يؤشر مقتل عدد من أنصار رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر بنيران القوات الأميركية في بداية الأسبوع إلى تصعيد كبير للنزاع في العراق، وقد يصبح الوضع خطيرا للغاية بالنسبة إلى القوات الأميركية. فضراوة واستدامة التمرد العراقي، حتى الآن، مستمدة من الأقلية السنية التي يقارب عددها الخمسة ملايين نسمة، أو 20 في المئة من عدد سكان العراق. وتم احتواء التمرد في محافظتين، غالبية سكانهما من السنة في العراق الأوسط، والعاصمة بغداد. وكلما تزايدت اشتباكات القوات الأميركية مع جيش المهدي، التابع للصدر، تصاعدت احتمالات استعداء قوى رئيسية ضمن الغالبية الشيعية العراقية البالغة 15 مليون نسمة، أو 60 في المئة من غالبية السكان، والتي دعمتها ودربتها وسلحتها القوات الأميركية على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وتعترف إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بأن الصدر معاد بشدة للولايات المتحدة وهو مصمم على إخراج القوات الأميركية من العراق، كما أنها لا تغفل عن دعم إيران المجاورة له بالمال والسلاح.
كما أن الصدر ليس رمزا هامشيا في السياسة والمجتمع العراقيين. فقد حققت الأطراف التي دعمها نجاحا ملحوظا في الانتخابات النيابية التي جرت في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وبعد موجة القتل التي استهدفت السنة في العراق الأوسط إثر تفجير مرقد شيعي مقدس بمدينة سامراء في 22 فبراير/ شباط الماضي، تنبه السياسيون الأميركيون إلى أن قوات الأمن العراقية الجديدة، التي لم تمنع عمليات القتل، تتصرف وفق أجندتها الخاصة ولا يستطيع المستشارون الأميركيون الذين ساهموا في تكوينها السيطرة عليها. وهذا يعني أن القوات الأميركية ليست حرة في التحرك ضد قوات الصدر. فبعد يوم من الاشتباك مع أنصار رجل الدين الشيعي الشاب، قال محافظ بغداد، وهو شيعي أيضا، إنه علق التعاون مع القوات الأميركية في العاصمة العراقية.
وكان بعض منظري التكتيكات الدفاعية الأميركية روجوا لعمليات القتل الهادفة لتصفية قادة التمرد العراقي و«قطع رأس» العنف في المناطق السنية العربية. ولكن اتّباع هذا الأسلوب ضد ميليشيا جيش المهدي وقادتها قد يكون محفوفا بالمخاطر. فإن مقتل الصدر ورمي القضية على باب أميركا، حتى لو لم تكن ضالعة فيها، سيطلق موجة عنف شعبية في جنوب العراق تتحمس إيران لتأجيجها.
إذا حصل ذلك، فإن القوات الأميركية البالغ عديدها 130 ألف جندي، ستجد نفسها عالقة في مواجهة تمردين: التمرد السني التقليدي، والتمرد الشيعي الجديد الأكثر خطورة.
ويمكن أن يستفيد التمرد الشيعي من المعلومات الاستخبارية واللوجستية المتوافرة لدى قوى الأمن العراقية التي تسيطر عليها، ما يكشف خطوط تموين القوات الأميركية التي تمر عبر الجنوب الشيعي، ومخازنها، وقد يفرض ذلك على الولايات المتحدة اعتماد التموين الجوي، ولو مؤقتا، لتعزيز القوات في وسط العراق.
فرحلة الأسابيع الثلاثة التي أمضتها القوات الأميركية في تقدمها من الكويت إلى بغداد لإسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين في العام 2003 قد لا تتكرر إذا دخلت واشنطن في مواجهة مع شيعة الجنوب العراقي.
يو بي آي
العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ