تشهد أسواق المال الخليجية في الفترة الحالية حالة غير مسبوقة من الانهيار والتراجع ما دفع بالكثير من المستثمرين إلى فقدان الثقة في هذه الاسواق وقيام البعض منهم بالانسحاب منها، الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة بشأن الاسباب التي تقف وراء هذا التراجع وأفضل السبل للتعاطي معها واحتمالات خروج الاسواق الخليجية منها مستقبلا.
وعند البحث عن أسباب هذا التراجع والانهيار فإن هناك تبايناً في آراء الاقتصاديين، إذ يرى البعض أن هذا التراجع كان متوقعاً منذ فترة بسبب حركة النشاط الكبيرة التي شهدتها أسواق الأسهم الخليجية في الفترة الماضية وارتفاع معدلات التداول فيها بشكل كبير اضافة إلى ارتفاع معدلات تمويل المصارف للافراد لشراء الأسهم.
وأرجعت نشرة أخبار الساعة الإماراتية هذا التراجع إلى ما حققته مؤشرات الأسواق الخليجية من مستويات قياسية متجاوزة المستويات الحقيقية لأسهم الشركات المدرجة بمعدلات غير طبيعية تجاوزت في كثير من الحالات 20 ضعفاً من قيمتها الدفترية بل وتجاوز مجموع قيمة الأسهم المطروحة حجم الناتج المحلي الاجمالي لدول الخليج الست مجتمعة والمقدر بنحو 550 مليار دولار بينما كانت قاعدة المستثمرين والمضاربين تتسع باطراد متجاهلة لابسط الابجديات الاقتصادية والاستثمارية التي تحكم عملية تقييم الأسهم طمعاً في جني المزيد من الأرباح.
وهنا يمكن الاشارة إلى ما يعرف بظاهرة «الهوامير» وهم فئة كبار المستثمرين في الأسواق المالية الذين يتهمهم صغار المستثمرين بنشر الشائعات والمغالاة في تقديم التوقعات الاقتصادية بشأن أسهم شركاتهم بشكل لا يتماشى مع الواقع الحقيقي لاداء هذه الشركات من الناحية الاقتصادية والمحاسبية.
ويرى البعض الآخر أن المسئول الرئيسي عن هذا التراجع هم صغار المستثمرين الذين ينطبق عليهم وفقا لرئيس وحدة التحليل المالي والمعلومات بسوق البحرين للاوراق المالية عبدالحميد عبدالغفار ما يسمى بنظرية«القطيع» وهو انجراف صغار المستثمرين وراء مستثمر كبير يتوسمون فيه المعرفة بقواعد التداول ما يجرهم إلى نتائج غير مرضية.
بينما يرجعها البعض إلى وجود امتناع شبه كامل من قبل المتداولين عن أي عمليات شراء أمام سيل من العروض على الحد الأدنى المسموح به بينما رأى قسم رابع أن سبب انهيار البورصات الخليجية يعود إلى جملة من القرارات الجديدة ففي السعودية مثلا ارجع بعض المحللين انهيار البورصة إلى عزوف المتداولين كرد فعل احتجاجي على قرارات هيئة سوق المال بايقاف بعض المتلاعبين بأسعار الأسهم وتخفيض نسبة التذبذب اليومية للأسهم من 10 في المئة إلى 5 في المئة بينما في الكويت أرجع آخرون الانهيار الكبير إلى شك المستثمرين في مسألة التدخل الرسمي لرفع أسعار الأسهم.
ومع استمرار الانخفاض في أداء البورصات الخليجية وما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على حالة النمو الاقتصادي في دول الخليج تشير توقعات المراقبين والمتعاملين إلى أن معالجة هذه الانهيارات يمكن أن تتم وفق الآتي:
أولا: تدخل حكومي غير مباشر من خلال تنظيم الاصدارات الاولية بطريقة تمكن السوق من تحملها أو من خلال تشجيع جهات استثمارية مثل صناديق المعاشات والمحافظ التابعة للمصارف على التدخل للشراء انطلاقا من سياسة استثمارية طويلة الأجل غير أن ذلك الحل يواجه باعتراضات من قبل بعض الخبراء على اعتبار أن أي تدخل حكومي سيكون له آثار سلبية سيئة على المدى البعيد من حيث إطالة الفترة اللازمة لعملية التصحيح والأداء في البورصات الخليجية وأن دور الحكومات يجب أن ينحصر في العمل على تحرير أسواق الأسهم وتعزيز الشفافية والافصاح وتقويض مفاهيم المضاربة المسيطرة على البورصات المالية وايجاد وساطة مالية ذات كفاءة عالية وقادرة على الابتكار والمنافسة والتجاوب السريع مع المتغيرات.
ثانيا: قيام أسواق المال بتصحيح الخلل ذاتيا وفق آليات عملها خصوصاً مع اختفاء العروض الكثيفة ووجود طلبات قوية على بعض الأسهم القيادية بما يؤدي إلى تحول منحنى الأسعار فيها من الهبوط إلى الارتفاع وكذلك وجود حركة نشطة لشراء الأسهم الرخيصة التي وصلت إلى أسعار مغرية بعد هذه الانخفاضات الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع عدد كبير من الأسهم وعودة الانتعاش للسوق مجدداً.
ثالثا: قيام الشركات بإعلان نتائج الربع الأول من العام الحالي خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة ما سيؤدي إلى ارتداد قوي للأسواق ينهي حالة الهبوط خصوصاً إذا أعلنت هذه الشركات عن أرباح من منطلق أن عوامل القوة في الأسواق الخليجية متوافرة وأن ما تمر به هو مجرد موجات للتصحيح تمثل نتيجة حتمية لحالة الصعود غير المبررة خلال الفترة الماضية
العدد 1288 - الخميس 16 مارس 2006م الموافق 15 صفر 1427هـ