أصدر رياض نجيب الريس، كتاباً طريفاً استند فيه إلى مقال قديم كان قد نشره في شكل مقابلة صحافية خيالية وتناول فيه أيامنا الحاضرة ومشكلات العرب والمسلمين. أما عنوان الكتاب فهو «حديث صحافي مع الإمام علي بن ابي طالب» وقد جاء في 91 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت.
أهدى الريس كتابه إلى والده الصحافي والمناضل السياسي السوري الراحل نجيب الريس وجاء الاهداء على الشكل الآتي: «إلى الذي أهدى إليَّ كتاب «نهج البلاغة». إلى ذكرى أبي».
وفي مدخل حمل عنوان «زمن الأبواب المغلقة» قال رياض الريس الكاتب والصحافي والذي كتب الشعر أيضاً: «ليس أمام الصحافي خيارات كثيرة في زمان كزماننا الحالي حيث الأبواب كلها موصدة لمن أراد البحث بحرية عن طريق آمن للكتابة يقول فيه ما يشاء ويسأل عما يشاء. أضغاث أحلام. ليس هناك من يجرؤ منا أن يسأل. وليس هناك من مطلع يجرؤ أن يتباسط مع صحافي عن مدلولات الأحداث اليوم واضعاً النقاط على حروف الأزمات.
فالمزالق كثيرة في أيامنا المعاصرة والثقة معدومة بين الصحافي والسياسي وحرية المعلومات متاحة في العالم إلا في بلادنا. لذلك عزمت أن أسلك طريقاً مختلفاً وغير تقليدي يختصر الزمن ويعود إلى التاريخ الذي لم يغير من طبيعة الحكام ولا من عادات النظام ولا حتى من مشاهد تهاوي البلدان واضطراب السكان واهتزاز الأركان. كان ذلك ونحن على أبواب السنة الأخيرة من القرن العشرين».
وروى كيف توصل إلى هذا القرار فقال إن في حياته محطات منها محطة نجمت عن «تراكم الأيام السياسية التي تلت غزو القوات الإسرائيلية للبنان واحتلالها لبيروت العام 1982 » أول عاصمة عربية تطأها أقدام الغزاة الاسرائيليين منذ قيام الدولة العبرية إلى اليوم. كل ذلك وسط صمت وذهول العالم العربي الذي لم تخرج مظاهرة واحدة في شوارع عواصمه غضباً أو احتجاجاً على هذا الحدث الجلل. «وأدركت كغيري في حينه أننا دخلنا عصر الذل العربي وأن الغزو الاسرائيلي واحتلال بيروت ما هو إلا بدايات الزمن العربي الرديء الذي نعيشه منذ ذلك الحين.» وفي تلك الفترة كان الريس يكتب مقالاً سياسياً أسبوعياً في مجلة «المستقبل» التي كان يصدرها في باريس الصحافي والكاتب الروائي الراحل نبيل خوري. وتأخر المقال وبناء على إلحاح خوري قال الريس في نفسه في ذلك الزمن الذي وصفه بالرديء «رحت أبحث عمن يقول لي شيئاً يمكن أن يشكل موضوعاً لمقال... لقد دجنت الأفكار وبدأ الناس يخافون قول ما هو مخالف للسائد». ولجأ إلى كتاب «نهج البلاغة» الذي جمعه الشريف الرضي. ونشر «الحديث الصحافي» في المجلة في 26 فبراير/شباط 1983 ولقي استحساناً كبيرً من القراء وأعيد طبعه وصدر في كراس صغير.
وقال: «وطمحت إثر ذلك إلى التوسع في هذه الفكرة إلى أن يصبح كتاباً معقولاً في حجمه. وقررت الاسترسال في الحديث من الإمام علي ليشمل أكبر عدد من القضايا. ومرت سنوات والأبواب مغلقة والزمن يعاكسني إلى أن انجزت ما استطعت ليكون هذا الكتاب».
من الأسئلة الكثيرة التي طرحها في خياله على الإمام علي ما يأتي: «ما زلنا بعد كل هذه الأعوام رعايا في دول سلاطين بعكس ما هو مدون في الدساتير والقوانين. فماذا ينصح خير السلف الضحايا من الخلف وخصوصاً أن الجامعات الحديثة لا تدرِّس الرعايا أساليب التصرف من السلاطين؟» وجاء الجواب المفترض كلاماً للامام علي وفيه «صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه... وأضر الأشياء عليك أن تعلم رئيسك أنك أعرف بالرياسة منه... وأصبر على سلطانك في حاجاتك فلست أكبر شغله ولا بك قوام أمره... إذا قعدت عند سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل... فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك فيريد أن تتنحى عن مجلسك... وإذا خدمت رئيساً فلا تلبس مثل ثوبه ولا تركب مثل مركوبه ولا تستخدم كخدمه فعساك تسلم منه... وإن زادك الملك تأنيساً فزده إجلالاً».
سؤال آخر هو «يا أمير المؤمنين الشعب العربي مبتلى بدوله وحكامه وإلى الآن لم تنفع كل العلاجات فما العمل؟» وجاء الجواب «صواب الرأي بالدول: يقبل بإقبالها ويذهب بذهابها... إزالة الجبال أسهل من إزالة دولة أقبلت. فاستعينوا بالله واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء... أشرف الملوك من لم يخالطه البطر ولم يحل عن الحق... وأصحاب السلطان - في المثل - كقوم رقوا جبلاً ثم سقطوا منه فأقربهم إلى الهلكة والتلف أبعدهم كان في المرتقى».
ويأتي جواب آخر عن سؤال اذ يقول الإمام «آلة الرئاسة سعة الصدر ... من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق». ويسأل الصحافي «ماذا عن العدو؟» فيرد الإمام علي بقوله: «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه». وكثير غير ذلك من «الأسئلة» ومن «الأجوبة»
العدد 3218 - الأربعاء 29 يونيو 2011م الموافق 27 رجب 1432هـ