حق الاطلاع على المعلومات (حق المعرفة) يمثل أوكسجين الديمقراطية، إلا أن الكثير من الوزارات والمؤسسات الرسمية تبدو وكأنها قلعة منيعة في وجه الإعلام وفي وجه المجتمع بل حتى في وجه ممثلي الشعب في المجالس البلدية وأعضاء المجلس النيابي.
لكن لماذا تحجب المعلومات عن المواطن؟ وإلى متى يستقي المواطن معلوماته عن بلده من مصادر ثانوية أو بطرق التوائية؟ وخصوصاً من الجهاز المركزي للمعلومات. يذكر أن الجهاز المركزي للمعلومات البحريني الذي كان يعرف سابقاً باسم هيئة الإحصاء المركزية، وهو المسئول عن تشغيل أنظمة الكمبيوتر المركزية الخاصة في المملكة وبناها التحتية والمسئول، كذلك عن تنظيم تطبيق تقنية المعلومات والانتخابات والاستفتاءات والسجل السكاني داخل المملكة يعد من المناطق المحظورة على المواطنين، ويكاد من حكم المستحيل أن يحصل المواطن حتى على المعلومات البديهية على رغم قرب تطبيق الحكومة الإلكترونية!
ويقول قانونيون إن البحرين تفتقر إلى منظومة تشريعات وطنية تكفل الحصول على المعلومات من جميع الوزارات، والإدارات، والأجهزة، والمؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية، والهيئات المحلية، والمؤسسات الخاصة التي تدير مرفقاً عاماً أو تؤدي أشغالاً عامة أو تمتلك معلومات ذات مساس بالبيئة أو بالصحة والسلامة العامة، أو أية مؤسسة يعتبرها المفوض العام مؤسسة عامة لغايات تنفيذ هذا القانون.
وتحدد التعريفات الدولية للمعلومة بأنها المادة الموجودة في أي من السجلات والوثائق المكتوبة أو المحفوظة إلكترونياً، أو الرسومات، أو الخرائط، أو الجداول، أو الصور، أو الأفلام، أو الميكرو فيلم، أو التسجيلات الصوتية، أو أشرطة الفيديو، أو الرسوم البيانية، أو أية بيانات تقرأ على أجهزة خاصة، أو أية أشكال أخرى يرى المفوض العام أنها تدخل في نطاق المعلومة وفقا لهذا القانون.
وفي الوقت الذي تعاني منه البحرين من عدم تطبيق حق المعرفة الذي كفلته القوانين الدولية والدستور والميثاق، يجري الحديث في العالم عن قوانين تتيح المزيد من الحقوق للمواطنين لضمان الحصول على المعلومات، ففي بريطانيا دخل قانون «حرية المعلومات» الصادر العام 2000 حيز التنفيذ في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، ليحل محل قواعد الممارسة الخاصة بالحصول على المعلومات المطبقة منذ العام 1994، ويهدف قانون الحصول على المعلومة إلى بث روح الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة البحرينية وتشجيع الانفتاح على الشعب وخلق ثقة المواطن سياسياً واقتصادياً.
وتحدد القوانين التي طبقت في بعض الدول العربية الحق في الاطلاع من خلال آليات كثيرة، فمثلاً: يجب على المؤسسات العامة نشر تقارير سنوية تتضمن على الأقل: معلومات إدارية عن آلية عمل المؤسسة العامة تتضمن الكلف، والأهداف، والحسابات المدققة، والقواعد، والإنجازات والإجراءات التي يستطيع الأفراد على أساسها التعرف على السياسة العامة والمشروعات الخاصة بالمؤسسة العامة.
وتقترح القوانين طلب الحصول على المعلومات بأن يقدم طلب الحصول على المعلومات بشكل خطي إلى المؤسسة التي تستحوذ على المعلومة، ويجب أن يحتوي هذا الطلب على تفاصيل كافية تمكن الموظف المختص من استخراج المعلومة بجهد بسيط.
وتستثني قوانين الحصول على المعلومات ما يتعلق بالأمن الوطني والنظام العام مثل: على الموظف المختص رفض الكشف عن أية معلومة إذا ثبت أن هذا الكشف يمس بالقدرات الدفاعية والأمن الوطني للدولة. ويشمل ذلك: الأسلحة والتكتيكات والاستراتيجيات والقوات العسكرية، والعمليات العسكرية التي تهدف إلى حماية الوطن والمعلومات الاستخباراتية التي تتعلق بإحباط الأعمال العدوانية والجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي وفقا للقوانين النافذة والاتصالات والمراسلات الدولية ذات الصلة بالشئون الدفاعية والتحالفات العسكرية.
وفيما يتعلق بالأمن الاقتصادي تتيح القوانين للمؤسسات الرسمية يجوز للموظف المختص رفض كشف أية معلومة تحتوي على: أسرار مهنية أو تجارية تخص المؤسسة أو أسرار يؤدي كشفها إلى إلحاق أضرار مادية بالمصالح الاقتصادية للدولة، أو بقدرتها على إدارة كفة الاقتصاد الوطني.
وتقترح القوانين إنشاء مكتب للمعلومات، يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال اللازم لممارسة أعماله. وله في سبيل ذلك ممارسة الصلاحيات الآتية: وضع وتنظيم وتنفيذ البرامج والخطط والسياسات الخاصة بالدفاع عن حق الفرد بالحصول والاطلاع على المعلومات وتثقيف ورفع الوعي لدى المواطن عن أهمية الحق في الاطلاع والنتائج الإيجابية لممارسته على صعيد الفرد والمجتمع والدولة، والمساهمة في تدريب الموظفين والمسئولين في المؤسسات العامة على كيفية وأهمية تمكين الأفراد من الحصول على المعلومات ورصد المخالفات ونشر التقارير والدراسات التي تتضمن معوقات ممارسة الحق في الاطلاع وكيفية التغلب عليها.
وطبقاً للحقوق الأساسية الواردة في: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إذ تشير المادة (19) إلى أن لكل إنسان حقاً في اعتناق آراء من دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. وتستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: «أ» لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، «ب» لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ورأى عضو لجنة الشئون القانونية والتشريعية في مجلس النواب النائب فريد غازي: «أن الشفافية والديمقراطية تتيحان للجميع حق الحصول على المعلومات العامة للدول ومؤسساتها المدنية وهي المعلومات المتعارف عليها دولياً مثل: السكان والمشروعات والاستثمارات وموازنة المؤسسات وكل ما يحتاج للرأي العام عدا المعلومات العسكرية أو تلك التي تتعلق بأمن الدولة فهذه معلومات سرية».
وذكر غازي «أن القوانين البحرينية لا تبيح حرية المعلومات، والدليل أن الصحافة تجد صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات (...) ونحن غير متاحة لنا المعلومات بشكل شخصي إلا من خلال الآليات الدستورية مثل لجان التحقيق والاستجوابات وأعمال اللجان التي حددتها اللائحة الداخلية وعندها يستطيع النائب أن يلزم الجهات الحكومية في ذكر المعلومات»، مبدياً مساندته لأي قانون مقترح ينظم عملية الحصول على المعلومات.
من جهته، قال عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان محمد المطوع إنه على رغم عدم وجود قانون يتيح وينظم حق المواطن في الحصول على المعلومات، إلا أن الميثاق والدستور تضمنا نصوصاً واضحة مثل: الحقوق والواجبات، لكن لا يوجد حتى الآن قانون ينظم هذه العملية، وبالتالي لا توجد نصوص تشريعية تلزم الجهات الرسمية بنشر المعلومات للمواطنين (...) حتى في القضايا التي تتعلق بالمواطنين يتم التحفظ على المعلومات، فالذمة المالية محضور كشفها إلا بقرار قضائي، ونتمنى من المشرع البحريني أن يسعى لإيجاد قانون ينظم الحق وكيفية الحصول على المعلومات البديهية العامة».
وأضاف المطوع: «من الطبيعي أن يتحرك النواب الذين انشغلوا باقتراحات يمكن أن تؤجل إلى الأدوار المقبلة بالسعي لإيجاد منظومة تشريعات تعتبر من صميم حقوق المواطن، لكن معظم أعضاء المجلس النيابي يفتقدون لأية تجربة سابقة في هذا المجال، وليسوا خريجي حقوق أو علوم سياسية، وبالتالي هم بعيدون عن تلمس حاجة المجتمع للقوانين الضرورية مثل تنظيم الحقوق والحريات بشكل واضح».
إلى ذلك، قالت المحامية جليلة السيد: إن الحق في المعرفة هو حق معترف به للمواطن، ففي الدول الديمقراطية يلعب المواطن الدور الأساسي في إدارة شئون بلده، وكذلك في تمويل الخزينة العامة عن طريق الضرائب، ويكون له بالتالي حق المعرفة والاطلاع على كيفية إدارة الدولة لشئون الحكم بما في ذلك المسائل المتعلقة بالتخطيط السكاني وتوفير الخدمات العامة ومستواها، فالمواطن له دور فعال ومفعل رقيباً على أداء أجهزة الدولة، ومن هذا المنطلق تقرر له حق المعرفة أو ما يصطلح على تسميته بأسلوب الشفافية في إدارة الشئون العامة فالمواطن في الدول المتقدمة على علم بما يصرف على توفير الخدمات العامة وبناء البنية التحتية من شوارع ومصارف وخدمات أخرى في كل منطقة والبنود التفصيلية للموازنة، سواء على مستوى الإقليم في الإدارة المحلية أو على مستوى الدولة في الموازنة العامة، وبالتالي تعتبر هذه المعلومات معلومات عامة، يجوز للمواطن الاطلاع عليها مجاناً والحصول على مستخرجات رسمية في بعض الأحيان برسوم زهيدة مثل قوائم الناخبين والتعداد السكاني، وان سكنت في منطقة معينة يجب أن تعرف بعض المعلومات الأساسية عنها».
وعما إذا كان هذا الحق متوافراً في البحرين قالت السيد: «إن هذا الحق متوافر ولكن ليس على إطلاقه، فمثلاً نجد أن قانون الاتصالات اشتمل على تنظيم سجل عام يحتوي على كل التراخيص وما يتخذ بشأنها من إجراءات والكثير من التفاصيل المتعلقة بها، وهذه متاحة للاطلاع عليها لمن يرغب بها، وهناك قوانين مثل السجل التجاري يتيح الحصول على مستخرجات لمن شاء برسوم رمزية، ولكن هناك معلومات أخرى متعلقة بأعداد المجنسين ومتى تم تجنيسهم والمناطق التي يتركزون فيها، ليس المطلوب التعرف على الأسماء وإنما من حق المواطن أن يعرف نسبة من يجنسون وجنسياتهم الأصلية ومدة الإقامة التي استحقوا التجنيس حقها في البحرين ومستواهم العلمي».
وأشارت السيد إلى «أن الدول والأنظمة التي لا تخشى كشف المستور تنادي بالشفافية وتلتزم بها في الواقع حتى لو لم توجد قوانين، والأصل في أن الحكومة ليس لها الحق في ان تحجب المعلومات عن المواطن لأنها أصلاً وجدت لخدمة المواطن وليس لمصادرة حقه في العلم بمجريات الأمور في أرضه وفي ثرواتها وفي القرارات المتعلقة بتحديد مقدرات المواطنين وفرصهم في العيش الكريم»
العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ