العدد 1382 - الأحد 18 يونيو 2006م الموافق 21 جمادى الأولى 1427هـ

اعتقالات كندا الأخيرة ومؤامرة الإرهاب الدولي

اعتقل سبعة عشر شخصاً يعتقد أنهم إرهابيون في تورنتو (كندا) وحولها قبل فترة وجيزة، جميعهم من الشباب المولودين في كندا. كانوا قد اشتروا ثلاثة أطنان من نترات الأمونيا، وهم متهمون بالتخطيط لتفجير أهداف في جنوبي مقاطعة أونتاريو. صدمة؟ رعب؟ كيف يمكن لذلك أن يحدث؟

كندا رفضت المشاركة في الغزو الأميركي على العراق، لذلك افترض معظم الناس أنها هدف غير محتمل للهجمات الإرهابية. نسبياً مازالت كندا كذلك، ولكنها أرسلت بضعة آلاف من الجنود إلى أفغانستان، كما أن الحكومة الجديدة في أوتاوا تسعى بنشاط إلى علاقات أوثق مع إدارة الرئيس بوش، قد يكفي تشجيع مجموعة من المسلمين الكنديين الشباب المتطرفين الذين لا يستطيعون الوصول إلى أهداف غير كندية على أية حال.

أية هجمة إرهابية على كندا هي عمل نشأ في الداخل، لأنه لا توجد شبكة قوية مخفية من الإرهابيين الإسلاميين الدوليين تشن حرباً على الغرب، بل هناك مجموعات صغيرة معزولة من المتطرفين الذين يفجرون أهدافاً بين الفينة والأخرى، وهناك مواقع على شبكة الإنترنت وغيرها من وسائط الإعلام يستطيعون من خلالها تبادل الأفكار والأساليب. ولكن ليست هناك مراكز رئيسية وتسلسل قيادي أو تنظيم يمكن التغلب عليه أو تفكيكه وتدميره.

العالم العربي ضم مجموعات إسلامية إرهابية منذ عقود عدة ولكن لم تكن هناك أبداً «شبكة إرهابية» إسلامية دولية ذات قيمة. حتى في شبكة القاعدة، قبل أن يقوم الغزو الأميركي لأفغانستان بقطع رأسها العام ، لم يكن هناك سوى بضع مئات من الأعضاء الرئيسيين.

بحسب تقديرات الاستخبارات الأميركية، عبر ما بين , إلى , من المتطوعين في مخيمات التدريب التابعة للقاعدة في أفغانستان في الأعوام إلى ، إلا أن وقعهم بعيد المدى على العالم كان ضعيفاً جداً. بالنسبة لمعظم الذين ذهبوا إلى هذا المعسكرات فإن الأمر مجرد طقس من طقوس العبور وليس مهنة أو احترافاً إرهابياً مدى الحياة. معدل الهجمات الإرهابية الإسلامية السنوية في الدول العربية والإسلامية في السنوات الخمس الماضية لم يتعد المعدل في السنوات العشر أو العشرين الماضية.

الغرب تأثر بصورة أقل. هجمات سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة كانت ضربة حظ بشكل مثير، قتلت نحو شخص، ولكن لم تقع أية هجمات أخرى في الولايات المتحدة. الهجمتان التاليتان وقعتا في الغرب، في مدريد العام وفي لندن السنة الماضية، ونتج عنهما مقتل شخصاً، وقد قام بهما أفراد محليون لا علاقة لهم «بشبكة الإرهاب الدولي».

المفاضلة بين الحكمة المستقاة بأن العالم، أو على الأقل الغرب، منخرط في نضال هائل لا نهاية له ضد تنظيم إرهابي يطول العالم كله، والواقع غير المؤثر بأن معظم الناس في الغرب يصدقون وجهة النظر الرسمية وليس الإثباتات الظاهرة أمام أعينهم. يبدو أن هناك تهديد إرهابي رئيسي، وإلا فإن الحكومة إما مخطئة أو كاذبة، ووكالات الاستخبارات خاطئة أو تخدم مصالحها الذاتية، والإعلام غبي أو جبان، وغزو العراق لا علاقة له بمحاربة الإرهاب.

لا يوجد تهديد إرهابي رئيسي، هناك تهديد محدود. ردة الفعل الهائلة الزائدة عن المعقول والمسماة «الحرب على الإرهاب» تعود إلى حقيقة أن سبتمبر ضرب دولة كبيرة قوية تملك الموارد العسكرية لتضرب في أي مكان في العالم، والمصالح الاستراتيجية التي يمكن تنشيطها من خلال حرب أو اثنتين تشن تحت مبدأ الحملة على الإرهاب. لو أن الحادي عشر من سبتمبر وقع في كندا لكان الأمر مختلفاً تماماً.

شكل من أشكال سبتمبر وقع فعلاً في كندا. أكبر عدد من ضحايا أية هجمة إرهابية في الغرب قبل العام كان مقتل شخصاً في التفجير الإرهابي لرحلة الخطوط الهندية رقم ، في رحلتها من تورونتو إلى لندن العام . من الضحايا كانوا مواطنين كنديين. بما أن عدد سكان كندا يبلغ عشر عدد سكان الولايات المتحدة، فإن النسبة هي مماثلة تقريباً للخسارة النسبية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في سبتمبر.

بدا واضحاً بشكل فوري أن الإرهابيين كانوا من السيخ الذين يسعون إلى الاستقلال عن الهند. ولكن إليك ما لم تفعله كندا: لم ترسل كندا جنوداً إلى الهند «لاجتثاث جذور الإرهاب هناك» ولم تعلن «حرباً كونية على الإرهاب». حصل ذلك جزئياً لأنها لا تملك الموارد لمغامرة من هذا النوع، بالطبع، ولكن كذلك لأنه ضرب من الغباء. بدلاً من ذلك شددت الأمن في مطاراتها وأطلقت تحقيقاً في الهجمة.

التحقيق لم يكن ناجحاً جداً، وبعد مرور واحد وعشرين عاماً مازال المجرمون يتمتعون بالحرية. ولكن إرهاب السيخ تلاشى في النهاية على رغم أن أحداً لم يغزو البنجاب ولم يتعرض أي إنسان آخر للأذى هناك. أحياناً عدم القيام بعمل هو الشيء الصحيح.

عدم القيام بعمل كبير قد يكون الاستجابة الصحيحة العام أيضاً. غزو واشنطن لأفغانستان بعد سبتمبر كان أمراً قانونياً، والسخط العام في الولايات المتحدة جعل ذلك صعب التجنب سياسياً، ولكن كان من المحتم أن ينتهي الأمر بالدموع. لو أمكن الضغط على النظام الأفغاني لإغلاق معسكرات القاعدة من دون غزو لكان ذلك العمل الأكثر حكمة. الهدف الصحيح لم يكن الوقوع في شرك أسامة بن لادن، أو التصرف بأساليب تنشر الشك والعداء في المجتمعات المسلمة في الداخل والخارج.

ولكن من المحتمل أن الأمر كان سيكون ممكناً لو لم يقوموا بغزو العراق...

صحافي مستقل، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند

العدد 1382 - الأحد 18 يونيو 2006م الموافق 21 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً