عندما تدخل إلى طرقات المنطقة، وبين بناياتها الشاهقة مقارنة مع بقية مناطق البحرين، وحين تسمع أصوات القاطنين والمرتادين، تستذكر حكاية الشابة العربية التي جاءت لتقضي شهر العسل في البحرين مع زوجها في الشقة المفروشة التي كانا يسكنان فيها بإحدى العمارات في شارع المعارض حين هجم عليها خليجيان واغتصباها عنوة.
حين تنظر إلى الشابات اللواتي يجلن الشارع بسياراتهن الفاخرة تتذكر تلك الشابة البالغة من العمر عاما وقد تم اغتصابها من قبل شخصين خليجيين يسكنان في شقة مجاورة لشقتهما عندما نزل الزوج لشراء وجبة العشاء. فاستغل الخليجيان ذلك و طرقا باب شقة الزوجين في حوالي الساعة العاشرة والنصف ليلا وقامت السيدة بفتح الباب الذي لم يكن مزودا بعين سحرية ظنا منها أن زوجها قد عاد. فاقتحم الخليجيان الشقة وبادرا باغتصابها بعد أن قيداها وكمما فمها كي لا تصرخ. وبعد الانتهاء من فعلتهما عصبا عينيها بقطعة قماش سوداء وألقيا بها تحت السرير، وهربا آخذين معهما مجوهرات الزوجة وهاتفها النقال!
نعم، لقد حدث ذلك في البحرين وفي شارع المعارض بالتحديد، ولعل هذا الشارع مشهور بقضايا أخرى، ولكن هذه القصة المروعة كفيلة بأن تنسي الناس القضايا الأخلاقية التي تشتهر بها المنطقة.
الساعة تشير إلى الثانية صباحا، والشوارع تكاد تخلو من المارة إلا ما نذر... جلبة وضجيج يسرق الآذان، لا تستغرب فإنك قد اقتربت من شارع المعارض. ومن يأتي أو يمر للمرة الأولى تملأ عيناه دهشة، وسؤال حائر؛ اختناق مروري في الثانية صباحا؟ وماذا يفعل رجل المرور على حافة الطريق؟ يفتش سيارات من؟
ومن على بعد مسافات، تتعالى أصوات الطبول من داخل السيارات، وكأنك وسط فيلم للهنود الحمر! ولعلك تدرك منذ الوهلة الأولى أن جميع المارة وجميع الواقفين على جنبات الطريق هم شباب دون العشرين أو تجاوزوا العشرين بسنين قليلة... وفي خضم ذلك كله، تكاد تنسى بأنك قد تجاوزت الموعد المحدد للخلود ورمي الجسد بساعات، وتذوب في جلبة الناس ولا ما نع إن وصفنا ما يحدث بالفوضى العارمة، ولا نبالغ حين نقول إن شارع المعارض يستيقظ بعد أن تنام بقية مناطق البحرين.
بينما السيارات لا تكاد تتحرك في المسار، كان المسار المعاكس الذي يقود داخل المنطقة الدبلوماسية يتحرك باستحياء، وإذا بسيارة ضربت زجاجاتها بـ «الرايبون» تهتز كأنها جان! وفي هذه الأثناء فتحت النوافذ وظهرن فتيات صغيرات وهن يغنين ويرقصن على وقع موسيقى الطريق، ولم يكتفين بذلك بل كن يتحرشن بالشباب في المسار المعاكس، فما كان من أمر أحد المارة إلا أن أخرج رأسه وطلب منهن التوقف على الجانب ليلحق بهن، وتمت الصفقة!
ولم يكتمل المشهد بعد... آسيويات وأخريات من جنسيات مختلفة كن يجلن الشارع بحثا عن غنائم الليل. ولم يكن مستغربا أن ترى شبابا يفتحون أبواب سياراتهم لتركب فيها الباحثات عن الغنيمة، وكان بعض الشباب أكثر تحفظا إذ كن يؤشرن إلى الفتيات بالذهاب إلى أحد «الدهاليز» لإتمام العملية!
وفي هذه الأثناء، تتهافت الأسئلة و تبقى كالمشدود إلى منظر من دون أن يعطي له أي تفسير، فهل نحن في مدينة بالولايات المتحدة؟ أين الدولة مما يجري بشارع المعارض الذي اشتهر بكونه شارع «المغازل» ويحلو للبعض أن يسميه شارع الحب... أين الأهل مما يجري وما يفعله أبناؤهم تحت نجوم المنامة؟ اين هم عن بناتهم اللائي يجلن بسياراتهن بحثا عن «بوي فريند» أو بحثا عن غزل ماجن مشحون بـ «شلخ الشباب».
وعلى الجوانب، هنا وهناك، شباب اتخذوا من الشارع ومن الرصيف مقرا لجلوسهم ومسامراتهم، وليس لهم هدف إلا قضاء الليل بعيدا عن حياة روتينية ملوا منها وسأموا من القيود التي يفرضها الآباء ليتحرروا تحت ضوء القمر الذي يكاد يختفي من أنوار شارع المعارض، وهل يحلو السمر مع غير القمر؟
نزلنا نتمشى بين جموع الشباب، وعند أحد المحال توقفنا نجمع أنفاسنا فرآنا شباب وبادروا بالسؤال: أول مرة تجون شارع المعارض؟ أجبناهم بنعم... اقتربنا منهم وسألناهم عن سبب هذا الزحام، فأجاب أحدهم: يا خوي وين الواحد يروح، لازم يرفه عن نفسه شوي، ومو غلط إذا حصلت لك بنية حلوة تحلي لك ليلك... وأكمل آخر «لكن وين شارع المعارض أيام زمان، راحت، كنا نحصل بنات من دون تعب، وما أبالغ لما أقول لك إن البنات كن يدورن على الشباب لكن ألحين الماية قراح يا خوي، وهذا الوضع تعقد من صارت حوادث شارع المعارض والله حسافه».
تحركنا من أمامهم وهم يقولون: «صيد موفق وحدقوا زين ما زين، وإذا حصلتوا هوامير أو صافي مو عيب تخلون لينا شوي»! زحمة في زحمة، هي كل ما يجري في شارع المعارض، ولا مانع من رؤية بعض الآسيويات وأخريات ببشرات تنبه إلى القارة الإفريقية، ولعل هذا هو باختصار ما يحدث في شارع المعارض. وفي شارع العدلية، لم يكن هناك ما يسرق الانتباه إلا تجمع شباب أمام مواقف مبنى التحقيقات الجنائية، ناهيك عن تحركات غير عادية لخليجيين وآسويات يبحثن عن شريك يؤنس وحدة الليل ويملأ المحفظة ببعض النقود! وعلى مقربة من المباني، هناك رجال في صورة نساء، وفي أحد الجوانب أوقفنا أحدهم أمام حلاق رجالي، وأخذ يتحرش وكأنك تحسب نفسك تتحدث إلى امرأة... أخذ يقول بالإنجليزية: «أنا أريد صديق (بوي فريند)» سألناه أليس لديك واحد لهذه الليلة فقال: «كان لدي صديق خليجي ولكنه سافر بالأمس وسيعود في الأسبوع المقبل وكيف سأصبر طوال هذه الأيام من دون صديق»!
إنك لست في البحرين، بل في مناطق خرجت عن المألوف وخالفت المتعارف عليه... سهر لساعات طويلة بين أحضان شارع المعارض، وبحث عن لذات فانية في أحضان آسيويات و رجال في هيئة نساء. أين نحن مما يجري هناك؟، ولكن... لا حياة لمن تنادي
العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ