قد تتكرر فصول القصة في مجتمعنا وكل مجتمع وتتشابه الحوادث وفي غالبية الأحيان تنتهي بالنهايات نفسها فيزول أثرها بزوال المؤثر وتكون حديثاً شيقاً في المجالس تلوكها الألسن وتتأثر لها النفوس البشرية إلا أنها تنسى وسط هموم ومشاغل الحياة لتلقى مجددا نصيبها من الإهمال بعد أن صدمت بنصيبها من سوء التعامل فتظل آثارها حبيسة ذاكرة طفل.
ونحن هنا لسنا بصدد استعراض تلك القصص ونهاياتها وما لقت من إهمال وإنما نحاول الخروج بحلول جذرية، وإن كانت المسألة جماعية تشمل الأسرة، المدرسة، المجتمع والقضاء فضلا عن الظروف النفسية فبديهيا أن لا تبتعد تلك الحلول عن هذه المحاور، حلقتنا الأولى تناولت رأي القضاء في هذه المسألة والذي دعت من خلاله المحامية فاطمة الحواج إلى زيادة وعي المجتمع بطريقة التعامل مع الطفل «بعد الاعتداء» لضمان حقه في محاكمة عادلة في حين تناولت الباحثة الاجتماعية بمستشفى الطب النفسي طرح الحلول من وجهة نظر نفسية مشيرة إلى الأطفال الأكبر سنا «الخامسة فما فوق» والذين يعرفون أن التحرش الجنسي خطأ فاحش فإنهم يقعون فريسة ولائهم وحبهم لهذا الشخص «المعتدي» والاعتداء الذي حصل لهم ما يشكل لهم صراعا داخليا.
وفي تقييمها لردة فعل الطفل المعتدى عليه في هذه الحال ترى أنه عندما يحاول التخلص من هذه العلاقة فإن المعتدي يهدده باستعمال العنف أو الحرمان من العطف والحنان فضلا عن نقطة وصفتها بالمهمة هي خوف الطفل من ردة فعل الأهل، الغضب والغيرة أو الخجل من أفراد العائلة أو تفككها إن انكشف سر العلاقة الجنسية.
وعلى الصعيد ذاته ترمي تلك المشاهد المؤلمة التي يتعرض لها الطفل بتبعاتها وآثارها النفسية في تكوين شخصيته تحصرها شبر في عدة نقاط منها عدم تقدير الطفل المتعرض للاعتداء المتكرر لذاته ومساورته لأفكار خاطئة بشأن العلاقة الجنسية وفي كثير من الأحيان يؤدي به الأمر إلى الانعزال عن الآخرين وانعدام الثقة بهم بالإضافة إلى أن الطفل المعتدى عليه يجد صعوبة مستقبلا في إقامة علاقات مع الآخرين من دون علاقة جنسية ويكبر بعض هؤلاء الأطفال بعقد نفسية تؤدي بهم إلى السير على الخط نفسه ليمارسوا الفعل نفسه مع من هم أصغر منهم سنا أو يمتهنوا الدعارة والأسوأ وصولهم لطريق مسدود وهو «الانتحار».
سلوكيات الضحية
تلك الحوادث تكون منعطفا في حياة الطفل يغير حياته رأسا على عقب وبديهيا يغير من سلوكياته لينتهج أسلوبا يعبر عن ما هو مدفون بداخله بحسب ما أشارت شبر والتي ترى أن سلوك الطفل المعتدى عليه لا إراديا قد يأخذ طريقاً غير سوي نفسياً وربما أخلاقيا فقد يظهر عليه اهتمام غير طبيعي أو نفور بالأمور المتعلقة بالجنس، رفض الذهاب للمدرسة أو تكرار الهروب، مشكلات في النوم وأحلام مزعجة فضلا عن أحلام اليقظة التي تحتل من حياته نصيب الأسد، الاكتئاب والعزلة والتعامل بكتمان شديد ومحاولات الانتحار من أكثر العوارض شيوعا في مثل تلك الحالات بالإضافة إلى تحدثهم عن تلوث أجسامهم أو تحطمها وتنامي شعورهم بالخوف من وجود أمر غير سوي في أعضائهم التناسلية يعبرون من خلاله بعدوانية في رسوماتهم، لعبهم وألفاظهم فضلا عن تغيرات حادة في سلوكياتهم.
إجراءات وقائية
المعتدي يجعل الطفل شديد الخوف من أخبار الآخرين بما حصل، ما يشكل هاجساً لديه حيال الموضوع ولا يعمد إلى الحديث إلا بصعوبة وجهد خاص مع من يشعره بالأمان وهنا يأتي دور الأهل الذي تعرضه شبر في عدد من الإجراءات الوقائية كإخبار الطفل عندما يحاول شخص أن يلمس جسمه ويقوم بأعمال غير سوية أن يقول له «لا» ويخبر والديه في الحال بالإضافة إلى زرع مفهوم أساسي من مفاهيم التربية في تفكير الطفل بأن الاحترام لا يعني الطاعة العمياء سواء للأقارب، المدرس... الخ.
ومن الأمور التي يجب اتخاذها للوقاية من مثل هذه المشكلات وفق ما تشير إليه شبر زيادة تواصل الأسرة وتفاعلها مع الندوات والمحاضرات المدرسية التي تنظم في هذا الموضوع، في حين تجب الحاجة إلى عرض الطفل على اختصاصي نفسي لمساعدته للخروج من تلك الأزمة وتخليصه من ذكرياتها الأليمة للتقليل من مخاطر تعرضه لمشكلات جسيمة مستقبلاً.
لجنة حماية الطفل
وعن دور مؤسسات المملكة الطبية في هذا الصدد تبرز لجنة حماية الطفل بمركز السلمانية الطبي برئاسة فضيلة المحروس والتي تحمل على عاتقها مراقبة حال الطفل المعتدى عليه عضويا ونفسيا وقضائيا من خلال تعاون أعضاء اللجنة المؤلفة من الرئيسة المختصة بالمشكلات العضوية للطفل المعتدى عليه فضلا عن وجود استشاريين نفسيين وباحثة اجتماعية من مركز السلمانية الطبي وأخرى من مستشفى الطب النفسي بالإضافة إلى ممثل لوزارة التربية والتعليم وآخر من المجلس الأعلى للمرأة وأخيراً ممثل لوزارة الداخلية يعنون بتقييم الحال وإعداد تقرير مفصل عنها لرفعها إلى مستشفى الطب النفسي إن استدعت الحاجة وللنيابة العامة بعد صدور تقرير الطبيب الشرعي إن ثبت الاعتداء.
إحصاءات
ولم تقف حقائق شبر عند ذلك الحد فقد كشفت عن آخر إحصاءات الاعتداءات على الأطفال من يونيو/ حزيران 1991م وحتى يوليو/ تموز 2001 والتي بلغت 150 حالة تتراوح أعمارهم بين 3 شهور و17 سنة، تبلغ نسبة الذكور منهم 53 في المئة في حين تبلغ نسبة الإناث 47 في المئة الأمر الذي يدل على ازدياد حالات الاعتداء على الأطفال ولا سيما الجنسي ولكن يعتقد أن الحالات غير المسجلة أكثر بكثير من ذلك ويرجع ذلك لخوف الأطفال من التحدث عما حصل لهم من اعتداء بالإضافة إلى أن الإجراء القانوني لإثبات مثل تلك الحوادث صعب جداً.
ماذا يقول التربويون؟
إن حالات الاعتداءات الجنسية في جميع المراحل التعليمية لا تمثل ظاهرة تربوية مغلقة في المدارس الحكومية وإنما هي حالات فردية (استثنائية) تحصل في المدرسة أو خارجها وفي معظم الأحيان تكون معظم هذه الحالات عبارة عن تحرشات أو عبث جنسي غير مدرك من قبل الطلبة وبحكم أن الطلبة ينتمون إلى المدرسة (وهي مؤسسة تربوية وتعليمية) يتوقع أولياء الأمور أن يكون أبناؤهم أكثر أماناً وحفاظاً ويتأثرون لأية إشاعة أو انطباع لحالات فردية تحصل في المدرسة وفق ما أشارت اليه القائمة بأعمال رئيس قسم الخدمات الطلابية بوزارة التربية والتعليم فريدة الجشي عند سؤالنا إياها عن دور الوزارة في درء ما يحدث من انتهاكات جنسية في المدارس.
وفي مقابل تخوف أولياء الأمور كان لقسم الخدمات الطلابية بوزارة التربية دور في محاولة حل المشكلة أو منع تفاقمها في أقل تقدير من خلال وضع خطة تربوية متكاملة في تقديم برامج توعوية نمائية ووقائية وعلاجية وكذلك استشارات تربوية متنوعة في هذا الجانب تقدم للطلبة وأولياء أمورهم والمهتمين في مؤسسات المجتمع المختلفة فضلا عن وجود تعاون مثمر ما بين قسم الخدمات الطلابية (وحدة الإرشاد النفسي) ووحدة الأطفال والناشئة بمستشفى الطب النفسي في إدخال حالات الطلبة الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات وكذلك في متابعة علاج الطلبة في المستشفى ومن ثم إعادة تأهيلهم ودمجهم مرة أخرى في المؤسسة المدرسية.
وفي ما يخص ردة فعل الوزارة عند اكتشاف بعض الممارسات الجنسية غير السوية تشير الجشي إلى أن معظم المشكلات السلوكية (غير السوية) التي تحصل في المؤسسة المدرسية تنظمها لائحة انضباط مدرسته وهي (لائحة تربوية علاجية ضابطة) للطلبة وأولياء أمورهم. وكذلك برامج تربوية وتأهيلية يقوم بإعدادها اختصاصيو وحدة الإرشاد النفسي وتنفذ من قبل مكاتب الإرشاد الاجتماعي في المؤسسة المدرسية وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية
العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ