لقد ناقشنا في سلسلة سابقة المعجم الدلالي للأسماك، ولاحظنا كيف تم اشتقاق العديد من الأسماء المحلية للأسماك كما لاحظنا أن عدداً كبيراً من الأسماء المحلية هي في الواقع أسماء عربية فصحى وردت في المعاجم وكتب اللغة وكتب الحيوان العربية القديمة وهي كتاب «الحيوان» للجاحظ و كتاب «حياة الحيوان» للدميري وكتاب «عجائب المخلوقات» للقزوريني وغيرها من الكتب التي ناقشت عجائب وغرائب الحيوانات، ولكن للأسف الشديد بقيت تلك التسميات العربية يطلق عليها «أسماء محلية» لا يعترف بأصالتها ولا تستخدم في الكتب العلمية؛ ما أدى إلى ضياع العديد منها.
ومثل ما هو عالم الأسماك كذلك أيضاً عالم الطيور مليء بالأسماء المحلية التي لا يعترف بأصالتها اللغوية؛ بل تعتبر أحياناً من الأسماء المستهجنة. وبعيداً عن أصل الأسماء هناك العديد من الظواهر الدلالية التي لا توجد في الأسماك؛ بل هي خاصة بعالم الطيور. وعليه كان لزاماً أن نفرد لعالم الطيور سلسلة مستقلة نناقش فيها التطور الدلالي للأسماء وكذلك الثقافة التي ارتبطت بعالم الطيور ومن أهمها «ثقافة الحبال» أو هواية صيد الطيور.
هواية صيد الطيور من الهوايات التي درج عليها الجيل القديم في فصل الربيع، ففي فصل الربيع تكثر الطيور الزائرة إلى مملكة البحرين، بالإضافة إلى الطيور المقيمة المحلية، ومن أشهر طرق صيد الطيور عند العامة هي الصيد باستخدام «الفخ» والتي تعرف محلياً باسم «الحَبَال»، والعامة في البحرين تسمي كل مصيدة أياً كان نوعها باسم «حبولة»، وكلا الاسمين حبال وحبولة مشتقة من جذور عربية فصحى، جاء في «لسان العرب»: «الحبال: هو الصيد. والحِبالة: التي يصاد بها، وجمعها حَبائل، ومفردها حِبالة، بالكسر، وهي ما يصاد بها من أَيّ شيء كان. والحَابِل:الذي يَنْصِب الحِبالة للصيد. والمَحْبُول: الذي نصبت له الحِبالة وإِن لم يقع فيها. والحِبالة:المِصْيَدة مما كانت».
الفخ هو الاسم المعروف والمشهور للآلة التي تستخدم في صيد الطيور، والبعض يطلق اسم الفخ على جميع أنواع تلك المصايد إلا أن البعض يخص الأنواع التي تصنع حنيتها من الخشب باسم «الفخ» وتلك التي تصنع حنيتها من الحديد باسم حگة (حقة)، والبعض يستخدم كلا الاسمين لجميع الأنواع. وكلمة «حقة» ربما يكون لها أصل عربي فصيح فعلى ما جاء في «لسان العرب»: «الحُقَّةُ: الدّاهِيَةُ لثُبُوتِها... والحُق بلا هاء: بَيْتُ الكَهْوَلِ، أي: العَنْكَبوتِ وحُقُّه: بيتُه». وهذا قريب من معنى المصيدة، وربما كان للفظة أصول قديمة غير عربية.
يتكون الفخ من عدة أجزاء وقد تتباين أسماء تلك الأجزاء من منطقة إلى أخرى إلا أن المسميات الآتية تعتبر الأكثر شيوعاً بين العامة وهي مسميات شائعة أيضاً في دولة الكويت وذلك بحسب كتاب «الألعاب الشعبية الكويتية» للشملان. وعموماً يمكن إجمال تلك المسميات في ما يأتي:
1 - الحنية أو الحديدة: وهي الجزء المحني من الفخ التي قد تصنع إما من نوع من الأخشاب أو من قطعة حديد ويفضل الخشب لأنه خفيف ولا يقتل الطائر عند صيده.
2 - الطارة: وهي عبارة عن قطعة رقيقة من الخيزران أو من عرجون عذق النخلة تثنى على شكل الحنية وبحجمها نفسه إلا أنها أرقُّ منها، ويقع الطائر بين الحنية والطارة.
3 - المزوار: وهو بمثابة العمود الفقري للفخ وهو عبارة عن قطعة من الخشب مستطيلة الشكل يبلغ طولها أكثر بقليل من قدر انفراج الحنية والطارة.
4 - الوتر: ويسميه البعض السير أو الطنگة (الطنقة) وقد كانت تصنع قديماً من مصران الذبائح، بعدها استبدلت بالوتر أو السير الذي يؤخذ من الإطار الداخلي المطاطي الذي بداخل العجلات والذي تسميه العامة (التيوب).
5 - المد أو الإبرة: وهو عبارة عن قطعة خشبية صغيرة تربط في طرف المزوار جهة الحنية وهو يمسك الخرزة التي بها (الطعم).
6 - الخرزة: وهي عبارة عن خرزة مسباح أو (سبحة) وقد تصنع أحياناً من الخشب، وتربط الخرزة بخيط في المزوار في الجهة الأمامية للحنية وتكون أمام المد وقريبة منه، ويوضع في أعلى الخرزة الطعم الذي تسميه العامة (الزندة)، كما توضع بين الزندة والخرزة قطعة قماش أو قطن حماية للطعم لكي يبقى حياً.
يلف السير أو الوتر على الحنية ثم تثبت الطارة، بعد ذلك يغرس المزوار بين السير الملفوف ويتم تقليبه بين طرفي السير حتى يلتف السير عليه أكثر من مرة حتى تشتد حركته، ثم تربط الطارة من وسطها بأحد أطراف المزوار الذي تكون به الحنية، ويتم تثبيت كل من المد والخرزة بالطرف الآخر من المزوار.
ويتم نصب الفخ عن طريق فرد كل من الحنية والطارة ثم يوضع المد فوق الحنية من الخلف وتأتي بعدها الخرزة من أمام الحنية وبها الطعم وتدخل في ثلم المد الذي صنع خصيصاً لتثبيت الخرزة وبذلك تقوم كل من المد والخرزة بتثبيت الحنية.
وهي عملية وضع الزندة أي الطعم في الفخ، فيقال فخ مزنود يعني به زندة، وهناك أنواع عديدة من الطعم وسنفرد فصلاً مستقلاً لأنواع الزندات أو الطعم المشهورة في البحرين. وقد اشتق الاسم «الزندة» للطعم لأنه يزند بها الفخ أي يقدح بها الفخ تماماً مثل القادوح أو القادح أو الزناد الذي يوجد في المسدس، وبذلك فأصل عملية التزنيد هي عملية نصاب الفخ وبما أن هناك ارتباطاً بين عملية ربط الطعم في الفخ وعملية النصاب حدث انتقال دلالي لعملية التزنيد من كونها تجهيز للفخ إلى مسمى الطعم الذي عرف بالزندة لأنه يزند به.
يتم صيد الطائر عندما ينجذب للفخ عن طريق الطعم، وعندما ينقر الطائر الطعم ينطبق عليه الفخ ويمسك به، وفي الغالب تحدث هناك عمليات استدراج الطائر للفخ، وهناك مسميات مختلفة لعمليات استدراج الطائر إلا أنها عموماً تتضمن ثلاث عمليات رئيسية بحسب بعد الطائر من الفخ ولكل عملية تسمية معينة قد تختلف من منطقة لأخرى أو بلد لآخر إلا أن المسميات الشائعة لتلك العمليات في البحرين هي:
1 - الحَد (بفتح الحاء): ويقوم بهذه العملية الصائد عندما يكون الطائر بعيداً عن الفخ فيقوم برفع كلتي يديه إلى أعلى وإنزالها وكأنه يحلق في الهواء، وذلك لطرد الطيور من مكان و»حدها» لمكان الفخ.
2 - الزعاج: ويقوم بهذه العملية الصائد عندما يكون الطائر قريباً نسبياً من الفخ فيضع كلتا يديه وراء ظهره ويحني بجذعه لأسفل ويرفعه وهو يتقدم ببطء للامام، ويكرر هذه الحركات وفي الوقت نفسه يصدر نغمة خاصة بوضع طرف لسانه بسقف الفم.
3 - التصفير: يعمد الصائد للتصفير الخفيف عندما يكون الطائر قريباً جداً من الفخ، وذلك بقصد استدراج الطائر ليقع في الفخ
العدد 3186 - السبت 28 مايو 2011م الموافق 25 جمادى الآخرة 1432هـ
الحبال ايام زمان
احلي حقه لااحلي صيد شتبي والااشول