بعد مرور 5 أعوام على بدء المشروع الإصلاحي لجلالة ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة، وتتالي الحوادث والمواقف بعد هذه المبادرة على مختلف الأصعدة، قد يحلو للبعض أن يضيء الشمعة الخامسة تفاؤلا وتطلعا لغد أفضل ومستقبل ديمقراطي واعد تعيشه المملكة وينعم به شعبها.
لكن المواطن البسيط من الطبقة المتوسطة من المجتمع قد لا يجد في هذا كله ما يشفي غليله، لأن احتياجاته واهتماماته بسيطة بقدر ما هي حياته، فهل استطاع المشروع الإصلاحي أن يدخل بيت هذا المواطن؟ وهل استشعر عامة الناس والطبقة المتوسطة من المجتمع بالتغيير نتيجة هذا المشروع المتميز عبر تاريخ البحرين الطويل؟
ديمقراطيتنا مميزة ولكن...
كانت خطوة ومبادرة جلالة الملك عظيمة وجبارة، إذ أخرج البحرين من الظلمات إلى النور كما يقول النقيب السابق بوزارة الداخلية مصطفى خلفان، الذي أكد أن كل شعوب العالم تتمنى الحرية وتسعى إليها، وكل الثورات على مدى التاريخ أتت تطالب حكوماتها بالتحرر وتطبيق أسس الديمقراطية في تعاملاتها، إلا أن البحرين حظيت بأروع الصور، إذ كانت البادرة موجهة من الملك إلى شعبه متمثلة في مشروع إصلاحي متكامل يهفو له القلب فرحاً وتقديراً.
وفي استرسال يقول: غير أن العملية تعرقلت بعض الشيء والسبب يعود إلى أن الشعب لم يصب في اختيار ممثليه الذين عجزوا عن تحقيق مطالبهم، فتجد البعض يتمتع بما تتيحه له الدولة من امتيازات مادية ومعنوية، وينسى هموم الناس و أمراضهم وظروف معيشتهم الصعبة، فكان الأجدر بالشعب أن يختار ممثلين موزونين وذوي علم وفهم أو تاريخ في النضال وذوي أهداف حقيقية، وليس المتملقين الذين يسعون وراء الجاه والمنصب، فقد أدى الملك واجبه، إلا أن بعض النواب «عموها» و دليل ذلك هو رشق الشعب لمجلسهم بالبيض والخضراوات الفاسدة!
حرية الكلام لا تكفي
«نستطيع أن نتكلم» تلك هي الميزة الوحيدة التي لاحظناها بعد الإصلاحات السياسية كما يقول المواطن منير أحمد علي، و من دون ذلك فالأمر سيان، فلاتزال مستويات المعيشة والأعمال متدنية، بل وتعود للخلف باستمرار، ولاتزال عمليات التجنيس العشوائي تواصل زحفها لتغير هوية الشعب وتنهب من المواطن البحريني الحقيقي حقوقه في الاستفادة من موارد الدولة وخدماتها، إضافة إلى كل ما سبق فإن السلع قد غلت وارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ من دون أن تواكب ذلك زيادة في دخل المواطن. ويضيف منير أن السلبيات الأخرى من الفساد والواسطات والمحسوبيات كلها زادت ولم تنقص، فأين هم نوابنا إزاء كل ما يحدث؟ وكيف يملكون الجرأة ليواجهوا جماهيرهم بعد أن خيبوا ظنونهم وانشغلوا بطرح التافه من القضايا والعمل على مصالحهم الخاصة من دون مراعاة لقضايا الحساسة والمصيرية كالتمييز والفساد والمصالح والطائفية وغيرها؟
الكل يتحمل الخطأ بدرجات
الهاجس المهم عند عامة الناس كما يتصور المواطن عيسى درويش هو تحسين الوضع المعيشي، وهو أمر لم يتحقق، وخطوة الملك جبارة ويشكر عليها إلا أن التساؤل هو: لماذا لم يتحقق هذا المطلب؟ فأمور أساسية كالصحة والتعليم والإسكان من الأمور التي تمس المواطن لاتزال محل تضارب وأخذ ورد، وأمور مهمة لم تطرح ولم تطرأ عليها التغييرات التي تكفل للمواطن عيشة كريمة.
ولم يحمل عيسى الخطأ أو النقص شخصاً معيناً بذاته لأن الشعب نفسه يتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية. واستشهد عيسى بتردي الأوضاع المعيشية وسعي الناس نحو تحسينها وتطويرها بالقروض التي يأخذها الشعب من المصارف، إذ يتكون الجزء الأكبر منها من قروض مخصصة لتحسين المعيشة كشراء سيارة أو ترميم منزل أو بناء شقة إضافية أو للزواج، ولا نجد منها إلا النزر المخصص للاستثمار وأمور الترفيه.
لم تتغير الدولة على الصعيد السياسي بالشيء الكثير، ولم يتم تنفيذ كل الوعود التي طرحت من خلال ميثاق العمل الوطني كما يقول مصطفى الخوخي الموظف بإحدى الشركات الخاصة، إذ اعتبر أن الإفراج عن المعتقلين هو الشيء الوحيد الذي كان له اثر واضح و مرتبط بعامة الناس إضافة إلى حرية الرأي و الكتابة.
وعقب الخوخي بأن الفترة التي سبقت تولي جلالة الملك لمقاليد الحكم كانت حقبة سوداء، وعلى رغم التغيرات التي حصلت إلا أن البطالة لاتزال ملفاً مفتوحاً بعد مرور 5 سنوات، ومستوى الرواتب لايزال متدنياً بالمقارنة مع الغلاء المستشري في الأسواق البحرينية، والكثير من المشكلات والقضايا كالتمييز في توزيع الخدمات الإسكانية، ودفن السواحل وتمليكها لمتنفذين و خليجيين على رغم وجود أفراد في القرى ينتظرون الخدمات الإسكانية منذ أكثر من 02 سنة.
ويؤكد مصطفى أنه لم تتم مناقشة دستور 2002 من جذوره فكان الأجدر بالشعب أن يختار ممثلين موزونين وذوي علم وفهم أو تاريخ في النضال وذوي أهداف حقيقية، وليس المتملقين الذين يسعون وراء الجاه والمنصب، فقد أدى الملك واجبه، إلا أن بعض النواب (عموها) و دليل ذلك هو رشق الشعب لمجلسهم بالبيض والخضراوات الفاسدة!
النواب ليسوا أحراراً كما يفترض!
لقد عشم النواب الشعب بالكثير، وكانت مقترحاتهم طيبة، لكنهم وبعد وصولهم لما يبتغون اخذوا يهتمون بأنفسهم، فتمتعوا بالمعاشات و السيارات و وظفوا أقربائهم و أصدقائهم، وكانت الطامة الكبرى مطالبة البعض بـ 08 في المئة من رواتبهم كمخصص لما بعد فترة الخدمة، أولم يكونوا يقصدون خدمة الشعب! ذلك التساؤل لطالما هز تفكير محمد الحداد و الكثيرين غيره من المواطنين، فأين هي أطروحاتهم في المجلس من الوعود التي اسكروا الناس بها حتى انساقوا وراءهم وصوتوا لهم، ليفيقوا على وصول بعض النواب غير الاكفاء والمتخبطين، يعملون على مشروعات لا تعني للمواطن المسكين أي شيء، ويناقشون قضايا ويفتحون ملفات، المواطن في غنى عنها.
لقد كان عاهل البلاد على استعداد لعمل الكثير من أجل تحسين أوضاع البلد إلا أن العجب - كما يقول الحداد - في أن المجلس الوطني لا يرفع أي تصورات بشأن قوانين تحسن أوضاع المواطن، فلا نجدهم تحركوا لوقف التجنيس الذي بدأت آثاره متزامنة مع المشروع الإصلاحي و الذي لم يكن موجودا بالصورة الحالية في عهد المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، فهل هناك حلقة مفقودة في هذا الشأن
العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ