تستحوذ البيانات الخاصة بالموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي على اهتمام قطاع الأعمال ليس في دول المجلس فحسب، وإنما في بلدان المنطقة والعالم عموماً، وذلك لما تمثله هذه الموازنات من أهمية بالغة للأنشطة الاستثمارية باعتبار الدولة المحرك الأساسي لهذه الأنشطة في دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن جديد تسجل موازنات دول المجلس لهذا العام 2011 أرقاماً قياسية، سواء فيما يتعلق ببند الإنفاق أو الإيرادات العامة؛ ما يشير إلى استمرار عملية تعافي الاقتصادات الخليجية من تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وأشارت صحيفة «المصرف» «في مثل هذا الوقت من العام الماضي يمكن للعجز الإجمالي المعلن لموازنات دول المجلس والبالغ 2.9 مليار دولار للعام 2011 أن يتحول إلى فائض يتجاوز 50 مليار دولار، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ حققت الموازنات السنوية لدول المجلس فائضاً إجمالياً بلغ 55.4 مليار دولار في العام الماضي.
يشار إلى أن تضاعف هذا الفائض حدث على رغم ارتفاع الإنفاق العام في موازنات 2010؛ إذ ارتفع في السعودية بنسبة 16 في المئة وفي عُمان بنسبة 9 في المئة. ويرجع هذا التفاوت في تقدير الفائض بصورة أساسية إلى اعتماد أسعار متدنية لبرميل النفط عند إعداد الموازنات الخليجية؛ إذ تعتبر عائدات النفط الممول الأساسي لهذه الموازنات.
وعلى رغم أن دول المجلس قد رفعت من سقف توقعاتها لأسعار النفط لهذا العام؛ إذ اعتمدت مملكة البحرين مستوى 80 دولاراً للبرميل وسلطنة عُمان 58 دولاراً ودولة قطر 55 دولاراً ودولة الكويت 43 دولاراً للبرميل؛ إلا أن معظم هذه الأسعار يبقى دون التوقعات المرتفعة لأسعار النفط والتي وصل فيها سعر البرميل إلى 100 دولار في مطلع هذا العام.
وتشير بيانات إجمالي الإنفاق في العام 2011 بدول المجلس إلى تمحوره حول مستواه للعام الماضي؛ إذ بلغ إجمالي هذا الإنفاق في الموازنات الخليجية في العام الجاري (2011) 299 مليار دولار، إلا أن التجربة السابقة تبين أن حجمه سيتجاوز الثلاثمئة مليار دولار في نهاية العام.
أما الإيرادات، وعلى رغم انخفاضها بنسبة 12 في المئة في هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، إلا أنها سترتفع بنسبة تتراوح ما بين 15-20 في المئة لتتجاوز حجم إجمالي حجم الإيرادات في الموازنات الخليجية للعام 2010، وذلك وفق التوقعات الخاصة باستقرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة في العام الجاري.
ومن الملاحظ أن موازنات هذا العام ركزت بصورة أساسية على قطاعي التعليم والصحة واللذين استحوذا على ما نسبته 40 في المئة من مجموع الإنفاق، وذلك بالإضافة إلى مشاريع البنية الأساسية والتي استحوذت على نصيب وافر من مخصصات الموازنات السنوية.
وفي هذا الصدد، فإن الارتفاع الكبير في الطلب على قطاع الخدمات، وخاصة الكهرباء والماء أصبح يرهق الموازنات الخليجية؛ إذ إن هناك نسبة عالية من الهدر والمبالغة في استخدام هذين المرفقين واللذين يعتبر فيهما معدل استهلاك الفرد في دول مجلس التعاون واحداً من أعلى معدلات الاستهلاك في العالم؛ ما يضفي أهمية كبيرة لبيان قمة أبوظبي بشأن المياه، كما أن استكمال الربط الكهربائي الخليجي يمكن أن يساعد في عملية ترشيد الاستهلاك.
وفي حال نجاح الجهود الخليجية الرامية إلى ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، فإن المزيد من الاستثمارات يمكن أن توجه للقطاعات الإنتاجية لتنويع مصادر الدخل وتوفير المزيد من فرص العمل للأيدي العاملة الخليجية المتزايدة؛ إذ يمكن لهذا التوجه أن يمنح الموازنات الخليجية بعداً تنموياً في السنوات المقبلة.
ولنجاح مثل هذا التوجه، فإن تغيراً هيكلياً لابد أن يطال بنود هذه الموازنات والتي تركز في الوقت الحاضر على أوجه الإنفاق الخاصة بمرافق الخدمات والمرتبات والأجور، كما أن هذه التغيرات الهيكلية يمكن أن تؤدي إلى زيادة نسبة الإيرادات غير النفطية لضمان موارد ثابتة وبعيدة عن تقلبات أسعار النفط والتي أصبحت خاضعة لمضاربات شديدة في الأسواق العالمية.
وكما هو الحال في العام الماضي (2010)، فإن موارد الموازنات السنوية في دول المجلس ستشكل مصدراً مهماً لتنشيط الأوضاع الاقتصادية ومساعدة بعض القطاعات التي مازالت تعاني من بعض تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وبما أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة في السنوات المقبلة، فإنه يبدو من الواضح أن موازنات دول المجلس قد تكون أنهت مرحلة العجوزات، ما سيكون له مردودات إيجابية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية وعلى النمو الاقتصادي في دول المجلس، إلا أنه يطرح من جديد موضوع الاستثمار الأمثل للفوائض الناجمة عن هذه الموازنات السنوية وتسخيرها لتنويع الاقتصادات الخليجية وتقليل اعتماد الموازنات الخليجية على النفط في المستقبل
العدد 3151 - السبت 23 أبريل 2011م الموافق 20 جمادى الأولى 1432هـ