العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ

«المعارضة الإلكترونية» فتاة حسناء في زمن الوحل...

باب السياسة المفتوح ونافذة الإصلاح من الخارج

يتنقل من حانة إنترنتية لأخرى، فالمسألة «أَمْنِيِات». والرقابة الإلكترونية قد تكتشف مكان إتصاله بالشبكة، وعندها قد يعتقل، ليحاكم على شيء قد لا تجيد النيابة العامة صوغ الادعاء فيه، فتتركه خوف «الفتنة»، وهو - على ما يبدو - مختص في كتابة / تلفيق التقارير السياسية السرية لمجموعته، والمسئول عن نشرها على مواقع المعارضة المحلية والعربية.

في كل مرة، يراقب مدى انسيابية أخباره/ فبركاته السياسية من موقع لآخر، هو بالتحديد يسعى لمراقبة مدى نجاح تسلسل التقرير في المواقع الإلكترونية الأخرى، وكلما زادت معدلات نقل الموضوع (الإشاعة) التقرير وكلما سخنت التعليقات المبشرة بالنصر الكبير، كان عمله أنجح، وأكثر جدوى، هو بالتأكيد نوع من أنواع النجاح السياسي، أصبح الحلم قاب قوسين أو أدنى... غدا يوم المعركة.

ما يفعله صديقنا هو ومضة من واقع المعارضة الإلكترونية العربية، وبجانبها سلسلة من الومضات، ولا أحد يدري إن كانت هذه المواقع فاعلاً سياسياً على واقعنا السياسي، ام انها مجرد «فضاءات افتراضية» لا يلتفت لها أحد، إلا المغرمون بالقصص الخيالية والبطولات البوليسية!.

لكن... هؤلاء حقيقة!

لكن، ما الذي يجعل من إحدى مواقع المعارضة في بلد ما، يسجل حالات دخول رسمية اكثر مما تحققه وكالتها الرسمية للأنباء. وما الذي يجعل من محرك البحث elgoog حين تضع اسم أي بلد عربي فيه، يعطيك منطقتين متقابلتين، نجد سلسلة من المواقع الحكومية، والأخرى «ضد الحكومية»، هل تتشكل الصورة السياسية من الخارج عبر هذه التراتبية، ربما، ولعله أكيد.

في الحقيقة، حينما تضيق على المعارضة العربية رحابة برلماناتها وصحافتها، فهي تستنهض أدواتها الإعلامية نحو الانترنت «الباب المفتوح»، والباب الإلكتروني يحتوي على هذا الحاجة المفقودة والتي قد تضيق بها فضاءات السياسة داخل الدول، أو لعله باعث الأمل الذي لابد أن يصدقه الأبطال المعارضون والحالمون بالتغيير لما تبقى من سنين الوجع المحفورة في الذاكرة، ما الخطأ في أن تحلم «المعارض»، طبعاً لا خطأ!.

الخارج... الإلكتروني

من جهة أخرى، هل المعارضة الإلكترونية تكتيك سياسي للارتهان للخارج، حسنا قد يقول قائل، لم تكن المعارضة العراقية «مجرمة» حين استقوت بالخارج، كانت سنوات الرصاص والتعذيب كفيلة بأن تفقد المعارضة العراقية أمل الحياة من الداخل، وإن كان للحياة طريق تصنعه واشنطن أو بريطانيا فلا مانع، فلابد أن تنتهي من ذاكرة الناس رائحة الرصاص، أو أن يجربوا، ولو لفترة وجيزة، متعة إطلاق الرصاص لا تلقيه.

إذاً، لعل المعارضة الإلكترونية هي سياق الدخول للخارج، والخارج هو ذلك «الكبير» الذي لا حد له، هو المواطن مع الحدث بعيداً عن رقابة الوطن، بعيداً عن أدوات الصحافة والإعلام.

المعارضة الإلكترونية هي وسيلة الكفر بما هو موجود من أدوات الحوار، أو هي جهاز تسويق القضايا، تسويق الأوهام، تسويق كل شيء حقيقي، أو لا حقيقي، وفي السياسة ليس لدينا متسع من الوقت أو المكان للدخول في حدية الحقيقة واللاحقيقة!.

ما «الموضوع»؟!...

ببساطة، ثمة دخول مفاجئ للإنترنت والثورة الرقمية على الاعلام والسياسة، عبر ما يسمى بـ KCOHS LARUTLUC «الصدمة الحضارية»، وهذه الصدمة نتجت جراء ما أطلق عليه إنترنتة المفاهيم «MSITINRETEN»، المعارضة الإلكترونية هي إغراء فتاة حسناء لا تكلف الكثير، أو هي خارج نطاق الكلفة.

أما السؤال في ملفنا، فهو كيف وظفت المعارضة العربية هذا الفضاء السياسي الجديد؟، وما مدى فهمها لهذه المعرفة السياسية؟ وما هو أفق تعاملها مع هذا الفضاء؟، وما هي المؤثرات السياسية الجديدة التي أنتجها هذا النوع من المعارضة؟

ثمة «وحل» من الإجابات قد نضيع فيه، كما هو ضياعنا في وحل الأسئلة، أليست سياستنا اليوم تعيش في زمن يسمى بـ «زمن الوحل»!، وفي خضم هذا الزخم من التعقيد، علينا التنبه إلى بعض الاشكالات المهمة:

أولاً: نحن بصدد الحديث عن موضوع ذي طابع «اعلامي» و«سياسي» في التوقيت نفسه، ولن نستطيع الفصل على أي حال من الأحوال بين الزاوية الإعلامية والسياسية في ملفنا هذا. المسبب الرئيسي في هذه الإشكالية هو تغول «الإعلامي» على حساب «السياسي»، وانحصار «المعرفة السياسية» بالحال الاجتماعي، والذي يلعب فيها الشق الإعلامي دور الحامل الإتصالي الرئيسي.

ثانياً: لابد من مراعاة فوارق التوظيف الإستهلاكي للفضاء الإلكتروني. بين الغرب، والذي اعتمد على عولمة الشبكة الإلكترونية بهدف اقتصادي، بعد أن كانت فضاء عسكرياً بالدرجة الأولى. وبين الشرق، حين يستهلك الإنترنت بإعتباره «الساحة الأمثل» للتعبير عن الرأي، وللمعارضة السياسية، وصولاً بعض الأحيان لإعتباره متنفساً بديلاً عن الكبت المجتمعي لعدة عناصر واهتمامات اجتماعية مهمة كالحرية الجنسية، أو العقائدية... الخ.

ثالثاً: التنبه لعمليات المخادعة السياسية في الفضاء الإلكتروني ( تشاكوتين - اغتصاب الجمهور بواسطة الدعاية السياسية 1939 )، والإجابة على السؤال التاريخي عن مدى صحة الفرضية التي تذهب إلى أنه إذا كان الديكتاتوريون يستخدمون وسائل الإعلام للتحكم بشعوبهم، فلماذا لا تكون المعارضة العربية اليوم في إعلامها الإلكتروني تلعب بالأدوات نفسها لتحقيق الهدف ذاته، فهل تخدعنا المعارضة العربية عبر إعلامها الإلكتروني؟

رابعاً: بالنسبة للمكاسب السياسية من الإنترنت، فالصورة الأولى يضعها «دافيد ريسمان»، وتذهب إلى أن وسائل الإعلام تصنع الإغراء الذي يستطيع ان يفكك وحدة المعرفة الذهنية والمتخيل العام عن أي قضية سياسية.

لا يمكن لنا أن نهمل «الوسائل الحديثة» في التقنيات الإعلامية. وتأثيرها على قناعات الناس. ونستطيع أن نتفهم القوة التأثيرية على الرأي العام من خلال تصفح موقع إلكتروني «عالي التقنية» يصور حكومة عربية ما بأنها «حكومة شريرة»، وبين ردة الفعل السلبية المتوقعة من موقع معارضة أخر، يتضح من خلال عنونة أجزائه أنه مجرد مركز لتصدير الإشاعات لا أكثر وربما أقل من ذلك... (عادل مرزوق - السلطة السادسة).

والصورة الثانية، هي ملاحظة أن قادة الرأي العام هم الأكثر تعرضاً للمضمون السياسي المتخصص في أجهزة البث السياسي الإعلامية، فالمصدر الرئيسي للبث الإعلامي يقوم بالتأثير على الطبقات الشعبية بعد مروره بالنخب وقادة الرأي العام، ومفاد هذه الفكرة أن التعرض يمر عبر مرحلتين اتصاليتين (اليهو كاتز 1955).

إلا أن الواقع الإنترنتي في توظيفه السياسي اليوم يخضع لمتغيرات أخرى، فالمعارضة الإلكترونية الناجحة تهتم بالبعد السياسي الخاضع لما أفضل أن أطلق عليه «السياسة المؤسساتية»، وهذه التقنية السياسية لم تتضح معالمها لدينا.

وللتوضيح أكثر، فإن «السياسة المؤسساتية» لا تحاول صناعة رأي عام عربي أو حتى عالمي، فـ «الرأي العام» شعار «خدّاع» فارغ، وهو لا يتحكم بالواقع السياسي. وعلى سبيل المثال، في كم ملف من الملفات السياسية استطاعت المعارضة البحرينية أن تصنع رأياً عاماً مؤيداً لها، ولكنها لم تستطع أن تغير شيئاً!، السبب في هذا الإخفاق أن المعارضة تصنع رأياً عاماً ولا تصنع إجماعاً مؤسساتياً على هذا الرأي، وهنا بالتحديد «مقتل القراءة التحليلية لهذه الصورة السياسية» (عادل مرزوق - السلطة السادسة).

على المعارضة العربية الإلكترونية أن تحاول صناعة قناعات مؤسساتية سياسية كونية بضرورة الإيمان بأهدافها السياسية، وبهذا ستكون قادرة على التأثير وإنتاج القرار السياسي الإجرائي، وببساطة ستستطيع التغيير في مراحل متقدمة، أما إذا ما بقت على ما هي عليه، فهي ستبقى رهينة رؤية (اليهو كاتز)، ولن تنجز شيئاً.

خامساً: ثمة الكثير من القوالب الإنترنتية الجاهزة في الإشتغال الأكاديمي الغربي، بمعنى أنه ثمة إكتمال معرفي في دراسة بعض السياقات الإنترنتية، بينما تبقى هذه السياقات في الشرق العربي غير مشتغل على تحليلها، وأعتقد انه من التسرع الإدعاء بأن ثمة سياقات إلكترونية إنترنتية جاهزة على الصعيد السياسي العربي.

سادساً: قد يكون من الصعب الحصول على أرقام إحصائية، ذلك أن النشاط الإتصالي غير منظم جغرافياً، كما أن ملكية المواقع الإلكترونية السياسية مختلف عليها اكثر مما أتفق، فالكثيرون يذهبون إلى ربط مواقعهم بشركات استضافة أميركية أو بريطانية، لسببين رئيسيين، الأول هو انخفاض الكلفة، والثاني هو وجود ضمانة متكاملة بعدم تعرض المواقع الإلكترونية لأي إغلاق قد تفرضه السلطات الحكومية.

سابعاً: لابد من مراعاة فارق مهم ومحوري، وهو ان المعارضة العربية حين تعمد لإستثمار الشبكة الإلكترونية فهي تحاول الدخول في منطقة الحوار مع الخارج، وعلى أن المعارضة البحرينية تفتقر لأن تكون معارضة تتحدث للخارج، خصوصاً في ظل ضعف مواقعها العربية فضلاً عن عدمية المواقع الإنجليزية، فإن الواقع الإلكتروني السياسي للمعارضة البحرينية يقارب مستوى الصفر.

ثامناً: لابد من مطالعة الاستراتيجية السياسية للمعارضة، ومن ثم الدخول في منطقة المعارضة الإلكترونية، بمعنى، هل ثمة توجه رئيسي في استراتيجية المعارضة للحوار مع الخارج؟، هذا السؤال طرح في الكثير المرات، وكانت الإجابات متباينة، فبين الإعلان من الباب الرسمي بأنها معارضة ترفض «الإصلاح بالخارج»، فإنها تعمد لمخاطبة الخارج والتحاور معه من النافذة!

هذا القلق، تعتبر المنتديات الإلكترونية بطريقة لا مفر من الإقرار بها لاعباً رئيسياً بها، نجد الحوارات التي دارت في إحدى المواقع الفلسطينية حول «حركة حق» البحرين لقطة سياسية إعلامية لابد أن نهتم بها، كذلك هي إحدى الصحف الأميركية التي صدرت قصتها الخبرية عن البحرين من خلال شخصية إنترنتية مثيرة للجدل.

وعليه، نحن في ملف، تتبعه ملفات أخرى أكثر جرأة، تحتاج ما تحتاج من دراسة وبحث

العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً