قال تقرير لبيت الاستثمار العالمي «جلوبل» بشأن الاستراتيجية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي والنظرة المستقبلية على قطاعاته ان مستويات السيولة المتوافرة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ترتفع بسرعة فائقة بفضل ما تشهده أسعار النفط من ارتفاع، كما اقترن ذلك بارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع الفوائض الحكومية وتزايد الاستثمار في عمليات تنمية البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف أن المنتفع الرئيسي من ذلك يتمثل في الشركات المدرجة للتداول في أسواق الأوراق المالية، إضافة إلى مجموعة الشركات العائلية التي سيعم عليها النفع، ما سيؤدي إلى تحقيق الشركات لأرباح قوية. كما يتوقع أن يؤدي ارتفاع نصيب الفرد من الدخل، مقترنا بالخصائص الديموغرافية الإيجابية للسكان، إلى توجيه مزيد من الاستثمارات إلى فئة الأصول ذات الخطورة المرتفعة مثل الأسهم وصناديق الاستثمار. وتوقع التقرير ارتفاع معدلات التضخم نتيجة لزيادة الرواتب والتعويضات الأخرى بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي.
وذكر التقرير أن أداء أسواق الأوراق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي اتسم بالارتفاع الملحوظ على مدار السنوات الثلاث الماضية، في ظل ما شهده الكثيرون من ارتفاع حاد في أسعار الأسهم، كما اتسمت تقييمات بعض الأسواق بالمبالغة، وفي صدارتها السعودية، الإمارات وقطر. إلا أن تلك الأسواق شهدت عمليات تصحيحية منذ بداية العام الجاري.
وقال إن السوق الكويتية تبدو جذابة - عند مستوى التقييم الحالي- مقارنة بالبورصات الخليجية الأخرى، إذ إن مستويات الأسعار الحالية تمثل كثير من الأسهم فرصاً جيدة للشراء، وتوافر إطاراً لعملية اختيار دقيق للأسهم بهدف تجميعها. من ناحية أخرى، قد تتراجع مستويات السيولة المتوافرة وأنشطة التداول متأثرة بعروض الاكتتابات الأولية المزمع طرحها في الفترة المقبلة، إضافة إلى عروض الطرح الخاص، ورفع رأس مال الشركات، وكلها تؤدي إلى امتصاص السيولة من الأسواق خلال فترة النصف الأول من العام الجاري وباستخدام الأموال الناتجة عن التوسعات الرأس مالية، وفي ظل أسعار الفائدة المؤاتية السائدة في المنطقة، نتوقع مزيداً من عمليات الاستحواذ الكبرى من جانب الشركات الخليجية.
وقال إن أرباح الشركات هي التي تقوم بدفع عجلة نمو تلك الأسواق، فنجد نسبة القيمة السوقية إلى الناتج المحلي الإجمالي شديدة الارتفاع في دول مثل قطر والإمارات، الأمر الذي يشير إلى مبالغة تقييمات تلك الدول، إلا أننا نتوقع تحقيق الأسهم ذات القيمة السوقية المرتفعة لأداء أفضل، الأمر الذي يعزا إلى أنشطة الاندماج الداخلية والتوسعات الخارجية.
ودعا التقرير المستثمرين في الوقت الحاضر إلى الاختيار الآمن المبني على التحليل الأساسي للشركات والبحوث المتخصصة وتوزيع الأصول استراتيجيا على القطاعات المختلفة، والتنويع الملائم على مستوى الأسواق والقطاعات، بالإضافة إلى توسعة آفاق الاستثمار ليصبح طويل الأجل.
الملامح الاستثمارية لقطاع النفط
وذكر التقرير أن قطاع النفط يتطلب استثمارات طائلة، إذ تقدر الاحتياجات التمويلية للتنقيب عن النفط، عمليات التطوير، التكرير ومد الأنابيب، إضافة إلى الناقلات في منطقة الشرق الأوسط فقط إلى نحو 500 مليار دولار أميركي في الفترة ما بين 2005 - 2030. ومستقبلا، نتوقع تزايد مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقـة. إلا أن اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي الكثيف على النفط يمثل عامل ضغط، كما يمثل مدعاة للقلق، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار قابلية هذا النمو للاستمرار في الأجل الطويل. ومن جانبنا، نتوقع أن نشهد موجة من الأنشطة المتعلقة بعروض الاكتتابات الأولية والصناديق الخاصة بقطاع الطاقة، مع قيام الحكومة بالخروج من هذا القطاع. كما يتوقع لعمالقة هذه الصناعة مثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) التوسع عالميا لتبوء مكانة عالية في قطاع البتروكيماويات.
وأضاف أن أسعار النفط اخترقت مرة أخرى، حاجز الـ 60 دولاراً أميركياً للبرميل، وبلغت نسبة نموها 8 في المئة تقريباً منذ مطلع العام الجاري، ويمكن أن يعزا هذا الارتفاع إلى مخاوف السوق من تعطل إمدادات النفط القادمة من نيجيريا، والمخاوف المحيطة بإنتاج النفط في إيران، إذ يمكن للموقف الإيراني أن يغير موقف النفط بأكمله ويقدر نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 1,62 مليون برميل يومياً أو ما نسبته 1,9 في المئة، وصولاً إلى 84,6 مليون برميل يومياً في العام الجاري وفي الأجل القصير، نتوقع بقاء أسعار النفط على ارتفاعها، بفضل الظروف الراهنة في كل من نيجيريا وإيران، إضافة إلى عمليات الصيانة في مصفاة مربان الإماراتية، التي نتج عنها تخفيض الإنتاج بمقدار 150 ألف برميل يومياً.
أما في العام 2005، فقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 50 في المئة نتيجة للطلب القوي الناتج عن النمو الاقتصادي، وقلة الطاقة الإنتاجية من جانب الدول الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة الأوبك، وتتمثل القوة المحركة الدافعة لارتفاع أسعار النفط في تهديدات الجماعات المنشقة لشركات النفط في نيجيريا، والنزاع المتصاعد بين الغرب وإيران، ثاني أكبر منتج في منظمة الأوبك بعد المملكة العربية السعودية. ومستقبلا، نتوقع تراوح أسعار النفط في حدود 50 دولاراً أميركيا للبرميل خلال العام الجاري، وهو ما يشير إلى عام ممتاز لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، كما يتوقع نمو الطلب العالمي على النفط بنسبة 1,9 في المئة، وصولاً إلى 84,8 مليون برميل يومياً في المتوسط في العام الجاري، نتيجة لتحسن الظروف الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وآسيا (وخصوصاً الصين والهند)، إلا أنه هناك مخاوف بشأن معدلات الطلب خلال الربع الثاني من العام الجاري، في ظل الانخفاضات الموسمية المعتاد تكرارها كل عام.
ملامح الاستثمار للخدمات المصرفية والمالية
وقال إن استقرار النمو الاقتصادي وخفض معدلات التضخم عمل على مساعدة المصارف المركزية في الحفاظ على نظام مصرفي متزن وقوي في المنطقة، ونجد أن معدلات الفائدة في دول مجلس التعاون الخليجي ترتبط بالدولار الأميركي، إلا أن سيناريو رفع أسعار الفائدة يمكن أن يتسبب في تحسن هامشي، كما يمكنه أيضا أن يؤدي إلى تراجع مستويات الاقتراض من المصارف من ناحية أخرى. كما يتوقع نمو الإيرادات من غير الفائدة، من خلال الرسوم والعمولات لمصارف دول مجلس التعاون الخليجي. ونخص بالذكر رسوم الوساطة المرتفعة المترتبة عن ازدهار أسواق الأوراق المالية، رسوم الإدارة الاستثمارية، ورسوم القروض الهامشية والتمويل التجاري. علاوة على ذلك أدت السيولة الوفيرة نتيجة لارتفاع إيرادات النفط إلى تحقيق معدل نمو ثنائي الرقم في قاعدة ودائع قطاع المصارف، ونتوقع تراجع نسبة الودائع المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 50 في المئة تقريباً، نتيجة لزيادة الاستثمارات في فئات الأصول الأخرى، كما أن ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع يمثل عامل ضغط على الموجودات المرجحة بالمخاطر، ما يؤثر بدوره على معدلات كفاية رأس المال للمصارف المستقلة.
وأضاف التقرير أن النمو الاقتصادي القوي يؤدي إلى نمو غير مسبوق في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ويبدو النمو أكثر وضوحاً خصوصاً في قطاع العوائد المرتفعة الاستهلاكي، الذي شهد معدل نمو ثنائي الرقم. إلا أن المصارف ستركز بصورة أكبر على تطوير الإقراض الشخصي المتميز بارتفاع صافي أرباحه، ومن جانبنا نتوقع أن يؤدي الإقراض الموجه للقطاع الخاص إلى زيادة تمويل القطاع الخاص المتجه نحو توسع الشركات سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي في حين يعزى ارتفاع الإقراض الشخصي إلى التغيرات الديموغرافية التي تمر بها المنطقة. أما ارتفاع قروض التشييد فيعود السبب في ذلك إلى تزايد مشروعات الإسكان والمشروعات العقارية الأخرى، كما تعد جودة الأصول عاملاً متوافر في غالبية القطاعات المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي. ورغما عن ذلك، تبدو المخصصات كافية في ظل مستويات تغطية مؤاتية.
ملامح الاستثمار لقطاع الاتصالات
وقال إن دول مجلس التعاون الخليجي تقوم بالتركيز على خدمات الهاتف الجوال عملا على مواجهة المتطلبات الراهنة للاتصالات، إذ ترتفع بتلك الدول معدلات اختراق الهاتف الجوال عن تلك الخاصة بخطوط الهواتف الثابتة، ويعزى ذلك بصفة رئيسية للانتشار السريع وفعالية الكلف. ويبرز في هذا المجال، قطاع خدمات الدفع المسبق. ومستقبلاً، نعتقد أن معدلات اختراق الهاتف الجوال ستظل تقدم فرص نمو متميزة في منطقة الخليج.
وقال إن ارتفاع متوسطات الدخل الناتج عن كل مستخدم في أسواق عدة مثل قطر، الكويت والإمارات وغيرها يترتب عن حصول الشركات العاملة في تلك الدول على قاعدة قوية لتوليد التدفقات النقدية. كما تدعم قوة الاقتصاد الكلي، والنمط الديموغرافي نمو قطاع الاتصالات. ويعد الالتزام بتحرير قطاع الاتصالات مطلبا أساسياً للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية، وهو ما فرض على دول مجلس التعاون الخليجي التعهد بفتح قطاعات الاتصالات، الأمر الذي أثر بدوره على هذا القطاع بصورة ملموسة. وعلى مدى السنوات الست الأخيرة، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي موجة تحريرية للسوق، التي أدت إلى خصخصة الكثير من الشركات العاملة في مجال الاتصالات. كذلك تم السماح لمقدمي الخدمات من شركات جديدة بالتقدم للحصول على تراخيص خاصة بتقديم خدمات الاتصال.
وقال إن في الوقت الحاضر، تعد البحرين من أكثر الدول تحررا فيما يتعلق بقطاع الاتصالات، كما أظهرت كل من الإمارات والسعودية وإلى حد ما الكويت، بعض دلائل أنشطة التحرر. ويشهد قطاع الهاتف الجوال منافسة شديدة نظراً إلى دخول شركات جديدة إلى سوق الاتصالات في المنطقة. وأدى اشتداد حدة المنافسة في قطاع الهاتف الجوال مع ارتفاع معدلات اختراق
العدد 1291 - الأحد 19 مارس 2006م الموافق 18 صفر 1427هـ