيل فكرة عن الأجور في المستقبل. وأظهرت النتيجة أن الرواتب في دول الخليج العربية زادت بنحو 7 في المئة من شهر سبتمبر/ أيلول العام 2004 إلى أغسطس/ آب العام 2005، وجاءت قطر في المقدمة، إذ بلغت الزيادة في الأجور 7,9 في المئة، بينما كانت سلطنة عمان الأقل وبلغت 5,9 في المئة. وذكرت أن الزيادة في الأجور تختلف بشدة وفقاً للصناعة، إذ نالت قطاعات تنمو بسرعة أو تعتمد بشدة على المعرفة المحلية والخبرات الإقليمية مثل العقارات وقطاع الإنشاءات أكبر زيادة بلغت بين 8 و9 في المئة، بينما حصلت القطاعات التي تنمو قليلاً أو القطاعات التي يعمل بها عدد كبير من الأجانب على أقل زيادة في الأجور بلغت بين 5 و6 في المئة.
وأضافت أن الاتجاه التصاعدي للأجور يتوقع له أن يستمر في الفترة القليلة، المقبلة إذ إن الزيادة التي أعلن عنها سابقا ستبدأ خلال الشهور القليلة المقبلة مثل زيادة في المعاشات في المملكة العربية السعودية تبلغ 15 في المئة والتي بدأت في شهر اكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
إضافة إلى ذلك، فإن الشركات التي لم تراجع أجور الموظفين تجري في الوقت الراهن مراجعة شاملة للمستويات المعقولة للزيادة في الأجور، ويتوقع أن يتم تطبيقها خلال الشهور المقبلة. ولكن بعد نحو عام، فإن المستقبل غير واضح، بحسب قول الدراسة. فضغط التضخم الحالي وزيادة في المشتريات الناتجة عن زيادة الأجور ستؤدي إلى ارتفاع في الأسعار، ما يؤدي إلى زيادة إضافية في الأجور. وقالت إنه إذا حدث ذلك فقد يؤثر على الاقتصاد في عدة مجالات من ضمنها القطاعات التي لن تكون مربحة في الخليج، وبالتالي الانتقال منها وتجبر بعض الشركات على إعطاء أعمال ليست متصلة مباشرة بالزبائن إلى شركات فيما يسمى (outsourcing). كما ستؤدي إلى رفع عدد النساء العاملات، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، إذ إن نسبة عدد العاملات هناك هي الأقل.
وقد أدى ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الماضيين إلى طفرة في جميع دول المنطقة، وبينما أحدث ذلك نمواً وازدهاراً للكثير فإنه جلب معه ضغط التضخم مع تسابق الأشخاص والشركات على تقديم بضائع وخدمات محدودة أدى إلى ارتفاع في الأسعار.
وذكرت الدراسة أنه مع ارتباط عملات دول الخليج العربية بالدولار الأميركي، فقد وضع تراجع سعر الدولار في العامين الماضيين ضغطا على الأسعار، وخصوصاً بالنسبة إلى الاستيراد من الدول الأوروبية. وبانت هذه الزيادة بجلاء في جميع القطاعات، ولكن أكثر القطاعات تأثراً بها كان قطاع العقارات والممتلكات. وأظهر استطلاع قامت به الشركة في مطلع العام 2005 زيادة في الإيجارات بلغت 26 في المئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما شهدت بعض القطاعات زيادة أعلى. وتقول الدراسة إن (قانون) التعويض الانجليزي وهو لغة الأعمال الرئيسية، التي يستخدمها الأجانب وقوانين العمل الملائمة أعطى دول الخليج العربية واحدة من أفضل أسواق العمل في العالم، وساعد ذلك الشركات على الاستمرار في تلبية احتياجاتها من الموظفين عن طريق إعارة المهنيين من الشركات العالمية بدلاً من أن يجبروا على المنافسة للحصول على المؤهلين المحليين.
وقد أدى انهيار البورصات في الغرب وحوادث 11 سبتمبر العام 2001 إلى عودة الكثير من العرب والمسلمين إلى الخليج، ومعنى ذلك أنه بينما استمرت أسعار كثير من السلع في الارتفاع فإن الشركات واجهت ضغطا محدود الزيادة في الأجور والتعويضات. ومع ذلك فقد بدأت أمور في وضع ضغوط على الأجور مثل الكلفة المعيشية، ما أوجد صعوبة في بعض القطاعات لجذب الخبرات. وبالإضافة إلى ذلك فإن دولاً كانت تاريخياً مصدراً لتصدير المهنيين إلى الخليج تشهد هي نفسها نمواً اقتصادياً سريعا، ما جعل ذلك صعباً أكثر من ذي قبل لجذب المهنيين من هذه الأسواق.
ومثالاً على ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي في الهند نما بنسبة 6,2 في المئة في العام 2004، وطبقاً لشركة Hewitt Associates فإن مستويات الرواتب شهدت ارتفاعاً كبيراً بلغ 14 في المئة مقابل 8 في المئة في الصين و3 في المئة في اليابان.
أما الأردن ولبنان ومصر وهي الدول التي تصدر المهنيين الناطقين باللغة العربية إلى دول الخليج فقد شهدت نموا عاليا. وإضافة إلى ذلك، فإن حكومات دول الخليج العربية وضعت تحت ضغط متزايد من قبل مواطنيها للتجاوب مع ارتفاع الكلفة المعيشية وأكثر من المشاركة في الثروة النفطية معها.
وذكر الدراسة أنه في القطاعات النامية التي تعتبر الخبرة المحلية مهمة مثل قطاع الإنشاءات، شهدت إنهاكاً للعمال مع عدم المقدرة على إحلال غيرهم محلهم من السوق العالمية. ونتيجة لذلك، فإن أرباب العمل في القطاعين العام والخاص صاروا تحت ضغط للتجاوب مع ذلك عن طريق رفع مستويات الأجور. وقد قادت حكومات دول الخليج العربية هذه الزيادة وساعدها في ذلك الدخل المرتفع من النفط. وقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة زيادة رئيسية لموظفيها في شهر ابريل/ نيسان بلغت 25 في المئة للمواطنين و15 في المئة للعمال الأجانب. وفي الكويت التي أعطت الموظفين علاوة بلغت 200 دينار للموظفين الحكوميين في ديسمبر/ كانون الأول العام 2004 أعلنت زيادة سنوية تبلغ 600 دينار، ويضغط البرلمان الكويتي على الحكومة لمضاعفة هذه الزيادة.
كما أعلنت البحرين عن تقديم علاوة تبلغ 200 دينار، بالإضافة إلى 1600 دينار زيادة لجميع الموظفين المدنيين. وفي شهر أغسطس/ آب أعلنت الحكومة السعودية زيادة في الأجور تبلغ 15 في المئة، وهي أول زيادة شاملة خلال عقدين. كما سارع القطاع الخاص بعد بضعة أيام من إعلان الحكومة إلى تقديم زيادة بالمستوى نفسه للموظفين. وتقول الدراسة إن شركات القطاع الخاص التي لم ترفع من مستويات المعاشات هي الآن تراجع ذلك، وإن مديري التوظيف في دول الخليج يناقشون المستويات المعقولة لزيادة الرواتب في شركاتهم.
والأسئلة التي تلاحق مديري تتضمن المستوى المعقول للزيادة والهيكلة المعقولة مثل زيادة المعاشات الأصلية أو علاوة السكن وكيف يتم تطبيق الزيادة على الوظائف المختلفة وهل تكون الزيادة مؤقتة أو دائمة. وتحدثت الدراسة عن تكهنات بأن الإيجارات ستنخفض خلال عام أو عامين، ما يعني أن الزيادة يجب أن تكون مرنة، على رغم أن هذا يبدو بعيدا، وأن خيارات الدول أظهرت ليس صعوبة العودة عن الزيادة في الأجور فقط، وإنما تساعد على زيادة التضخم نتيجة لزيادة القوة الشرائية للموظفين. وطبقاً لنتائج دراسة أجريت على 3 آلاف مهني في الخليج فإن الزيادة في مستويات الأجور خلال عام واحد (من سبتمبر العام 2004 إلى أغسطس 2005 بلغت 7 في المئة وكانت أكبرها في قطر 7,9 في المئة وأقلها 5,9 في المئة في سلطنة عمان. وبينما ارتفاع الأجور في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وإلى حد ما الكويت، جاء معظمه بسبب ضغط التضخم على الاقتصاد وزيادة في الكلفة المعيشية فإن دول الخليج الأخرى وهي المملكة العربية السعودية، البحرين وسلطنة عمان لديها أسعار تضخم منخفضة، وإن الزيادة في الأجور راجع إلى المنافسة في الحصول على الأشخاص المؤهلين. وهناك اختلاف واسع في زيادة المعاشات بين القطاعات المختلفة تصل بين 4 و9 في المئة والأكثر حرارة هو القطاع المصرفي والمالي وقطاع الإنشاءات والعقارات، بينما شهد قطاع الصحة والتعليم أقل زيادة. ومن المفارقات فإن قطاعي النفط والغاز يحصلان على أقل زيادة في الأجور على رغم المدخل النفطي المرتفع. وتقول الدراسة إنه يبدو أن زيادة الأجور في القطاعات متلازم ليس مع النمو في كل قطاع على حدة فقط، ولكن إلى حد اعتماد القطاع على المهنيين فيه. فقطاعات الصحة العامة والتعليم والطاقة في دول الخليج العربية توظف مهنيين أجانب مثل المدرسين والأطباء والمساعدين ومهندسي النفط، وبذلك فهي قادرة على تحمل الصدمات والاستجابة إلى مطالب الزيادة من دون الحاجة إلى رفع الأجور بقوة. وبالتباين فإن القطاعات ذات المرتبات العالية هي تلك التي تعتمد على الخبرات المحلية. ومثالاً على ذلك فإن قطاع العقارات يعتمد على المبيعات ويحتاج إلى خبرات محلية، ما يجعل من الصعب توظيف أجانب. وبالمثل فإن قطاع الإنشاءات يحتاج إلى معرفة وقدرة على النظام محلية، ما يجعل من الصعب التخلي عن العمالة المحلية ذات الخبرات
العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ