العدد 3243 - الأحد 24 يوليو 2011م الموافق 23 شعبان 1432هـ

طقوس الاقتران بين الذكر والأنثى

منذ أن وعى الإنسان لما حوله من الأحداث، وهو يعتقد بأمور خارقة أو أمور ما فوق أو ما وراء الطبيعة، وأخذ بالربط بين العديد من الظواهر والأحداث، وبتقادم الزمان وجد تكرار ظواهر معينة لا يجد لها تفسيراً؛ لكنه أستطاع أن يوجد لها ارتباط بسلوكيات معينة فتحولت تلك السلوكيات إلى طقوس. وبعد أن استقرت المجتمعات القديمة وأصبحت الأسرة الزوجية هي الأساس فيها، بدأ الإنسان القديم بتطوير طقوس خاصة لهذا الزواج. ويعتبر حدث اقتران الرجل بالمرأة من أهم الأحداث في حياة الإنسان؛ إذ لا يوجد في حياته أحب، ولا أسعد، ولا أقدس من تلك اللحظة التي تنقله من الحالة الفردية إلى حالة الاندماج وتأسيس أسرة، ولا يوجد حدث آخر في حياة الإنسان يحظى بما يحظى به الزواج، ولهذا نجد حتى يومنا هذا كيف أن مناسبة الزواج محاطة بالطقوس والعادات والتقاليد ولم تُحَط مناسبة، ولعله ولهذا السبب تعددت الطقوس واختلفت التقاليد وتباينت العادات بين شعب وشعب، وبلد وآخر. ومن أوائل طقوس الزواج لدى المجتمعات القديمة والتي مازالت منتشرة بصورة أو بأخرى بين العديد من الشعوب المختلفة في هذا العصر هي تلك الطقوس التي ارتبطت بالقمر والانغماس في الماء. في هذا الفصل سنلقي الضوء على بعض طقوس الزواج في البحرين ومقارنتها بما في مناطق أخرى من العالم، وسنركز هنا على ثلاث نقاط أساسية: علاقة القمر باختيار ليلة الزواج، وطقس الاستحمام قبل الزواج، وطقس إرضاء الجن أوالعالم السفلي.

القمر وليلة الزواج

هناك تشابه بين القمر والمرأة فكلاهما لهما دورة مدتها قرابة 28 يوماً، وقد اكتشفت الشعوب القديمة تأثير القمر على الموجودات الأرضية كتأثيره على دورة البحر، وبذلك ربط الإنسان قديماً بين أوقات صيد الأسماك ودورة القمر وأعطاها تسميات، واكتشف الإنسان القديم دورة للمرأة أيضاً وهي دورة كانت تستدعي العجب والخوف والتفكرح إذ إنه في هذه الدورة تنـزف المرأة دماً (أثناء الحيض) ولا تموت، في حين يموت الرجل عندما ينـزف، ما لم يتم تداركه لإيقاف نزف دمه وينقذ حياته، ولم يكن نزف الدم فقط مدعاة للتفكر وإنما ارتباط ذلك النـزف الشهري بالقمر ودورته الشهرية، ونجد ذلك مذكوراً بإلحاح، باعتباره ذا مضامين سحرية بالغة القوة في معتقدات وديانات وعلوم شعوب بدائية كثيرة. «وقد تخيل الإنسان القديم القمر فاتناً يغوي النساء ويضاجعهن أثناء ليالي فترة حيضهن، كما أن النساء أنفسهن يتمنعن آنئذ عن كل علاقة جنسية. كانت النساء يحترمن القمر ويكرمنه بصفته إلهة تدافع عنهن وتحميهن من الرجال في أوقات منتظمة ومحددة من كل شهر» (فريشاور 2007، ص 37).

معتقد تأثر المرأة بالقمر مازال موجوداً حتى يومنا هذا بصور مختلفة حتى أن بعض الديانات نظمت هذا المعتقد، فنجد روايات عن أهل البيت عليهم السلام تحدد ليال قمرية معينة يكره الزواج فيها وقد أضيفت لتلك الليالي ليال أخرى، وقد نشأ عن هذه الرواية عادة السؤال عن الليلة المناسبة للزواج، وقد كتب الشيخ حسن الصفار (مجلة الواحة العدد 31) حول هذه النقطة: «هناك أوقات ورد أنه يكره إجراء عقد الزواج فيها، والثابت منها، حين يكون القمر في برج العقرب، ويحدث ذلك لمدة يومين وربع؛ أي ليلتين أو ثلاث ليال، تختلف من شهر لآخر ... وهو ما اقتصر عليه أكثر فقهائنا السابقين، حيث لم يذكروا كراهة أوقات أخرى ... لكن بعض الفقهاء المتاخرين أضافوا كراهة إجراء العقد حين يكون القمر في (المحاق) آخر الشهر، حيث ينمحق ضوء الهلال، ليلة 28، 29، 30 ... ثم أضاف فقهاء آخرون كراهة إجراء العقد في كوامل الشهر، وهي سبعة أيام في كل شهر (25،24،21،16،13،5،3) لورود روايات تعتبرها أيام نحس. لكن لا توجد رواية تشير إلى كراهة الزواج فيها ... في مقابل ذلك هناك روايات تدعو الإنسان إلى التوكل على الله، والتسلّح بالدعاء، وآيات القرآن، ودفع الصدقة، وعدم التطيّر والتشاؤم، وعدم الاهتمام بما يثار حول نحوسة بعض الأيام. على أن ما ذكره الفقهاء هو حول إجراء عقد الزواج، أما الزِّفاف والدخول على الزوجة، فلم يذكروا كراهته في تلك الأوقات، كما يتضح من تعدادهم لمستحبات الدخول على الزوجة، إلا أن يتحدّد وقت العقد مع وقت العُرْس. وبهذا لا داعي للتقيّد بحذر الاجتناب من بعض الليالي لاختيار ليلة العُرْس والزِّفاف».

طقس الانغماس في الماء

طقس الانغماس في الماء أو الاستحمام قبل الزواج كان موجوداً في عدد من الثقافات القديمة حيث يقوم الزوجان في اليوم السابق للزواج بالانغماس في الماء كالعيون الطبيعية أو الأنهار أو البحيرات، وقد بقي هذا الطقس حتى يومنا هذا في العديد من البلدان بمختلف دياناتها (Monger 200، p.22)، وعند اليهود في الوقت الراهن يعرف هذا الطقس باسم Mikvah. ومنذ القدم وطقس الاستحمام في العيون الطبيعية معروف في البحرين وعدد من دول الخليج العربي، وهو لايزال معرفاً في المغرب ومصر وتركيا وغيرها.

قدسية العيون في البحرين

يبدو أن للعيون في جزر البحرين مكانة خاصة منذ قديم الزمان؛ إذ تشير المكتشفات الأثرية للمواقع التي تعود إلى فترة دلمون لبناء المعابد بالقرب من عيون طبيعية كمعابد باربار ومعبد الدراز وكذلك عين أبوزيدان؛ إذ يعتقد بوجود معبد بني عليها. وقد استخدم شعب تلك الحقبة مياه هذه العيون في الاغتسال والتبرك ولتطهير أجسامهم لاعتقادهم بقدسية مياهها.

العيون والجن

و«سبوحة المعرس والعروس»

من طقوس الزواج المشهورة في البحرين وشرق الجزيرة العربية هي «سبوحة» المعرس والعروس وتسمى أيضاً الغسالة والبعض يقول الغسولة وهي مراسم تسبق ليلة الزفاف تتم خلالها بعض الترتيبات الضرورية لتجهيز العروسين، فبالنسبة إلى الفتاة في القطيف والبحرين تعلن أولاً غسلتها قبل ليلة الزفاف بثلاث ليال، وذلك بأن تؤخذ، عصر أحد الأيام، أو صباحًا في بعض النواحي، في لُمَّة من النساء والفتيات، والصبايا، إلى إحدى العيون الشهيرة. ويصاحب طقس السبوحة أو الغسالة طقوس أخرى مصاحبة له عند العين، فقد عرف عن العيون أن الجن قد تسكن بها وقد مر بنا مثل هذا الاعتقاد في سلسلة ثقافة الماء والزراعة، وما أن يحدث أي حادث في عين كغرق أحد الأشخاص حتى يتم شياع أن العين بها «جنية». فلذلك أثناء عملية الغسال في العين يتم كسر بيضة، أو أكثر، في أماكن مختارة، وخصوصًا العين التي تتم فيها الغسالة، إضافة إلى (تقسيم العذرة)، وهو طعام يعمل من الرز والدبس، أو السكر، ويسمى المحمَّر أو البرنجوش (البرنيوش). ويؤخذ شيء من العذرة فتفرق في طريق عودة موكب الغسالة برمي قبضات صغيرة منه في مجاري المياه، والزوايا، والمنعطفات، لإرضاء الجن أو كما يقال (الصالحين) واتقاء لشرهم، وعادة ما تردد المرأة التي تقوم بتفريقه عبارة: (أكلوا وباركوا)، وعند وصول الموكب إلى المنزل يقدم البرنجوش للحاضرات فيأكلنه، وما يقدم من العذرة لا يعد من ضمن العشاء، وإنما يقدم على سبيل البركة.

كذلك الحال في سبوحة المعرس فقبل ليلة واحدة من ليلة الزفاف، وفي بعض المناطق في ليلة الزفاف ذاتها، تجرى غسالة العريس، (أو غسلته)، فيؤخذ إلى إحدى العيون الشهيرة يرافقه حشد من أهله وأصدقائه وأهل بلدته في وقت الأصيل ويحمم بذات الكيفية التي حممت بها العروس وينظف تنظيفًا مبالغًا فيه، ويقوم المعرس بحلق شعر الجسد بالنورة الممزوجة بالزرنيخ. وفي بعض الأحيان يؤتى بحلاق (مزين) لحلق العريس في مكان الغسالة، فيقوم بحلقه في العين، وأحيانًا تتم حلاقته في الصباح، أو في البيت قبل الذهاب إلى العين، ويتم كسر بيضة، أو أكثر، على أحد جروف العين إرضاءً للجن، وكذلك توزع النورة على البالغين، كما يقوم المكلف بالعذرة بتفريقها على الجن (كما يزعمون)، ذهابًا وإيابًا، كما مرَّ بنا في وصف غسالة العروس، ويطاف بالبخور، أثناء إشاعة الصلوات على النبي وآله، وترديد الأغاني.

صباح يوم العرس

يكون اليوم السابق لليلة العرس وكذلك ليلة العرس مليئة بالطقوس فهي ليلة تحديد مصير وتصاحب الطقوس النذور التي تأتي بأشكال وأنواع مختلفة، سواء كان نذراً صحيحاً أو نذراً باطلاً أو اعتقاداً لا أساس له من الصحة؛ المهم أن تكون هناك نذور لابد أن تقضى وكما تقول العامة في أمثالها: «أما اتأدي أنذيرك ... ولا حفرنا أقبيرك»

وقد جرت العادة في ليلة الدخلة أن توضع «العذرة» بالقرب من رأس العروسين، وتأخذ هذه العذرة في الصباح إلى أقرب عين ماء وتلقى فيها لتبعد شر الجن عن العروسين

العدد 3243 - الأحد 24 يوليو 2011م الموافق 23 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:37 ص

      التراث البحريني الأصيل

      شكرا جزيلا للباحث حسين على هذه المعلومات المفيدة جدا، ولكن منذ مدة أحد .......... كان يهزأ بطائفة أنها حتى في الزواج تستشير شيوخها في الليلة الجيدة للزواج. أرجو أن يقرأ هذا المقال لعله ينتفع.

اقرأ ايضاً