تمر هذه الأيام ذكرى باعث السنة في الهند شاه ولي الله الدهلوي الذي ولد في الهند في 2 مارس/ آذار العام 1703 في أواخر عهد السلطان أورنجزيب (أحد سلاطين الدولة التيمورية العظام)، ونشأ في بيت علم وصلاح. فحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، وانصرف إلى دراسة اللغتين الفارسية والعربية، وتلقى علوم القرآن والحديث والفقه على المذهب الحنفي على يد أكابر علماء الهند، كما درس الطب والحكمة، والمنطق والفلسفة، ومال إلى الزهد والتصوف في هذه الفترة المبكرة، فالتفت القلوب حوله وأطلق عليه الناس «شاه ولي الله»؛ أي ولي الله الكبير.
بعد وفاة والده جلس للتدريس، وهو في هذه السن المبكرة يشفع له نبوغه وتمكنه من العلوم الشرعية، فأقبل عليه طلاب العلم يتلقون على يديه الفقه والحديث، وبعد أن أمضى اثني عشر عاماً رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وبعد أن قضى مناسكها، لازم الحرم المكي وجاور هناك، والتقى بشيوخ مكة وفقهائها ومحدثيها؛ فروى عنهم وتتلمذ على أيديهم، وأجازوه براوية الحديث، ثم عاد إلى بلده في مطلع العام 1722 ليستأنف حياة الدرس والتعليم.
دعا الشيخ إلى التصوف السني القائم على الاعتقاد والعمل بما جاء في الكتاب والسنة، وجرى عليها جمهور الصحابة والتابعين، وقام بتنقية التصوف من الشوائب، التي لحقت به من الفلسفات غير الإسلامية، وإبراز الجانب الإسلامي فيه. ونادى بفتح باب الاجتهاد وعدم التقيد بآراء الفقهاء الأربعة، وأثرت جهود الشيخ الإصلاحية في تلامذته، وعلى رأسهم ابنه الشاه عبدالعزيز، الذي كان كوالده نابغا في الحديث والفقه، فحمل راية أبيه بعد وفاته، ووقف للإنجليز حين أخذوا يستبدون بالأمر، ويقلصون سلطات الحاكم المسلم، وأطلق الكلمة المأثورة: «إنه لا يُتصوَّر وجود ملك مسلم من دون نفوذ، إلا إذا تصورنا الشمس بدون ضوء!»، وهو صاحب الفتوى الشهيرة بأن الهند أصبحت دار حرب لا دار إسلام، وعلى المسلمين أن يهبوا جميعاً للجهاد بعد أن أصبح إمام المسلمين لا حول له ولا قوة، ولا تنفذ أحكامه، والحل والعقد صار بيد الإنجليز المسيحيين... يعينون الموظفين، ويدفعون الرواتب، ويشرفون على القضاء وتنفيذ الأحكام. وكان لصيحات مدرسة «شاه ولى الله الدهلوي» أثر؛ اذ قاد العلماء الجهاد، وخاضوا غمار الحروب والمعارك لإنقاذ المسلمين من الإنجليز.
العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ