العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ

"النور الأكاديمية النسائية"... أنموذج لتطور الحوزة البحرينية

"كمبيوتر" لكل طالبة... و"النور" الرجالية مقبلة...

لم يكن انتشار الحوزات العلمية في البحرين أمرا جديدا، فهذه الحاضرة من الخليج العربي كانت منذ مئات السنين ملتقى للعلوم ونقطة اشعاع اسلامي منذ العهد الراشد، لكن هذه الحوزات - ولظروف ذاتية وخارجية - لم توفق في مسايرة التطور المستمر وغير المنقطع في البحث الاكاديمي اعتمادا على وسائط الاتصال المتعددة. ولكن حوزة نسائية في المحرق ربما ستشكل منعطفا مهما في تطوير الحوزة البحرينية حتى على المستقبل القريب.

فحوزة "النور الأكاديمية النسائية" التي ابتدأت الدراسة فيها عمليا في شهر سبتمبر/ أيلول 2004م بإشراف الشيخ حسين النجاتي وابتدأت الدراسة فيها عمليا في شهر سبتمبر/أيلول 2004م بعدما افتتحت رسميا بمناسبة يوم النصف من شعبان في حفل علمائي كبير تشكل انموذجا راقيا في هذا المجال.

المقررات الدراسية

ويقع مقر الحوزة في مدينة المحرق في مبنى حديث تم شراؤه لهذا الغرض، وجهز بكل المتطلبات الدراسية. وتشكل المواد الدينية ما نسبته 60 في المئة تقريبا من المواد الدراسية في الحوزة والمواد الدينية تتوزع بين: علوم القرآن الكريم، والتفسير والتجويد، وعلوم الحديث الشريف وعلم الفقه، وعلم الأصول، والأديان والعقائد، والأخلاق، السيرة وتاريخ الإسلام، وغير ذلك.

وأما الـ 40 في المئة الباقية فخصصت للمواد غير الدينية، ومنها: العلوم التربوية والإنسانية، الإعلام، اللغات "العربية، الإنجليزية، الفرنسية"، الحاسوب، ومناهج البحث.

وحوزة النور مؤسسة تعليمية تربوية مستقلة، وهي غير ربحية. وتعتمد على نظام الرسوم الجزئي، بمعنى أنها تأخذ من الطالبات مبالغ رمزية كرسوم دراسية، ويبلغ مجموع ما يؤخذ من الطالبة للسنة الدراسية الواحدة 120 دينارا بحرينيا.

وفي مقابل هذه الرسوم تقدم الحوزة للطالبات - مضافا إلى فرصة الدراسة الجيدة والممتعة في العلوم الدينية وغيرها - خدمة المواصلات من جميع مناطق مملكة البحرين ذهابا وإيابا، وأيضا الكتب الدراسية، وتوفير جميع المتطلبات الدراسية وتقنياتها الحديثة، ووسائل الراحة، ومنح شهادة التخرج "شهادة النور العامة، وشهادة النور التخصصية".

وحددت مدة الدراسة في حوزة النور بـ 4 سنوات، خصصت الثلاث الأولى منها لدراسة المواد العامة، والسنة الرابعة للتخصص في أحد الحقول الآتية: علوم القرآن الكريم والتفسير، علوم الحديث الشريف، الفقه وفق المذاهب الإسلامية المهمة، والعقائد، والأديان، والسيرة والتاريخ. وستمنح "شهادة النور العامة" في نهاية السنة الثالثة للطالبات، و"شهادة النور التخصصية" في نهاية السنة الرابعة المزاوجة بين النظام الحوزوي والأكاديمي.

يدرس في حوزة "النور" حاليا 80 طالبة من أصل 150 متقدمة لم يكن بالإمكان استيعابهن موزعات على 4 شعب.

يوضح النجاتي أن كلفة اعداد مبنى الحوزة وشراء التجهيزات، تجاوزات الـ 150 ألف دينار، جمعت من أهل الخير المحليين، مؤكدا أن لا حاجة للدعم الخارجي في ذلك، وأن لا حاجة إلى استخدام الأموال الشرعية "الأخماس والزكوات"، "إلا جزئيا".

جهاز حاسوب لكل طالبة

يعتمد النظام التعليمي في الحوزة على المزاوجة بين النظام الحوزوي والأكاديمي، فأخذت الحوزة - بحسب رؤى القائمين عليها - إيجابيات النظامين وتركت سلبياتهما، وتعتمد الحوزة في إدارتها على أنظمة دقيقة عملية ذات طبيعة مرنة.

وتبدأ السنة الدراسية في الحوزة مع المدارس الحكومية الرسمية وتنتهي معها، تسهيلا للأمر على الطالبات وعوائلهن، إذ إن برامج العوائل المعيشية وأسفارها منتظمة مع المدارس الحكومية، فكان لزاما رعاية هذه الناحية للتوفيق والانسجام بين الأمور.

والغريب أن الحوزة في أنظمتها الحديثة تفوق حتى بعض الجامعات الرسمية والخاصة كما أن النظام الدراسي والتعليمي في الحوزة يعتمد على التقنيات التعليمية الحديثة والمتطورة، وتستفيد من أحسن الأجهزة في هذا المجال وأكثرها تطورا. وأوجدت الحوزة مختبرا للحاسب الآلي ووفرت فيه أحدث الأجهزة وأكثرها تطورا بعدد طالبات الشعب لغرض تدريس مادة الحاسوب والانترنت.

كما أن الحوزة تستفيد من أساتذة متخصصين في جميع الحقول الدراسية من المواد الدينية والأكاديمية. وتقيم دورات تخصصية بين فترة وأخرى لمدرسات الحوزة بغرض تطوير مهاراتهن المختلفة.

الهيئة الأكاديمية

وتقوم بإدارة شئون الحوزة مجموعة من الطاقات النسائية الجيدة والخبيرة والمخلصة التي لها تجربة كبيرة في هذا المجال العملي. وتتكون الإدارة من: مديرة الحوزة يسرى الموسوي، مساعدة المديرة زهره ميرزا عبدالباقي، سكرتيرة الإدارة سوسن سلمان عبدالرحيم، المشرفة الإدارية سميرة شعبان، مسئولة سلامة مبنى الحوزة زيبا قاسم.

ويقوم مكتب الشيخ حسين النجاتي بالإدارة العامة لشئون الحوزة وتمويلها ومراقبة أدائها، ومن المجالات التي يتولى المكتب رعايتها وإدارتها والإشراف عليها في الحوزة: تعيين الهيئة الإدارية للحوزة، الإشراف على عمل الإدارة، تعيين المدرسات بالتعاون والتنسيق مع إدارة الحوزة، تعيين وتحديد المواد والكتب الدراسية، توفير الكتب، والإشراف على سير الدراسة في الحوزة، ومعالجة المشكلات والصعوبات الطارئة في عمل الإدارة، ووضع الخطط العملية والمتنوعة بالتعاون مع إدارة الحوزة من أجل تطويرها إلى جانب توفير آخر التقنيات التعليمية والمصادر العلمية المفيدة من كتب وتوفير الموازنة المالية وصرفها إلى الحوزة، ومراقبة الصرف المالي للتأكد من سلامته.

إصلاح فكر المجتمع

ويقول الشيخ النجاتي إن المشروع جاء "ليقوم بجانب من واجب إصلاح المجتمع من خلال إصلاح فكره وثقافته، إذ إن الإسلام لا يريد إقرار العدالة في المجتمع على مستوى الثروة والمال والطعام والشراب والمسكن والرفاهية ورغد العيش والاقتصاد والأعمال فقط على رغم أهمية ذلك كله، بل جاء قبل كل ذلك ليصلح فكر المجتمع، وهذه هي رسالة الحوزة والجامعة في كل امة... ومن هنا نعتقد أن مشروع الحوزة العلمية في المحرق مشروع وطني كما هو مشروع إسلامي".

ويؤكد النجاتي أن "الحوزة العلمية تدعم قوة الفكر والحركة الفكرية والعلمية على جميع الأصعدة في الوطن، وهذه خدمة جليلة فكرية مالية فنية للوطن. وهذا المشروع يرفع عبئا ماليا كبيرا عن كاهل الدولة من منظور آخر أيضا، إذ إن هذا التعليم الحوزوي المنظور تعليم أكاديمي حوزوي، يعتمد النظام التعليمي الحوزوي والأكاديمي معا، ويدرس المواد الدينية وغيرها معا، وهو تعليم بمستوى التعليم الجامعي يكون لخريجي الثانوية ومن كان في مستواهم، فإذا كانت هذه المجموعات التي ستتصدى هذه الحوزة لتدريسها تتوجه الى جامعة البحرين مثلا لتلقي التعليم العالي لكان ذلك يشكل عبئا ماليا كبيرا على الدولة، وقد بلغني أن الحكومة توظف لكل طالب جامعي في كل فصل دراسي أو سنة دراسية ما يقرب من 4 آلاف دينار، ومشروع الحوزة في المحرق سيرفع العبء المالي الذي كانت تتحمله الدولة لو لم تكن هذه الحوزة موجودة وكان هؤلاء الطلبة والطالبات يتوجهون الى جامعة البحرين مثلا ويضغطون من أجل الدراسة هناك. وهذه خدمة وطنية أخرى تهديها الحوزة العلمية في المحرق الى الوطن الغالي".

ويبدو النجاتي مدركا لحجم المشكلات التي تعيشها المؤسسة الدينية في البحرين، ويتحدث بتفاؤل عن تجربة التعليم الحوزوي/ الأكاديمي في "حوزة النور"، التي بدأت عامها الدراسي الأول مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، على أن تنتهي في نهاية العام الدراسي الرسمي، كجزء من محاولة أوسع لتحويل الحوزة إلى مؤسسة نظامية، تشترط الحصول على شهادة الثانوية العامة للقبول، وتجري امتحانات دورية، وتلتزم بضوابط مقننة في الحضور، وتدرس منهجا حديثا، لا منهجا كتب منذ مئات السنين، على ألا تغرق في الجوانب النظرية، وتراعي متطلبات سوق العمل، على أمل أن يكون ذلك مؤهلا للاعتراف بالشهادة التي تمنحها الحوزة.

وعلى رغم أن النجاتي لم يأخذ ترخيصا من الجهات الرسمية قبل أن يفتتح الحوزة، فإنه أجرى فيما يبدو اتصالات مع عدة جهات تدير مؤسسات أكاديمية خاصة، بهدف الاستفادة من تجربتها. ويقول إن أمامه ثلاثة خيارات كي تكون الشهادة التي تمنحها الحوزة معترفا بها، وهي أبرز مشكلات الحوزة، بحسب النجاتي، مضيفا أنه من غير المعقول أن يدرس الطالب عدة سنوات من دون أن يمنح ما يفيد مروره بهذه الخبرة.

ويفصل النجاتي السيناريوهات الثلاثة، كالآتي: الأول، يتمثل في حصول الحوزة على اعتراف من قبل وزارة التربية والتعليم، كمؤسسة تعليم جامعية عليا، تمنح شهادة البكالوريوس، بعد أربع سنوات من الدراسة. أما السيناريو الثاني فهو الحصول على الاعتراف من جامعات خارجية، وهناك سعي حثيث إلى تحقيق ذلك، بحسب النجاتي. والسيناريو الثالث أن تعطى الطالبة شهادة من طرف مؤسسة أكاديمية أخرى، وكأن الحوزة مكان لتقديم امتحان إلى تلك الجامعة.

إدارة "النور"

وأشار إلى سعي أكيد، سيتبلور خلال الأشهر المقبلة، إلى تشكيل مجلس إدارة مستقل للحوزة: ثلثه علماء دين، وثلثه الثاني من التجار، والثلث الأخير من الأكاديميين، مشددا على أن هذا "التشكيل درس بعناية"، وينظر إليه مراقبون على أنه خطوة جديدة في سياسات التعليم الحوزوي.

ويقول النجاتي إن بالإمكان زيادة عدد الطالبات إلى 25 في كل شعبة، لكن ذلك سيكون سلبيا على التحصيل. وأوضح أن العزم أكيد على بناء طابق ثالث في المبنى المكون من طابقين، والذي يبعد قليلا عن مسجد الزهراء في المحرق، وهو في الأصل بيت تم تحويله إلى حوزة.

يبدو المبنى أنيقا جدا، أثاثه جديد، فيما تبدو غرفة الكمبيوتر الأكثر تطورا، إذ تضم أكثر من عشرين جهازا من أحدث الأجهزة، كلف شراؤها نحو 8 آلاف و500 دينار. وهي ربما في مستوى "مدارس المستقبل" الذي دشنته وزارة التربية هذا العام في عدد من المدارس الثانوية، إذ يمكن للمعلمة مراقبة أداء الطالبات من خلال جهازها، وتمنح الحوزة "الرخصة الدولية للحاسوب"، المعروفة اختصارا بـ "ASDL" التي تمنحها "اليونسكو"، ووقعت وزارة التربية والتعليم اتفاقا مع المنظمة الدولية لتوفيرها في المملكة.

الرسوم الدراسية

تأخذ الحوزة رسوما شهرية "رمزية"، مقدارها 15 دينارا شهريا، ذلك "أني لا أؤمن بالدراسة المجانية"، كما يقول النجاتي، فيما تكلف الطالبة شهريا نحو 70 دينارا، تتراوح كلفة التشغيل الشهري للحوزة بين 3 إلى 5 آلاف دينار. وهي تشغل 5 موظفات و6 مدرسات. ويعتبر النجاتي المشروع "وطنيا"، لأنه يساعد الدولة في استيعاب عدد من الطالبات، اللاتي كان من الممكن أن يطلبن مقعدا في الجامعة التي تعاني من الضغط.

يبدي النجاتي حساسية واضحة تجاه سوق العمل، ويقول إن خريجات الحوزة يمكن أن يعملن في التدريس، وفي القطاع المالي الإسلامي، مشددا على الاهتمام بالدراسات المصرفية، ذلك أن البحرين مركز مالي مرموق في هذا المجال.

تمنح الحوزة شهادة البكالوريوس، بعد 4 سنوات من الدراسة النظامية. السنوات الثلاث الأولى ستكون فيها الدراسة عامة، وستكون السنة الرابعة سنة التخصص في أحد 5 فروع: الفقه، العقائد والأديان، علوم الحديث، وعلوم القرآن، السيرة والتاريخ.

إلى ذلك، فإن السعي إلى التطوير مستمر، بما في ذلك بناء حضانة لاستيعاب أبناء المعلمات والدارسات، وأيضا السعي إلى شراء مبنى لإنشاء حوزة للرجال. ويأمل كثيرون أن تكون هذه التجربة بادرة تتلوها مبادرات أخرى لتطوير الحوزة الدينية التي يجب أن تراعي سرب التطوير والتغيير.

ورأى مراقبون أن الشيخ النجاتي استطاع خلال فترة وجيزة من إقامته في البحرين بعد عودته من الخارج ترسيخ قاعدة للعمل الإسلامي المؤسساتي مستفيدا من الدعم المالي والمعنوي من التجار والميسورين، ومن الخبرات العلمية والاقتصادية من الأكاديميين والمثقفين. وتوقع المراقبون أن يخطو مشروع النجاتي خطوات متقدمة في وقت قصير إذا ما واصل العمل بثبات على طريق مؤسسة الأنشطةالدينية المختلفة ومنها الدراسات الحوزوية التقليدية، وتحديدها بالضوابط العلمية والمعايير الأكاديمية الصارمة.

وعن تقييمه لتجربة الحوزة بعد أن أمضت عامها الاكاديمي الاول يستبشر النجاتي بمزيد من النجاحات للحوزة، قائلا "التجربة جيدة جدا، لقد ثبت أن هناك حاجة كبيرة في المجتمع إلى مثل هذا المشروع الذي تميز بخصوصياته الفريدة من حيث الجمع بين المواد الدينية والأكاديمية من ناحية، ومن حيث الجمع بين أصالة المواد الحوزوية والنظام الأكاديمي الحديث من ناحية أخرى، ومن حيث توافره على أحدث التقنيات التعليمية، وحصل إقبال كبير على المشروع كما هو واضح من المراجعات الكثيرة للتسجيل للفترتين الصباحية والمسائية، كما أن عطاء المشروع على مستوى الطالبات كان جيدا ورائعا".

ويؤكد النجاتي بثقة أن "المشروع تمكن من ايصال رسالة الى المجتمع تقول إن المواد الدينية والدراسات الحوزوية قادرة على منافسة الدراسات الأكاديمية الأخرى، بل هي متفوقة عليها في جملة من المجالات من حيث العمق العلمي، كما هي متفوقة عليها من حيث الجانب التربوي للطالب والطالبة".

"النور" الرجالية في الطريق

ولكن نجاح هذا المشروع الوليد بهذا المستوى لابد أن يواجه صعوبات وتحديات ورغبات في التطوير أيضا في العام الدراسي المقبل لم يخفها النجاتي، اذ قال: "إن من أهم التحديات هي الوصول الى مستوى الاعتراف الرسمي بشهادات حوزة النور الذي نعمل له بشكل جاد ومن قنوات مختلفة، ومن التحديات توسعة المشروع ليستوعب عددا أكبر من الطالبات، وبالنسبة الى العام الدراسي المقبل نعمل على استحداث 6 شعب دراسية جديدة تستوعب "120" طالبة، كما نعمل على أن يكون نظام التعليم الكترونيا بشكل كامل، ونعمل على تطوير الأنظمة التعليمية في الحوزة الى مستوى أحدث النظم التقنية العالمية الموجودة في مجال التعليم، فلا نقنع بما دون ذلك ونريد أن نكون فيأجلمستوى المنافسة التامة بشكل مستمر".

كما كشف النجاتي أن مشروع حوزة النور الأكاديمية للرجال "تم - بحمد الله تعالى - انجاز خطوات مهمة بهذا الصدد، ونرجو أن نوفق للإعلان عن بعض التفاصيل في القريب إن شاء الله تعالى"

العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً