العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ

البحرين صدقت على اتفاق مناهضة التعذيب العام 1998

ملف التعذيب... خمس سنوات من الوعود لتعويض الضحايا (6)

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاجماع في 10 ديسمبر / كانون الأول العام 1984 اتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ودخل إلى حيز التنفيذ في العام 1987 بعد أن صدقت عليه 20 دولة. وقد بلغ عدد الدول الاطراف في الاتفاق في مايو/ أيار 2001 (124) دولة.

وبموجب ذلك أصبح لزاما على هذه الدول أن توقف وتمنع التعذيب في أراضيها، وأن تجرمه وتحقق في جميع المزاعم الخاصة به، وأن تقدم إلى العدالة الأشخاص المشتبه في ممارستهم له، في الوقت الذي عليها أن تضمن فيه أن المشتبه في ممارسته التعذيب سيتلقى معاملة حسنة ومن خلال إجراءات قانونية.

وفي ورقة عمل قيمة للمحامية زينات المنصوري، تطرقت إلى أن البحرين قد صدقت على اتفاق مناهضة التعذيب العام 1998م وأصبح الاتفاق بذلك جزءا من قانون المملكة، طبقا لأحكام الدستور إذ نصت المادة (2) من الاتفاق على أن:

1- تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية اجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.

2- لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.

3- لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب. فإن على المشرع البحريني ترجمة الحظر المطلق للتعذيب وعدم جواز إلغائه أو تبريره تحت أي ظرف أو سبب والنص عليه في قوانينها الوطنية.

إن تصديق دولة ما على اتفاق مناهضة التعذيب بحد ذاته لا يكفي حتى نضمن التزام قوانينها الوطنية برفع الدعوى القضائية ضد ممارسي التعذيب. ففي الوقت الذي قد يصبح فيه الاتفاق بعد التصديق عليه في بعض الدول جزءاً من قانونها الوطني بشكل تلقائي ومن دون الحاجة إلى إصدار تشريع محدد بتنفيذه، ويكون لمحاكمها الأساس الكافي لنظر الدعوى القضائية طبقا لأحكامها، فإن الأمر قد يختلف لدى دول أخرى، إذ يظل الاتفاق حتى بعد التصديق عليه عاجزا عن أن يصبح جزءا من القوانين الوطنية لها، ويستلزم الأمر منها أن تصدر لوائح تنفيذية لإدماج الاتفاق في القانون الوطني.

في حلقة الأسبوع الماضي، وللتذكير، اشرنا إلى أن قوانين العفو العام التي درجت بعض الدول على اللجوء إليها عندما أرادت أن تطوي صفحة وتبدأ بأخرى، وعند الحديث عن العفو العام بمفهومه وأغراضه لا يمكن لنا إلا أن نضع الوصف الذي اعتمدته منظمة العفو الدولية في تقريرها عن التعذيب بأنه: ذروة إنكار خطورة جريمة التعذيب. وتتضمن إجراءات العفو ترتيبات لعدم إجراء تحقيقات وملاحقات قضائية ضد الجناة استنادا إلى قانون يمنع مقاضاة أشخاص معينين على بعض الأفعال (مثلا الأشخاص الذين يتصرفون بصفة رسمية) أو عن بعض الأفعال المرتكبة خلال فترة زمنية محددة. وبالنسبة إلى العفو العام في القوانين الوطنية للبحرين، فقد قرره المشرع كمبدأ بموجب المادة (89) من قانون العقوبات، التي أطلقت عليه العفو الشامل، وأحالت في صدوره وتنظيمه وضوابطه إلى القانون الذي يصدر به. والعفو العام، أو الشامل، كما تطرح المحامية زينات المنصوري، يعني العفو عن الفعل وعن العقوبة المقررة سواء كانت أصلية أو تبعية، ليعود المعفو عنه عفواً شاملاً إلى دائرة الإباحة. وهذا يعني أن فعله لم يعد مؤثّما طبقا لقانون العقوبات.


ظاهرة إفلات مرتكبي جرائم التعذيب من العقاب

الإفلات من العقاب يعني عدم تقديم مرتكبي جرائم التعذيب إلى المحاكمة والاقتصاص منهم لأي سبب من الأسباب منها تقاعس الدولة عن ذلك، إذ إن التعذيب يتم بواسطة أفرادها وتطبيقاً لسياستها، الأمر الذي يجعلها تحمي مرتكبي تلك الجرائم وتبعدهم عن المساءلة. وقد عايشت البحرين تلك الظاهرة طوال تاريخها الحديث الماضي، ولم تشهد محاكمنا أي نوع من القضايا ضد مرتكبي التعذيب وسوء المعاملة من رجال الدولة على رغم سقوط شهداء داخل سجون الدولة. ونتيجة لتلك الظاهرة وتفشيها فقد أخذ المجتمع الدولي على عاتقه مسئولية التصدي لهذه الظاهرة والسعي من أجل القضاء عليها لخلق مجتمع خال من التعذيب، فالحقيقة أن إفلات مرتكبي جرائم التعذيب وسوء المعاملة والجرائم ضد الإنسانية يجعل من تلك الجرائم مستمرة، وتحصد ضحايا لا حصر لهم، وهو ما لا يحقق الأمن الحقيقي في المجتمع وتظل جروحه مفتوحة. وما من وضع مثالي إلا أن يُقدم مرتكبو الجرائم إلى المحاكمة أمام محاكم بلدانهم أو محاكم الدول التي نفذوا فيها تلك الجرائم.


تأهيل ضحايا التعذيب

الحديث عن تأهيل ضحايا التعذيب لا يتحقق إلا من خلال كشف الجروح ومداواتها، فمن حق الضحايا والمجتمع كشف الحقيقة والاعتراف بها، وإعطاء الضحايا الحق في إنصافهم والحصول على تعويض عادل، ومعاقبة الجناة لإنصاف الضحايا. وإلى جانب أهمية مقاضاة مرتكبي الجرائم ودورها في إنصاف الضحايا إلا أنها ليست كل شيء فللضحايا الحق في التعويض العادل، وقد حددت منظمة العفو الدولية خمسة عناصر لتحقيق التعويض العادل، هي: 1- التعويض المالي، 2- الرعاية الطبية والتأهيل، 3- العودة إلى الوضع السابق، 4- إعطاء ضمانات بعدم تكرار ما حدث، 5- أشكال الإرضاء مثل رد اعتبارهم وكرامتهم والإقرار العلني بالأذى الذي لحق بهم. إن ما يتركه التعذيب من آثار على الضحايا يكون كبيراً جداً ومؤلماً وقاسياً عليهم وعلى عوائلهم، لدرجة أنه يفقدهم الثقة في المجتمع وفي الحياة، كما أنه يؤدي أحياناً إلى خلق حال من الغضب والرفض الداخلي لديهم بسبب ما تعرضوا له من تجربة لا تخلو من القسوة والصدمة. وفي غالبية الأحيان يكونون بحاجة إلى علاج طبي ونفسي طويل يساعدهم على تجاوز آثار الأذى أو على الأقل القدرة على التعايش معه

العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً