كان يسعى للتميز الإبداعي، وأن يعتلي القمة السامقة التي ينشدها أي أديب طموح. وأخيراً كتب نصاً رائعاً، نصاً لم يكتب مثله من قبل، فقال: الحمد لله، وأخيراً تحقق الحلم الذي كنت أصبو إليه منذ زمن بعيد، كتبتُ نصاً مطلسماً لن يفهمه أحد، وأكبر دليل على ذلك أني -أنا كاتبه- لم أفهم منه شيئاًً !!
كان يحتضن مخطوطة روايته البكر (جدائل الصمت) بكل قوة وحنان، ينتظر في مكتب الناشر والأديب المشهور. ولما حضر بعد تأخر طويل، قدمها له كأنها فلذة كبده. تصفحها الأديب المعروف بلا مبالاة، وطلب أن يعود بعد أسبوع ليعرف رأيه في الرواية وإمكانية نشرها. في الموعد المرتقب الذي انتظره بكل لهفة وشوق وقلق، أرجع له الأديب الكبير مخطوطة الرواية توشحها عبارة (لا تصلح للنشر). لملم فجيعته وانسحب يجرجر قدميه كأنما هو ذاهب إلى بيت عزاء ابنه أو أبيه. وبعد شهر صدرت رواية للناشر الأديب المعروف بعنوان (صمت الجدائل)، تناولتها المقالات والدراسات بالعرض والتحليل والثناء الذي لا سابقة له !!
انبطح أرضاً يكتب مقالته اليومية، كتب بضع كلمات، ثم شطبها، وكتب كلمات أخرى، فلم تعجبه، أمسك بالورقة وكورها وألقاها جانباً. تكررت العملية عشرات المرات دون أن ينجح في كتابة المقالة. جلس وشاهد منظر الأوراق تملأ المكان، فخطرت له فكرة كومضة، أخذ جهازه الخلوي وصوَّر منظر الأوراق، وأرسلها إلى رئيس التحرير لينشرها بدلاً من مقالته بعنوان: «ولادة متعسرة» !!
استدعاه المدير العام، وأخبره أنه نظراً لكفاءته وقدراته وإخلاصه في العمل قرر أن يعينه مساعداً أيمن له، وخصص له مكتباً خاصاً وسكرتيرة تساعده، لم يصدق ما سمع، دخل جناحه، فذهل لجمال سكرتيرته وأناقتها، ولما دخل مكتبه الخاص لم يصدق عينيه؛ فخامة وأبهة ونظافة. جلس على الكرسي الهزاز، وأخذ شوطاً من الدوران لم يفق منه إلا على صراخ ابنته الصغيرة متألمة من أخيها الذي يشدها من شعرها!!
أخبره السجان أن يختار إحدى السمكات العشر ليأكلها، علماً أنَّ واحدة منها فقط مسمومة، تردد، فاستحثه السجان، فلا وقت لديه فعليه أن يقدم الطعام لغيره من المساجين. اختار واحدة، ثم تركها واختار غيرها، وأخيراً حزم أمره ووضع سمكة في طبقه. بعد ساعة عاد السجان فوجد سجيناً واحداً فقط على قيد الحياة !
العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ