دعا رئيس تحرير صحيفة «الجريدة» البغدادية الباحث قيس جواد العزاوي الى توفير الحماية للصحافيين في العراق. وقال في بحث عن واقع الصحافة العراقية منذ إصدار أول صحيفة في بغداد باسم «جورنال العراق» العام 1816 إلى إصدار أكثر من 200 صحيفة بعد الاحتلال الأميركي للعراق: «إن من واجب الحكومة العراقية والبرلمان المنتخب حماية الصحافيين من المضايقات الحزبية والاستقطاب الطائفي الذي يمارس ضدهم من قبل المسلحين من جهة وقوات الأمن العراقية من جهة أخرى».
وبين أن الأعداد الهائلة لضحايا العنف والاقتتال والاغتيال في صفوف الصحافيين العراقيين، لم يدفع الحكومة العراقية ولا حتى الدول المشتركة في القوات المتعددة الجنسيات إلى فتح ملف تحقيق في ظروف مقتل هذه الأعداد الكبيرة من الصحافيين ولم يقدم اي فرد من الجناة إلى العدالة، وفيما يأتي نص بحث قيس العزاوي:
بعد قرنين من صدور أول صحيفة اسبوعية عرفتها البشرية وهي «ريلاسيون» في ستراسبورغ العام 1605 صدرت في العراق أول صحيفة عرفها العالم العربي وهي «جورنال العراق» التي أصدرها الوالي العثماني داوود باشا الكرجي العام 1816 وكانت تطبع في مطبعة حجرية وتعلق نسخ منها على جدران دار الامارة. وبذلك سبقت العراق مصر باثني عشر عاماً... إذ لم تصدر أول صحيفة مصرية وهي «الوقائع المصرية» إلا في العام 1828 عندما أمر بتأسيسها محمد علي باشا...
وصدرت الصحيفة العراقية الثانية وهي «زوراء» بعد أكثر من نصف قرن من الاولى اي في منتصف يونيو/ حزيران العام ،1869 وكانت صحيفة أسبوعية رسمية تصدر كل يوم ثلثاء بأربع صفحات، باللغتين العربية والتركية وهي لسان حال الولاية. صدر العدد الاول منها بعد شهر من تعيين مدحت باشا واليا على بغداد. بعد ذلك تعددت الصحف مثل صحيفة «الموصل» التي صدرت العام 1885م وهي صحيفة اسبوعية رسمية صدرت باللغتين العربية والتركية وصحيفة « البصرة» العام 1889م وهي صحيفة «الولاية الرسمية»، وهي أسبوعية سياسية أدبية صدرت كل يوم خميس، باللغتين العربية والتركية...
الصحافة العراقية عبر العهود
تلك كانت بدايات صدور الصحف العراقية، ولعبت هذه الصحف دوراً مهماً للغاية في تاريخ الدولة العراقية، وكانت لسان حال المكونات السياسية والاجتماعية العراقية، وكانت هدفاً للأنظمة القمعية... ومع ذلك تفاوت تعامل الحكومات المتعاقبة مع الصحف والصحافيين من عهد إلى عهد، ويمكننا ان نميز ما بين أربعة عهود، هي:
1- العهد الملكي ( 1920 - 1958) وعرف صدور صحف متنوعة الرسمية منها والمعارضة لكن بقيود وبتراخيص خاصة... ومع ذلك لعبت الصحافة الوطنية دوراً رائداً في ربط العراق بقضايا الأمة العربية وحركة التحرر العالمية وقضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي في البلاد.
2- العهد الجمهوري الأول ( 1958 - 1968) الذي شهد المرحلة القاسمية (عبدالكريم قاسم) والعارفية (عبدالسلام عارف وأخيه عبدالرحمن عارف)... وفي المرحلتين صدرت صحف متنوعة كانت تتمتع بحريات مهمة لكنها مع ذلك مقيدة نوعاً ما.
3 - العهد الجمهوري الثاني (1968 - 2003) وهو العهد الظلامي الذي وظفت فيه الصحافة وأقلام الصحافيين لخدمة الرأي الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد... ولم تعرف هذه المرحلة صدور صحف معارضة... وما صدر في مطلع السبعينات من صحف مرتبطة بالحزب الشيوعي أو الحزب الديمقراطي الكردستاني كانت تتمتع ببعض الحريات المحدودة ولم يكن لها حق نقد الحزب الحاكم او القيادة، ومع ذلك اختفت كليا فسحة التعدد الصحافي الصغيرة هذه بتوقيع صدام حسين اتفاق الجزائر العام 1975 مع شاه إيران... وآنذاك حتى انهيار النظام واحتلال العراق... لم تشهد الصحف العراقية عهداً رهيباً منعت فيه التعددية الصحافية وكذلك كل الآراء ماعدا تلك المتطابقة مع رأي الحزب الحاكم والقيادة السياسية مثلما شهدته في هذا العهد.
4 - العهد الجمهوري الثالث (مارس/ آذار 2003 حتى اليوم) عاش العراق في ظل الاحتلال وهو عهد غياب الدولة ومؤسساتها، وعهد انطلاق الثورة العددية للصحف والحرية للصحافيين العراقيين في كل الاتجاهات، حريات بلا قيود لم يشهدها العراق من قبل.
الصحافة في عهد التعدد
يمكننا احصاء عدد الصحف اليومية ونصف الاسبوعية التي صدرت في العراق بعد التاسع من ابريل / نيسان العام 2003 بـ 201 صحيفة استناداً الى البيبلوغرافيا التي اعدها الباحث العراقي سعدالدين خضر ونشرتها صحيفة «الجريدة» على حلقات... وعدد الصحف المجازة من قبل نقابة الصحافيين العراقيين هو 100 صحيفة فقط بحسب ما اورده رئيس لجنة العلاقات الخارجية مؤيد اللامي الذي يضيف «ان غالبية الصحف لا تلتزم بقانون محدد ولا نستطيع الزامها بشيء بسبب إلغاء قانون المطبوعات، وحالياً لا توجد سلطة رسمية «أو جهة تشريعية أو نقابية تمثل وضع الصحافيين في العراق».
وتعددت توجهات الصحف في شتى الميادين منها كما يعدد الباحث الصحافي العراقي كريم صبري الساخرة مثل: «جريدة جحا» و«حبزبوز». الفنية مثل «عدسة الفن»، «عيون الفن». الرياضية مثل صحيفة «الكرة»، «العالم الرياضي»، «الرياضي الجديد»، «السفير الرياضي». الدينية مثل «البصائر»، «انصار الحوزة»، «الدعوة»، «البيان»، «المجلس»، «قمر بني هاشم »، «الكوفة»، «صوت الجمعة» و«الوفاق الاسلامي»، صحف الطوائف، مثل «توركمن ديلي»، «الطيف المندائي»، «نيشا»، «صدى السريان»... وصحف الاحتلال، مثل «بغداد الآن» ناهيك عن الصحف السياسية المستقلة والناطقة باسم الاحزاب...
تعددت الأوامر التي اصدرها الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر في مجال اطلاق إعلام عراقي جديد والتي رافقتها أوامر اخرى تطلق مجموعة من الممنوعات التي اضافها بريمر إلى عهد الظلام الذي عرفه العراق طيلة 35 عاماً التي سبقت الاحتلال... ومن هذه الممنوعات نذكر الأمر رقم (14) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة بعنوان: «النشاط الإعلامي المحظور» الذي وقعه بول بريمر في 10 يونيو / حزيران 2003...
الممنوعات الأميركية في عهد الديمقراطية
ويستكمل هذا الأمر، الامر الذي سبق ان أصدره بريمر في الخامس من يونيو 2003 عن منع تحريض الجمهور على أعمال العنف والاخلال بالنظام... الذي نص على «يتعرض للاعتقال فوراً اي شخص يصدر بياناً محظوراً في مكان عام أو يوزع او يحاول توزيع أية مادة محظورة ايا كان شكلها... ويعدد هذا البيان ويسير على نهجه بيان «النشاط الاعلامي المحظور» الذي ينص على:
ان المواد الإعلامية المحظورة هي: التحريض على العنف، التحريض على الاخلال بالنظام، اساءة استخدام الإعلام لتقويض الأمن، التحريض على العنف ضد قوات التحالف... ونلاحظ في باب العقوبات (الجزء الخامس) النص على «يجوز القاء القبض على مسئولي أية منظمة إعلامية يتبين انها تبث أو تنشر أو تحاول ان تبث أو تنشر مواد محظورة... ويجوز الحكم عليهم بالسجن عاماً واحداً وبدفع غرامة... ويجوز سحب ترخيص أية منظمة»...
واستناداً الى هذه الممنوعات الجديدة قامت قوات الاحتلال بعمليات مداهمة وتوقيف وسحب رخص المنظمات الإعلامية الآتية:
1- صحيفة «الشرقية»/ مستقلة: مداهمة واحتجاز مدير تحريرها عبدالزهرة نعيم.
2 - صحيفة «النافذة»/ مستقلة: تم غلقها بشكل نهائي. صاحب الامتياز مكي الكليدار.
3 - صحيفة «اليقظة»/ مستقلة: مداهمة وغلق. رئيس تحريرها موحان الظاهر.
واستمرت سلطة الائتلاف تنشر اوامر بول بريمر بتأسيس الاعلام العراقي البديل على الطريقة الاميركية، فصدر الامر رقم (65) بتشكيل «الهيئة العراقية للاتصالات والإعلام» في 20 مارس 2004 وجرى تعيين مجلس أمناء خدمة البث العراقية العامة... كما صدر الأمر (66) بتأسيس «شبكة الإعلام العراقية» التي اشرفت على النشاطات الإعلامية الإذاعية والتلفزيونية العراقية، واشرفت كذلك على الصحيفة الرسمية لسلطة الائتلاف وهي «الصباح» أكثر الصحف العراقية توزيعاً لكونها الصحيفة المركزية التي تنال الدعم الاعلاني والمادي من الحكومة ومن قوات الاحتلال.
السير على النهج الأميركي
وبعد أيام من تشكيل الحكومة المؤقتة الثانية في 30 يونيو 2004 برئاسة اياد علاوي ونهاية حكم بول بريمر، وعلى اثر الاتهامات والانتقادات الصحافية التي وجهت إلى شخصية علاوي، أصدر رئيس الوزراء العراقي الجديد أوامره بتأسيس «اللجنة الإعلامية العليا «لفرض قيود على الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية».
وتنقل صحيفة «الفايننشيال تايمز» عن السيد إبراهيم الجنابي الذي عين لرئاسة هذه اللجنة قوله «على رغم أن اللجنة لم تفرغ بعد من صوغ قانونها الذي اصطلح على تسميته بالخطوط الحمراء، فإن القانون سيشمل حظر توجيه الانتقادات غير المبررة إلى رئيس الوزراء العراقي»...
وكانت من أوائل الاجراءات القمعية لوسائل الاعلام أن حكومة علاوي اصدرت قراراً بالإغارة على مكتب «قناة الجزيرة» في بغداد وإغلاق قوات الأمن له. أما التهمة التي وجهت إلى «الجزيرة» فهي كما ذكرها رئيس الوزراء نفسه للإعلام «التحريض على العنف والتغطية غير الدقيقة للحوادث»... وفي البداية منعت «الجزيرة» لمدة شهر ولكن الشهر مدد إلى يومنا هذا...
وتجربة «الجزيرة» مع القوات الأميركية في العراق بدأت قبل احتلال العراق، فقد سبق للقناة ان أعلمت «البنتاغون» بإحداثيات موقع مكتبها في بغداد، ومع ذلك تعرض مكتبها للقصف في 8 ابريل 2003 من قبل القوات الأميركية الذي ادى إلى مقتل مراسل الجزيرة في بغداد طارق أيوب.
واعتبر الصحافيون العراقيون ان القيود المفروضة على قناة «الجزيرة» مقدمة واضحة لبدء قمع الصحافة في العراق... ولم ينتظروا طويلاً اذ جرت مداهمة مكتب صحيفة «الحوزة» من قبل قوات التحالف وغلقه لمدة شهرين. و«الحوزة» تصدر باسم تيار السيد مقتدى الصدر ويرأس تحريرها السيد عباس الربيعي. وبعد ضغوط كبيرة من الرأي العام العراقي جرت الموافقة على عودتها إلى الصدور في 19 يوليو / تموز 2004 ، اي بعد 4 أشهر من إغلاقها... وبينما كانت مبررات غلقها تحريضها على العنف استناداً الى امر بول بريمر رقم (14)، اعتبرت أسرة «الحوزة» ان السبب الحقيقي لمداهمة مكتبها وغلقها يعود الى انها انتقدت بشدة اغتيال القوات الإسرائيلية مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين...
وفي اثناء الحملة العسكرية الأميركية على انصار السيد مقتدى الصدر في النجف وضعت الحكومة قيوداً كثيرة على الفضائيات العاملة في بغداد إذ منعت من تغطية الهجوم على مدينة النجف الاشرف كما سبق ان منعت من تغطية حرب الفلوجة... وازداد ضغط الحكومة العراقية على الفضائيات الى درجة ان طلبت احدى الفضائيات العربية وتحديداً فضائية «أبوظبي» من كاتب هذه السطور الا ينتقد حكومة علاوي عبر نشرتها الاخبارية لكي لا يصبح مصير القناة مثل مصير «الجزيرة»، فما كان منه الا ان وسع حملته ضد قوات الاحتلال التي هدمت مدينة النجف الاشرف، كما انتقد الحكومة التي تريد تكميم أفواه الصحافيين.
وفي 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2005 تعرض 3 من إعلامي اذاعة «راديو الناس» (فتاتان وشاب) عند توجههم إلى مكان عملهم لاعتداء وصفته الاذاعة بالغادر من قبل جنود أميركيين
العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ