العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ

العلاقات البحرينية الإيرانية نشأت قبل دخول الإسلام

في حوار مع الباحث الإيراني رسول جعفريان:

الوسط - سعيد محمد، علي نجيب 

23 مارس 2006

يتمنى المفكر والباحث الإيراني رسول جعفريان في هذا الحوار، أن يحقق الكثير من الأمنيات التي تدور في خلده... أولاها أن تتعزز العلاقة الثقافية والاجتماعية والتعاونية بين مختلف القطاعات في مملكة البحرين والجمهورية الإسلامية في إيران، وثانيها أن تتوطد العلاقات بين علماء المسلمين من مختلف الطوائف لفهم التحديات المعاصرة ومواجهتها، وثالثها أن تلعب المؤسسات البحثية والعلمية في العالم العربي والإسلامي دوراً أكبر لرفد الأمة وتقوية وجودها. ضيفنا، استطاع تأسيس مكتبة للدراسات التاريخية في مدينة قم المقدسة، تضم 70 ألف كتاب ومرجع تمثل 50 ألف عنوان في التاريخ، وهو مفكر وأستاذ أكاديمي يحمل درجة الدكتوراه في التاريخ ويحاضر في الحوزات الدينية وفي الجامعات ويتقن عدداً من اللغات، وله نشاط ملحوظ في مجال التأليف والترجمة، إذ قدم مؤلفات في تاريخ الدولة الصفوية وتاريخ إيران المعاصر، ومباحث أخرى في مجال التقريب بين المذاهب وله مشاركاته في هذا الحقل.

كانت أمسية طيبة تلك التي التقينا فيها بالضيف في بيت كريم من بيوت أهل البحرين، فقد استضافنا مدير عام مكتبة فخراوي عبدالكريم فخراوي في مجلسه العامر بضاحية السيف والتقينا بضيفنا بحضور مدير عام دار «المار» للترجمة محمد علي الموسوي الذي كان له الدور في ترجمة الحوار بأسلوب دقيق متقن، ودار الحوار في محطات كثيرة ننقلها هنا:

من دواعي السرور أن نرحب بكم في بلدكم الثاني البحرين، ونود بادئ ذي بدء أن نتحدث عن منظوركم لمجمل العلاقات بين البلدين الشقيقين؟

- وأنا أيضاً أشكر صحيفة «الوسط» لإتاحتها هذه الفرصة للتحدث الى أحبتنا في مملكة البحرين الشقيقة، ولي عتب بخصوص مسألة العلاقة الثقافية بين البحرين وإيران والتي أتمنى أن تكون على جميع المستويات أمتن بكثير مما هي عليه الآن. إن العلاقة بين البلدين الجارين المسلمين علاقة تاريخية تجمع البلدين وخصوصاً المنطقة الجنوبية والمنطقة الساحلية الشرقية في إيران، وهي علاقة تسبق دخول الإسلام للمنطقة، وحتى بعد دخوله، ولا يوجد تركيز على هذه العلاقة، إذ إنني حتى الآن لم أجد بحثاً علمياً مفصلاً عن هذه العلاقة، مع أن علماء كثيرين من البحرين وخصوصاً علماء الشيعة العرب كان لهم تأثير على إيران، ولا أفشي سراً حينما أقول التشيع في البحرين هو الذي قوى التشيع في إيران كما هو الحال مع التشيع في جبل عامل والحلة في العراق، بعكس ما يقال إن التشيع الإيراني هو الذي أثر على حركة التشيع في المنطقة.

- هذه الروحية هي التي نتمنى أن تجمع المسلمين من كل الطوائف ليتعايشوا بشكل يتيح للجميع الاستقرار، لكن المجتمع الإسلامي اليوم يلاقي دعوات كثيرة من علماء السنة والشيعة للتقارب والتفاهم ونبذ الطائفية والفرقة، وتخرج من الصلب حركات تدعوا للقتل والإجرام، ومثال ذلك هو الوضع في العراق والمد آت إلى منطقة الخليج، إذ بدأت المنطقة تغلي بأفعال هؤلاء الجماعات التي تدعي الفكر (الإسلامي الأصيل) مع شديد الأسف.

- هنالك مسألتان، الأولى ترجع للمسلمين، ويجب أن نؤكد أنه ليس كل أهل السنة يؤمنون بهذا التيار الذي يرتكب الجرائم ويقتل ويسفك الدماء، إذ إن هذا التيار يمثل أقلية من أهل السنة، وهؤلاء حركتهم بدأت قبل حوالي 100 سنة وفتحوا باب الاختلاف والتفرقة بين المسلمين، والذي يحصل الآن هم مسئولون عنه، والخطر في عدم تصدي علماء أهل السنة ومراكز وحوزات أهل السنة في الأزهر وفي الهند وباكستان وغيرها قد يجذب إليهم الكثير من أهل السنة من شباب وطلاب وغيرهم، ويثبت الاتهام على أهل السنة بأنهم جميعا من هذا الاتجاه، في الوقت نفسه يجب ألا ننسى دور الغرب، فسبب التطرف ليس من مشكلات العالم الإسلامي وحسب، بل إن سبب التطرف هو الاحتلال للبلدان، وهذا في حد ذاته يولد العنف والتطرف، وجزء مهم من هذا الذي نراه اليوم يعود إلى غزو العالم الإسلامي من الغرب، إذ تسبب بغزوه للعالم الإسلامي والاحتلال العسكري في بروز هذه الحركات المتطرفة، ونشوئها وتقويتها.

سيطرة الدولة الصفوية

تواصلا مع هذا الكلام، برزت لدينا الآن البالونات المرتبطة بالحقبة التاريخية بأن هناك نزعة لغرس مفاهيم الدولة الصفوية من جديد من العراق وارتباطها بإقليم فارس، وهذه الهجمة خطيرة، ولذلك تستخدم اليوم كورقة في كثير من المنتديات والباحثين والكتاب ينفخون في إطار هدف إعادة تأسيس الدولة الصفوية من جديد، ويحذرون من ذلك، فكيف تنظرون الى هذا الأمر؟

- تبرز اليوم في إيران حركات تضم من يعرفون بذوي الميول الوطنية، أو القومية الفارسية، وهم عموماً معادون للعرب ويتهمونهم بأنهم غزوا إيران وقضوا على ثقافتها واحتلوا بلادها، هؤلاء أنفسهم يتهموننا نحن الإسلاميون في إيران بأن التشيع دخل إيران بواسطة العرب الأشعريين والخزاعيين، وأن التشيع في زمن الدولة الصفوية دخل إلى إيران من جبل عامل في جنوب لبنان والشام ومن حلب، ونحن علينا أن نرد على هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام داخل إيران، وأن نرد على من يثير مسألة الدولة الصفوية خارج إيران، فكلام الفئتين باطل.

فيما يتعلق بهذه النظرة المتعلقة بنشر نوع من الرعب بأن هناك دولة صفوية وتسليحاً وملفاً نووياً الى آخره، هل أنتم في إيران كباحثين ومفكرين، لديكم تصور ما في هذه المساحة الساخنة؟

- المسألة النووية ليست مهمة في حد ذاتها، المهم هو أن التشيع في العالم الإسلامي إذا استطاع أن يؤدي دوره في تشجيع انتشار العقلانية في العالم الإسلامي، وإذا قبل المسلمون بأن التشيع له تراث عقلاني عميق في الإسلام، فأنا أعتقد أن المبحث النووي هو مبحث تضليلي يطرحه الغرب لإثارة الناس وتحذيرهم من خطر قادم من إيران، والحقيقة أن التشيع منتشر في كثير من البلدان العربية، وقادة الشيعة معروفون بالعقلانية والاعتدال ومخالفتهم للتطرف، فيمكن للتشيع أن يكون له دور بارز في نشر العقلانية في العالم الإسلامي، إذا ابتعد الناس عن المبحث التضليلي الذي يثيره الغرب لأنها ليست المسألة الأساسية.

التقريب بين المذاهب

كيف تقيمون اتجاهات ملتقيات التقريب بين المذاهب على مدى العقدين الماضيين من حركة الالتقاء، هل تشعرون بأن هناك نوعاً من التفاعل مع هذه الحركات واللقاءات؟

- في زمن ما في إيران بين القرنين السادس والسابع الهجري، كانت هنالك حرب بين الشافعية والحنفية في إيران، يقتتلون ويحرقون مساجد بعضهم بعضاً، ولكن، ومع مرور الزمن تمكنوا من حل مشكلاتهم، وأنا اعتقد أنه لم يأت زمن مثل هذا الذي نعيشه اليوم بحاجة إلى التقريب بين المسلمين، فلو قام المعتدلون من الشيعة والمعتدلون من السنة ببذل الجهد، فإنه يحذوني أمل كبير في أن يتحقق هذا الأمر، وتنحل الكثير من المسائل على مدى العقود القريبة المقبلة إن شاء الله.

من ضمن الأشياء التي تطرح بشكل مستمر من قبل بعض إخواننا من أهل السنة والجماعة عدم وجود مساجد في طهران لأهل السنة والجماعة، فما هي المسألة وما هي حقيقة الأمر؟

- اذا قبلنا بهذا النوع من الكلام، سنقول تجاوزاً إن العاصمة الرياض، في المملكة العربية السعودية لا يوجد فيها مسجد واحد للشيعة إن كنت تريد المقارنة بهذه الكيفية!

إخواننا من أهل السنة في كل مناطقهم في إيران يملكون مئات المساجد، وكل علماء السنة وخطباء الجماعة يستلمون رواتب من حكومة الجمهورية الإسلامية، إضافة إلى أنه بالتناسب مع عددهم في إيران نجد أن لديهم ممثلين في مجلس الشورى الإيراني، أما بالنسبة لطهران فلا يوجد فيها حي واحد يمكن تسميته بأنه حي لأهل السنة في طهران، فهم أعداد متناثرون، أما في شيراز، وبسبب وجود أعداد كبيرة من السنة هناك، نجد أن لديهم جامعا كبيرا يصلون فيه ولا أحد يمنعهم، وللتوضيح فإن عدد السكان في طهران يتراوح بين 10 إلى 12 مليون، وتنقسم إلى 22 منطقة بلدية، إذ يصل عدد السكان في كل منها إلى ما يفوق عدد سكان البحرين، أي ما بين 500 إلى 600 ألف نسمة، ويصل في بعض المناطق إلى مليون شخص، فأنت بذلك تتكلم عن بلد وليس عن مدينة، وفي هذه المنطقة الشاسعة توجد أعداد قليلة ومتناثرة، ولو اجتمعوا في مكان واحد قد يكون هناك سبب لبناء مساجد لهم، كما أنهم يستطيعون إقامة الصلاة في مساجد الشيعة، كما نصلي نحن في مساجد أهل السنة في بعض الأحيان، وأقول هذا الكلام باعتقاد جازم وهو أنه لا توجد ما نسبته 1 بالمائة من الشائعات الموجودة خارج إيران عن أهل السنة متداولة بين أهل السنة داخل إيران.

فيما يتعلق بمفهوم الجامعة العربية ومفهوم البحث العلمي الإسلامي

تجديد الفكر الإسلامي

لننتقل الى الحديث عن الجهود البحثية في العالم العربي والإسلامي فيما يتعلق بتجديد الثقافة الإسلامية وتجذيرها؟

- أعتقد أن المسلمين وبعد تسلط الغرب عليهم قبل حوالي 150 سنة اكتشفوا نقاط الضعف لديهم، وجرت محاولات كثيرة لتجديد الفكر الإسلامي، وهذه المحاولات شملت حركات فكرية وسياسية، إذ كان لها آثار جيدة إلى قبل نحو 70 إلى 80 سنة عندما دخل منافس جديد وخاص على الخط وهو الماركسية، ومع بروز الماركسية واجه الفكر الإسلامي بعض المصاعب، ولكن مع أفول نجم الماركسية قبل نحو 15 سنة بدأ الفكر الإسلامي يتجدد ويستعيد تحركه من جديد، وهناك جهود تبذل الآن لتجديد الفكر والارتقاء به.

هل أسست هذه الحركة مع أفول بعض الحركات الفكرية والماركسية وكذلك ما نتج عن المعسكرين الشرقي والغربي وانتهاء الحرب الباردة ، هل كان هناك فرصة لتأسيس مدارس فكرية إسلامية حديثة تخلصت من عقد كثيرة في الماضي. كثير من مراكز البحث انشغلت بتضعيف الأمة من الداخل وكأنما هي أداة للغرب وقد بدأ الناس الآن بالانتباه إليها؟

- القوة التي كانت في الماضي تحمي الأفكار اليسارية مثل الماركسية، بعد أفولها بدأت تتحرك تحت مسميات جديدة، أو تحت غطاء بمسمى آخر كالليبرالية والعلمانية، أو تحت غطاء فكري إسلامي غير أصيل، وهو في الواقع فكر إسلامي غير ذي فاعلية، ما سبب مصاعب داخل الحركة الفكرية للأمة، وهذا التعارض فيه جانب جيد وإيجابي إذ ساهم في تجديد الفكر الإسلامي، فليس الأمر سلبيا بالكامل، وتوجد إيجابيات من التعارض في الساحة الفكرية الإسلامية وذلك بهدف تجديد الفكر الإسلامي وبروز الفكر الإسلامي الأصيل.

المتصدرون لهذه العملية، هل هم مدركون لهذا الأمر، وهو أن هنالك فكراً غير أصيل ويجب أن يزاح وينظف من الشوائب وبعد ذلك استبداله بأسس جديدة؟

- في بلدنا - أي إيران - الناس الذين يتصدون لهذا الأمر ويدركونه تماما ويعملون بكل فعالية سواء الناس المتصدرين للفكر الإسلامي الأصيل أو العلمانيين، كلا الطرفين يدرك الأمر جيداً.

التعارض بين الإسلاميين والعلمانيين

في هذه المسألة تطرقت إلى أن الفكر الإسلامي لم يتجدد إلا بوجود تقصد من الغرب بتشويش فكري وغزو ثقافي، الآن هذه الممارسات التي صارت تتم بالمقلوب في العالم الإسلامي أصبحت تفيد الغرب، فالتطرف مثلا أصبح ينفع الغرب ويضر المسلمين، ونحن مازلنا نسير فيه ونواجه به عدوا جديدا على الثقافة الإسلامية؟

- التعارض بين الإسلاميين والعلمانيين هو أحد المشكلات، أما التحدي الآخر فيتمثل في وجود تعارض آخر داخل التيار الإسلامي نفسه بين المتطرفين وبين المسلمين الملتزمين الأصوليين الملتزمين بأصول الإسلام. والكثير من المسلمين عندما ينظرون إلى التاريخ يتأثرون بالأفكار المتطرفة، وعلى سبيل المثال الخوارج، الذين كانوا مثالا واضحا على التطرف بتكفيرهم للجميع واعتبارهم كل المذاهب والطوائف خارج الملة وهم المسلمون الوحيدون، وفي الوقت نفسه هناك حركة إسلامية معتدلة تنظر إلى الأمور بنظرة عقلانية وأصولية، وهذا التعارض موجود داخل التيار الإسلامي بين الطرفين.

وحال التيار الإسلامي... هو الآخر مضطرب، هل هناك ما يمنع من التلاقي الإيجابي بين التيارات الإسلامية المختلفة؟

- قبل الرد على السؤال، أشير إلى نقطة تاريخية أثرتها بالنسبة للخوارج، فحركة الخوارج التكفيرية كانوا يرفضون أية مبادرة للالتقاء والوحدة، وهؤلاء الموجودون اليوم خلف لذلك السلف، فبينما كان الإمام الصادق (ع) يرى أن الشهادتين تكفيان للإسلام، وكان أبوحنيفة يقول الكلام ذاته، كانت هناك اتجاهات متطرفة يكفرون أبوحنيفة، ويعتقدون أنه بكلامه هذا سبب في تضعيف العمل الإسلامي، ويتهمونه بأنه كان من المرجأة، فهؤلاء الموجودون اليوم هم أتباع ذلك السلف ويحدون حدوهم

العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً