كان منظر الأب الذي وقف غاضباً يوبخ ابنه الطالب في المرحلة الثانوية ملفتاً للنظر، فقد توقف الكثير من الناس ليتابعوا المشهد عن قرب، عندما دخل الأب مقهى للشيشة قريباً من إحدى دور السينما في المنامة، وكان يرتدي «دشداشة النوم» ويهمس في أذن ابنه بهدوء ليرافقه إلى خارج المقهى ثم يبدأ التوبيخ ينهال على رأس الشاب الذي حمل كتبه ووقف يستمع بلا جواب. وانتشرت خلال الأيام الماضية موضة المذاكرة في مقاهي الشيشة، إذ يسهر بعض الشباب من طلبة المراحل الثانوية والجامعية حتى الصباح في بعض الليالي ليذاكروا الدروس هناك في تقليعة جديدة تدور فصولها في مقاهي الشيشة، فيما يحذر الأطباء وأعضاء جمعية البحرين لمكافحة التدخين من هذا السلوك السيئ.
ويعترف أصحاب المقاهي بأنهم لا يستطيعون ثني الشباب الذين يجتمعون في مجموعات عن الحضور والاستذكار، وسط غمام دخان الشيشة الكثيف.
آخر صرعات طلبة الثانوية والجامعة...
حلقات للمذاكرة في مقاهي الشيشة؟!
المنامة - سعيد محمد
«في تلك الملازم المكدسة فوق بعضها بعضاً... اصطفت علب مشروبات الطاقة وكؤوس الشاي والقهوة على طاولة جلس عليها نحو سبعة من الشباب الدارسين في إحدى المدارس الثانوية الخاصة ليذاكروا دروسهم ضمن نمط جديد بدأ ينتشر هذه الأيام، إذ أصبح الكثير من الشباب يتجهون لمقاهي الشيشة للاستذكار... جلس أحد الشباب ينفث الدخان الكثيف من فمه وينتظره حتى يتلاشى لكي يتمكن من قراءة الصفحة بوضوح».
سيأتي اليوم الذي يتحدث فيه الآباء والأجداد عن تلك الأيام الخوالي التي كانوا فيها طلاباً يستعدون للامتحانات وكيف كانوا يذاكرون في أجواء مختلفة طبقاً للحال الاجتماعية والمعيشية للأسرة... فهناك الأسر الفقيرة التي يدرس طلبتها فوق السطح أو في غرفة ضيقة سيئة الإضاءة، وهناك الأسرة متوسطة الحال التي يدرس أبناؤها في حجرة الجلوس أو جزء هادئ من الحوش، وهناك الأسر الميسرة التي يدرس أبناؤها في غرف خاصة مريحة تتوافر فيها جميع متطلبات الاستذكار في جو نفسي هادئ... بالإضافة إلى الصور الأخرى المتاحة للجميع من خلال المذاكرة مع أحد الأصدقاء أو مجموعة من الأصدقاء في منزل أحدهم بكل التزام وانضباط، وسيحكي آخرون عن المذاكرة مع مجموعة الأصدقاء في لعب وتضييع للوقت فيما سيتحدث البعض عن التوجه إلى المكتبات أو المشاركة في الدروس الخصوصية.
ذلك كله يأتي ممزوجاً بأفكار جديدة في المذاكرة، منها ما يحدث هذه الأيام، إذ تجتمع مجموعة من الأصدقاء في أحد المقاهي ليبدأوا في المذاكرة على طريقة الحلقة النقاشية وتبادل المعلومات وأسلوب الشرح في جو تحيطه أدخنة الشيشة، إلا أن الشباب، ومعظمهم من طلبة المرحلة الثانوية والجامعة وقلة منهم من طلبة المرحلة الإعدادية، يعترفون بأن هذا الجو يناسبهم كثيراً وخصوصاً إذا ما كان المقهى يقدم خدمات الإنترنت المجانية.
كيف هو هذا الجو؟ لنتعرف معاً:
لأنه اعتاد على هذه الأجواء منذ عامين كاملين، فإن «ف» يعتقد أنه لم يعد في امكانه الاستذكار في المنزل... فهو يعيش في غرفة واسعة ومريحة، لكنه لا يستطيع تدخين الشيشة فيها ولو استطاع ذلك فلربما لن يكون مثل جو المقهى، ولاسيما في وقت هدوئه أفضل من غرفته!
وعن غرابة الفكرة، وعدم كونها صحية من ناحية وفوضى المقاهي من ناحية أخرى، يقول «ف»: إنه يأتي عادة في الأوقات التي يكون فيها المقهى هادئاً، إذ يحضر كتبه ويبدأ في المذاكرة لكن المشكلة الوحيدة التي يواجهها في المقاهي الفخمة هي سوء الإضاءة التي لا تصلح للمذاكرة، وربما كان القصد الرئيسي منها إضفاء الرومانسية وليس للمذاكرة.
ويصرح بأنه تعود على هذا النوع من الاستذكار ويصبح لفترة الامتحانات طعم في المقهى، ويشير أيضاً الى أنه يقضي وقتاً حماسياً ونافعاً أثناء الاستذكار في المقهى ويستفيد ويذهب في اليوم التالي لتقديم الامتحان بكل ثقة.
مجموعة من الطلبة الخليجيين اعتادوا أيضاً على تدخين الشيشة والاستذكار في أحد المقاهي الشعبية، وقد تعودوا على أحد تلك المقاهي وخصصوا لهم طاولة صغيرة تحيطها كنبات مريحة وفوقها اضاءة جيدة للاستذكار، فهم متفقون على أن هذا الجو يعطيهم الفرصة للاستذكار بقوة والكل يشرح للكل!
وفيما يتعلق بإمكانية التجمع في السكن أو في بيت أحد الطلبة للاستذكار بالطريقة ذاتها والكل يشرح للكل، قال أحد الشباب مصرحاً «إن السبب الوحيد يا أخي هو الشيشة... الاستذكار في المقاهي الشعبية هو عادة سيئة بدأت تنتشر فعلاً بين الشباب ولاسيما بالنسبة لنا في الجامعة، لكن المشكلة كلها في الشيشة وليس في أي شيء آخر... هي التي تجذب الشباب للاستذكار»!
دار نقاش بين أحد أولياء الأمور والذي جاء للبحث عن ابنه وبين صاحب المقهى، فولي الأمر لا يستطيع أن يجبر صاحب المقهى على منع ابنه من الدخول إذ كان جواب صاحب المقهى لولي الأمر: اجلس مع ابنك واخبره بعدم رضاك عن قدومه إلى المقهى... لكن الحديث كان هادئاً بين الاثنين، في حين لايزال الولد داخل المقهى قبل أن يدخل له والده ليخرجا معاً.
يقول صاحب المقهى: هؤلاء ليسوا أطفالاً... إنهم شباب يعرفون ما يفعلون! وبعضهم يأتي مع أصدقائه ليذاكر لكن لست من يضع لهم أسلوب المذاكرة، ولا استطيع في الحقيقة أن امنع أحداً! صحيح أن القانون يمنع دخول هؤلاء الشباب إلى المقهى تحت سن عاماً لكنك لن تجد مقهى واحداً في البحرين يطبق هذا النظام!
ويشير إلى أن هناك أعداداً من الشباب في المراحل الثانوية والجامعية يسهرون في بعض الليالي حتى الصباح وهم يدخنون الشيشة ويذاكرون «وأؤكد لك أنهم لا يستفيدون شيئاً بحسب ما أرى، اذ يقومون وهم في غاية الإرهاق والتعب، فكيف سيكون أداؤهم في الامتحان في الوقت الذي يواصلون فيه التدخين والمذاكرة! الوضع صعب، وأطالب أولياء الأمور بالنظر في الأماكن التي يذاكر فيها أبناؤهم والتدخل في المنزل وليس عن طريق ملاحقتهم».
وعلى رغم أن المقاهي الشعبية شهدت شداً في فترة ما في المجالس البلدية وكذلك في المجلس النيابي، فإن مقاهي الشيشة تبقى قوية الجانب على ما يبدو! فهي وإن كانت مرافق غير صحية اطلاقاً، فإن الشباب يبررون لأنفسهم الكثير من الأخطاء حتى يجدوا مكاناً لقضاء وقت أطول للاستذكار والتدخين في آن واحد.
في أحد المقاهي، يقول الشباب إنهم متعاونون مع بعضهم بعضاً، إذ يقومون بالاستذكار في المقهى وهم يدخنون الشيشة لأنهم تعودوا على ذلك، بكل ما في هذه العادة من مساوئ واضرار
العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ