العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ

من يجرؤ على الحديث عن... «اغتصاب الأطفال»؟ «1»

في زاوية من زوايا غرفته انطوى على نفسه واضعا رأسه بين قدميه مسترجعا في نومه ويقظته ظروفاً لم يع سنه الصغير ما هي، ظروف كان احد أقاربه لوالده سبباً فيها ولم يكن لوالدته المسلمة لأمر الله إلا أن تصمت حفاظا على تماسك «العائلة» وتعاني ظروف ابنها الذي بات الصوت العالي، العنف والظلمة أكثر ما يفقده صوابه وبعد 3 سنوات من ذلك المساء المشئوم بالنسبة لذلك الطفل مازال حبيس جدران غرفته. انطوائي بطبعه يرفض أن يعبر أي أحد له عن مشاعر حب معتبرا إياها مشاعر «خبيثة» ومازالت كوابيسه رفيقة نومه ونظراته الخائفة مرسومة على ملامحه الواجمة.

كثيرة هي القصص عن الاغتصابات وهتك الأعراض في ملفات المحاكم وأدراج العيادات النفسية والأكثر في جعبة الضحايا التي يلفها كثير من الصمت والأكثر من التحفظ والخوف ولم يعد مجديا طرح تلك القصص بهدف حلحلة المشاعر الإنسانية وكسب التعاطف أو بهدف أخذ العبرة فنحن تجاوزنا هذا المرحلة وآن الأوان لطرح الحلول للحد من هذه المشكلة الأزلية التي تتفشى يوما بعد يوم، الأمر الذي يدفعنا إلى تخصيص هذه الحلقة على خلفية موضوع «عصابة اغتصاب الأطفال» التي نشرت أخيراً بصحيفة «الوسط» لننظر لها من جميع الزوايا حقوقية ونفسية فضلا عن تربوية.

السلطة التقديرية

زيادة الوعي المجتمعي لمثل هذه القضايا أولى الحلول للخروج من أزمة تفشيها وفق ما أشارت له المحامية فاطمة الحواج مفسرةً ذلك بكون وقوع القاضي تحت ما يسمى «بالسلطة التقديرية» بمعنى أن له الحق في تقدير ظروف وملابسات الجريمة وإصدار الحكم بناء على ذلك ووفق ما يراه أمامه من أدله وشهود عيان الأمر الذي يتطلب وجود وعي مجتمعي لطريقة التعامل مع مثل هذه القضايا في ما يخص أهالي ضحاياها كالإسراع بالتبليغ عن القضية في النيابة العامة لعرض الضحية على الطبيب الشرعي قبل زوال آثار الاعتداء فغسل الضحية ومرور وقت بين وقوع الحادث والتبليغ في الشرطة أمر من شأنه أن يعرقل عملية إثبات الادعاء ما يؤثر سلبا على الحكم في القضية.

مطاطية قضايا الاغتصاب من أكثر المشكلات التي يتعرض لها أهالي الضحايا والتي تفسرها الحواج في عدم إمكان اعتماد مجرد «شهادة طفل» في القضية لخضوع هذه الشهادة لخيال الطفل الخصب وفق ما يشير له علماء النفس فضلا عن عدم اكتمال إدراك الطفل الأمر الذي يستوجب وجود تقرير من الطبيب الشرعي يثبت الجريمة أو وجود شهود عيان.

وتأخذنا الحواج إلى بعد آخر في القضية وهو «عامل الرضا» لتنوه لوجود بعض الأطفال المتمرسين في بيع أجساهم فبالتالي عنصر الرضا متوافر إلا أن تقدير السلطة التقديرية يشير على وقوع العقوبة على المجني حتى وإن توافر هذا العنصر.

نسبية العدالة

نسبية العدالة بمعنى عدم وجود العدالة المطلقة فضلا عن عدم تشابه أية قضية مع الأخرى هو ما تشرحه الحواج في هذه المساحة مؤكدةً أن العدالة هي صفة من صفات الله عز وجل فقط فعدالة القضاء بالنسبة لطرف يعني مظلوميته للطرف الآخر (وفق وصف المعتدي) وكل ذلك تحدده الظروف والأدلة فالقانون موجود وليس به خلل ولكن منحى وخط سير القضية وظروفها يحدد الحكم فيها.

وبناء على ذلك فأن الحكم القضائي كما تشير الحواج للمتهم التي تثبت عليه الجريمة فإن كان عمره أقل من 15 سنه فأنه يخضع لقانون الأحداث أي التدبير الاحترازي والذي يهدف إلى تأهيله وإعادة بناء شخصيته، في حين يطبق قانون العقوبات على من هم فوق الخامسة عشر.

وصف البعض لظاهرة اغتصاب الأطفال بالقضية الكبيرة والتي تتفشى يوم بعد يوم هو أمر وقفت عنده الحواج إذ رأت أن الظاهرة موجودة منذ القدم وليست بالجريمة الجديدة ولم يصعدها المجتمع بل هي كبيرة منذ نشأتها إلا أن هناك عوامل أسهمت في إزالة الضبابية والتكتم عنها كزيادة وعي المجتمع ومؤسساته الرسمية والمدنية بحقوق الطفل، الانفتاح الإعلامي وتغير أساليب التربية بالإضافة إلى أصدقاء السوء وتنامي الأمراض النفسية.

ومن زاوية نفسية كانت هذه الوقفة مع الباحثة الاجتماعية بمستشفى الطب النفسي بتول شبر التي كشفت عن مجموعة من الحقائق منها أن أكثر الحالات النفسية الواردة سوءا وصعوبة علاجها هي حالات اغتصاب الأقارب فيكون المجني والمجني عليه من نفس العائلة الأمر الذي من شأنه أن يسهم بزوبعة - على حد وصفها - في محيطها.

لا يقتصر الضرر النفسي والجسمي لضحية الاغتصاب الجنسي من قبل الأقارب على فترة التعرض للضرر بل المسائلة تحللها شبر في كون التأثيرات البعيدة المدى على نفسية الطفل المعتدى علية تكون أشد خطورة ولاسيما ان حدثت من قبل أب، زوج أم، أخ أو أحد الأقارب خارج محيط المنزل صديق أم جار وأستاذ، ففي هذه الحال الطفل يتعرض لضغوط نفسية وذكريات شديدة الإيلام إذ لا يوجد طفل مهيأ لتحمل الاعتداء الجنسي المتكرر حتى الطفل ذو السنتين أو ثلاث سنوات والذي لا يعي أن التحرشات الجنسية خطأ فادح سيتعرض لضغوط نفسية سببها عدم قدرته على التأقلم مع هذا النوع من التفاعل

العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً