العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

وزارة التربية والتعليم... وكابوس الدمج

منذ سنتين، نحن أولياء أمور الطلبة المدمجين في مدارس وزارة التربية قلوبنا تدمي وعيوننا تدمع ونحن نراقب المستقبل المظلم الذي ينتظر أبناءنا في أحضان وزارة التربية والتعليم... توقفنا عن الكتابة في الصحف بهدف منح فرصة للوزارة لتصحيح وضع أبنائنا... وخلال تلك الفترة كانت ترد إلينا عدد من الشكاوى من آباء وأمهات هذه الفئة ونحن واقفون مكتوفي الأيدي... ومع ذلك امتنعنا عن الكتابة أملاً في أن يتبدل الحال وتتطور عملية الدمج.

باعتبارنا أولياء أمور طلبة فئة متلازمة داون نقول للجميع إن المنة والشكر والحمد لله وحده أولاً، وليس لأحد منه علينا أبدا في دخول أبنائنا إلى مدارس الحكومة... ثم المنة والشكر ثانيا لجلالة ملك البلاد وصاحب السمو رئيس الوزراء حفظهما الله... فقد كفلا للجميع حرية الرأي والتعبير، بل وشجعونا على نشر الحقائق بكل الوسائل المتاحة من خلال القنوات الرسمية. وما هذه المقدمة إلا مفادها أنه إذا طالب أحد المواطنين بحقوقه من أية جهة وحصل عليها فلا يمن عليه أحد... نحن طالبنا بتعليم أبنائنا أسوة بباقي الطلبة... فيجب من الجهات المسئولة تحمل هذا العبء بكل أجزائه ومنح أبنائنا التعليم الذي يليق ويتناسب مع قدراتهم مهما كان مستواهم. وخبراء التربية يعلمون علم اليقين ماذا تعني كلمة قدراتهم. نحن لا ندعي العلم كما أننا لسنا تربويين... لكننا آباء وأمهات ابتلانا الله بأطفال كانوا منذ سنوات قليلة ترفض أية مدرسة حكومية أو خاصة أو حضانة أن تستقبلهم. كانوا منذ سنوات قليلة أيضاً يمتنع أحيانا الأطباء من إعطائهم العلاجات المكثفة في حال الأمراض الشديدة أو الخطرة لاعتقادهم بأن إطالة عمر هذا الطفل لا جدوى منها... كانوا منذ سنوات قليلة تغلق عليهم أبواب منازلهم فلا تشاهد منهم أحدا... كانوا منذ سنوات قليلة تطلق عليهم ألقاب عجيبة كالمنغوليين والهبل المنغولي... كل تلك الصور بعون من الله ثم بمساعدة أولياء الأمور والكثير من الأصدقاء والمخلصين في هذا البلد استطعنا تصحيحها شيئا فشيئا من خلال أنشطة متعددة ومكثفة قامت بها الجمعية البحرينية لمتلازمة داون. وبسبب اهتمامنا بهذه الفئة أخذنا نقارن أنفسنا بالعالم الذي حولنا، فوجدنا أن الدول المتقدمة كانت تدمج هؤلاء في مدارسها منذ أكثر من ثلاثة عقود... نعم أكثر من سنة وعملية الدمج قائمة في بعض البلدان التي يعرفها خبراء التربية في وزارة التربية ممن تعودوا السفر على حساب الدولة إلى كندا والسويد واليابان وبلدان أخرى... لكن للأسف لم ينقلوا بصدق تلك الخبرات إلى مواطنيهم ووضعوها في الأدراج حتى اكتشفها أولياء الأمور.

سبع سنوات ونحن في شد وجذب مع وزارة التربية والتعليم بشأن دمج أبنائنا بمدارس الدولة ومنحهم الحقوق التي يكفلها الدستور لكل مواطن... فالدستور لم يفرق بين فئة أو أخرى، كما أن هذه الحقوق تؤيدها جميع المنظمات العالمية. سبع سنوات عجاف أكلت من أعمار أبنائنا أجمل زهور سنوات الطفولة... من كان في الخامسة أصبح شاباً يافعاً وبدأت تظهر عليه علامات سن البلوغ... ومن كانت في الخامسة أصابها ما يصيب الفتيات في عمرها وبلغت السن التي تحتاج إلى خصوصيات يعرفها النساء من أيام أمنا حواء.

نحن آباء وأمهات ابتلانا الله بهذه المحنة، وفي الوقت نفسه وضع في أعناقنا أمانة الدفاع عنهم ومنحهم حياة كريمة... ولن يهدأ لنا بال حتى نرى أحلامنا تتحقق بإذن الله وسنقف جميعنا ومعنا الأصدقاء والمخلصون لهذا الوطن أمثال الصحافية سلوى المؤيد صفا واحدا في وجه كل من يهضم حقا من حقوق أبنائنا. وكذلك ابتلانا الله بوزارة تكيل لأبنائها بمكيالين مختلفين: مكيال من ذهب تشكر عليه ونعتز به لمختلف أنواع التعليم... ومكيال من ورق مخروم نخجل من ذكره أو الإشارة إليه خصص لمشروع دمج فئة متلازمة داون في مدارس الحكومة، حتى أصبحنا في المؤتمرات العربية والعالمية ندس رؤوسنا تحت الطاولات كي لا نسأل عن تجربتنا الفاشلة ولا نفضح وزارتنا أمام الغير... وفي هذا نسير على منهج قول الشاعر «بلادي وإن جارت عليّ عزيزة... وأهلي و إن ضنوا علي كرام».

كنا نتوقع من وزارة التربية أن تتحلى بالشجاعة وتعترف بوجود قصور في تعاملها مع مشروع الدمج، لكن يبدو أن كبريائها جعلها تواصل نشر المغالطات وتخلط الأوراق لتجعل من المواطن العادي الذي لا يعرف عن الدمج إلا القليل... يعتقد بأن الوزارة في مجال الدمج من أنجح الوزارات في العالم... وهو لا يدري بأن الوزارة وبالشكل الذي تتعامل به مع أبنائنا في مدارسها من أفشل الوزارات التي طبقت عملية الدمج... لقد قتلت الدمج... بل ذبحته ذبحا حتى أصبح الإحباط والتذمر صفة من صفات كثير من أولياء الأمور ويشاطرهم في ذلك مدرسو الدمج.

لم نرغب في كتابة هذا المقال الذي أخذ من وقتنا الكثير إلا بعد أن قرأنا رد وزارة التربية والتعليم على مقال الصحافية سلوى المؤيد... هذه الصحافية التي شاءت الظروف أن تجد نفسها محاطة بعدد من أسر هذه الفئة في حفل تعارف أقيم منذ مدة. هذه الصحافية سمعت صرخات تلك العائلات وشعرت وبالحرقة والألم في قلوبهم... التي يرفض المسئولون في «التربية» سماعها بعد أن تجاهلوا رسالة موجهة إليهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر بطلب الاجتماع بأولياء الأمور... فهل يقبل المسئولون أن نعتصم ونرفع اللافتات ونقف في الشوارع حتى يوافقوا على مقابلة عائلة ليس لهم مطلبا إلا أن يستمعوا إليهم ويسمعوهم مباشرة ومن دون وسائط؟! لكنهم حولوا طلبهم إلى الوكيل المساعد... ورضينا بذلك، ولكن عندما سألنا الوكيل إن كان في استطاعته أخذ قرارات أثناء الاجتماع... أجاب قائلاً: إن القرار بيد الوزير، لذلك رفض الأهالي الاجتماع بمن لا يملك القرار.

وللعلم فإن أولياء أمور الطلبة أصروا على مقابلة وزير التربية بعدما علموا أنه أتفق مع وزير العمل والشئون الاجتماعية قبل استحداث وزارة التنمية الاجتماعية، على أن يتم نقل أطفالنا بعد المرحلة الابتدائية إلى مراكز التأهيل... فهل هذا يعقل؟! هل هذه هي فلسفة الدمج التي يعرفها خبراء التربية بوزارتنا؟ هل تعتقد الوزارة أن الناس بهذه السذاجة حتى توافق على قرارات تتخذ بهذا الشكل؟ وهل هناك ولي أمر سيقبل بهذا القرار الذي يفتقد إلى أبسط أمور التخطيط؟ وأية خطة شاملة التي قامت بين وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية وتتعلق بأبنائنا كما تم نشره في رد الوزارة؟... هل الخطة الشامة هي رسالة بعثها الوزير... أم يقصد خطة وضعها تربويون في ملف يحتوي على عشرات الصفحات والمراجع وتغطي كل جوانب الدمج؟ فإن كانت الرسالة فليس لنا فيها حاجة... وإن كانت دراسة قامت على أسس علمية فلماذا لم يرها أحد؟! وعموما، تلك الجمل وأمثالها هي من ضمن المغالطات الكثيرة التي امتلأ بها رد الوزارة على موضوع الصحافية سلوى المؤيد.

لا أنكر أن الوزير قال لنا بالحرف الواحد إنه لن يأمر بنقل أي طالب من صفوف الدمج مادام في الوزارة... فله الشكر، ولكن ألا كان من الأولى وضع خطط وسن قوانين تمنح هذه الفئة الحق في التعليم مهما تغير الوزراء، ولا يكون مكوثهم أو عدمه على هوى الوزراء؟!... فواحد يفكر وآخر يقرر وثالث يعطل... ونبقى في كابوس الدمج سنوات طويلة. إن أولياء الأمور يأملون أن ينقل أبناؤهم من مدرسة ابتدائية إلى إعدادية إلى ثانوية مع زملائهم الطلبة ليتخرجوا معاً من مرحلة الثانوية في الوقت نفسه الذي يتخرج فيه باقي زملائهم... وهنا أريد أن أبين أننا لسنا نطمع في أن يصبح أبناؤنا أطباء أو مهندسين... نحن فقط نطمع في أن يصل أبناؤنا إلى مرحلة الثانوية وهم قادرون على القراءة والكتابة ولو بصعوبة... هذا هو طلبنا يا وزارة التربية والتعليم.

وفي فقرة أخرى من الرسالة ذكر أن وزير التربية اجتمع بنا مرتين... نعم، الاجتماع الأول كان اجتماعا للتعرف على أعضاء مجلس الإدارة الجديد للجمعية، والثاني كان اجتماع بعض أعضاء مجلس إدارة الجمعية مع الوزير للطلب منه مساعدة الجمعية بتزويدها بمدرس واحد أو اثنين لتخفيف الأعباء المادية عليها، وطبعا تمت مناقشة الدمج على الهامش. وللأسف لم نحصل على المدرسين (علما بأن الوزارة تقدم هذه الخدمات مشكورة لأكثر من مركز ومعهد في المملكة) ولا على رؤية واضحة بشأن عملية الدمج.

وإذا أتينا إلى أكبر المغالطات في هذه الرسالة... وهي الإهمال والتجاهل... فيبدو أن للوزارة تعريفا خاصا بها لكلمة الإهمال أو التجاهل! فهل زج طلاب في صف ومكان واحد لمدة أربع سنوات ليس إهمالا أو تجاهلا؟ وهل وضع طلاب تتفاوت أعمارهم بين سبع وأربعة عشرة سنة وتتفاوت أحجامهم في صف واحد ليس إهمالا أو تجاهلا؟! وهل عدم وضع خطة واضحة ومعلنة لهذا البرنامج طوال تلك السنوات ليس إهمالاً أو تجاهلا؟ وهل عدم وضع موازنة خاصة حتى الآن لهذا البرنامج ليس إهمالا أو تجاهلا؟! وهل عدم ظهور مناهج خاصة لكل مرحلة من مراحل التعليم حتى الآن ليس إهمالا أو تجاهلا؟!... وهنا لا أقصد المنهج الذي تم إعداده هذا العام... نحن في حاجة إلى مناهج مكيفة تتدرج مع تدرج أطفالنا في مختلف مراحل التعليم. وهل الاتصال بوالد أحد الأطفال هاتفيا في عمله وطلب الحضور منه لتسلم ابنته ذات السبع سنوات والتي احتاجت لقضاء حاجتها بسبب ما أصابها من خوف أو هلع لأي سبب أثناء اليوم الدراسي... قال لي والد الطفلة: أخذت أترجى إدارة المدرسة بأن تتصرف وتساعد ابنتي... ولكنهم أصروا على حضوره لتسلم ابنته!... ألم يتبرع أحد من مدرسات المدرسة وعاملاتها بمساعدة تلك الطفلة ويعتبرها كأنها ابنته ويساعدها في تخطي محنتها؟!... أليس هذا إهمالا أو تجاهلا يقع على الوزارة؟ وأخيرا، هل وقف عمل لجنة عليا تضم في عضويتها أساتذة في الجامعة وأطباء وتربويين ومديري مدارس ومشكلة بقرار من وزير تربية سابق لمتابعة هذا المشروع من دون إبلاغ أعضاء اللجنة شفوياً أو كتابيا

العدد 1378 - الأربعاء 14 يونيو 2006م الموافق 17 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً