العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ

الوحدة الإسلامية وتحديات الخطاب التقريبي

قال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» (آل عمران: 103).

منذ أن دخل الاستعمار بلاد المسلمين ووقف على مكامن القوة والقدرة عندهم عمل جاهداً على إضعاف وتفتيت كل هذه المكامن التي يتمتع بها المسلمون، ونجحت - مع الأسف - مساعيه وجهوده في ذلك إلى حد كبير وخصوصاً فيما يرجع إلى تماسك الأمة الإسلامية ووحدة نسيجها الاجتماعي؛ فعمل على تمزيق الأمة وتفريقها، وذلك من خلال استغلال التعدد المذهبي والتنوع الطائفي وترجم مشروعه ذاك من خلال شعاره المعروف «فرق تسد».

وعندما شعر المسلمون بعلمائهم وفقهائهم وخيار نخبهم خطورة مشروعه تصدوا لهذا المشروع القذر بكل ما وسعهم من أساليب وطرق لتنبيه الأمة وتفويقها من هذا المشروع الخطر، فعملوا على رفع شعار الوحدة الإسلامية وتجسيده واقعاً وعلى ضرورة تماسك الأمة وتضامنها أمام قضاياها الكبرى، وذلك من خلال التركيز على ثقافة المشترك والقواسم التي تجمع الأمة والحث على نبذ كل ما يؤدي إلى تمزيق الأمة وتفريقها.

ولمعت في هذا السياق أسماء ومشروعات من أمثال: الإمام شرف الدين والإمام محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني والإمام البروجردي والإمام الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر والإمام الخميني والشيخ شمس الدين، ومشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية ومشروع اسلوب الوحدة الإسلامية ونتجت عن ذلك الكثير من النتائج الطيبة من فتح آفاق الحوار الإسلامي - الإسلامي، وكنموذج لذلك كتاب «المراجعات» وهو حوار بين الإمام شرف الدين وشيخ الأزهر في وقته، وإذابة الكثير من الحواجز المصطنعة بين ابناء الأمة الإسلامية وكنموذج ثانٍ لذلك دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي كان واحداً من أهدافها التبادل الثقافي والفكري من خلال طباعة الكتب للمذاهب الإسلامية بغية تعريف كل مذهب على حقيقة المذهب الآخر، فترتفع بذلك الكثير من التشويهات التي لحقت ببعض المذاهب نتيجة التشويه والمزايدات وسوء الفهم.

وبهذا تتحقق للمسلمين غاية عظيمة هي إدراك مساحة المشترك بينهم ومدى سعته، وحجم المختلف ومدى ضيقه، وبذلك يتعرفون على ما يجمع أكثر مما يفرق.

ولكن مع الأسف هناك من الناس من سياسيين وغيرهم من لا يروق لهم أن يتحد المسلمون إما لأن في ذلك ضرراً على مصالحهم أو لضيق في تفكيرهم وقصور في وعيهم وتحجر في فهم الإسلام دين الرحمة الواسعة، فصاروا مناهضين لطرح الوحدة الإسلامية ومشروعها بذرائع واهية وحجج ضعيفة كلها لا يمكن أن تقف أمام أهمية وأولوية مصلحة الإسلام والمسلمين.

فمن يمتلك وعياً بحجم الإسلام وبصيرة واضحة برحمة الإسلام ورأفته سيعتقد بأن الوحدة الإسلامية من المقدسات وليست من السياسات وهي مبدأ قرآني وليست تكتيكاً ومصلحة آنية نطرحها ونؤمن بها مادامت المصلحة.

بل الواجب علينا أن نحولها إلى ثقافة وتعليم في مناهجنا، وما أجمل ما طرحه الإمام الشيخ شمس الدين (ره) من أجل تعميق هذا الشعور والمبدأ والاحساس بأنه جزء من الأمة بدلاً من المشعور بأنه جزء من طائفة. ومن أجل تصحيح هذا الشعور طرح (ره) مقترحاً بإدراج المادة الإسلامية في جميع مراحل التعليم من الابتدائية إلى الجامعة لخلق وعي عند الإنسان المسلم في ارتباطه بالامة الإسلامية. (دراسات ومواقف في الدين والسياسة والمجتمع ص 265 ج3 ط 1993).

والسؤال الذي يجب أن نقف عنده بصدق: أين هي الوحدة الإسلامية الآن؟ هل هي شعار أم واقع؟ هل يعي المسلمون بعلمائهم وحكامهم فعلاً ضرورة هذا المبدأ وأهميته؟ وهل هم فعلاً متمسكون بهذا النهج ووصية قرآنهم أم هم على العكس من ذلك؟

عندما نلقي نظرة على الواقع ونسقط الاجابة على واقع المسلمين وذلك من خلال ما سنتعرف عليه من مخاطر وتحديات تحدق بوحدة الأمة الإسلامية سندرك الجواب ومع كل أسف وتألم:

التحدي الأول، الاتجاه التكفيري: بروز هذا الاتجاه وتصاعده يعد من اخطر التحديات التي تواجه وحدة الأمة الإسلامية، فهو اتجاه يعتمد منهج التكفير مع كل من يختلف معه ويستبيح أساليب القتل والابادة مع من لا يتفق معه ويقصي من ثقافته أساليب الحوار والتفاهم ويعتقد امتلاك الحقيقة الكاملة عن الدين والفهم الصحيح للقرآن والسنة وسواه في ضلال وكفر يباح قتله وسلبه ونهبه. وتتحمل مواقع القرار الإسلامي والاعلام مسئولية السماح لهذا الفكر بالظهور والبروز من حيث ما تشهده من دعم مالي وإعلامي لهذا الاتجاه من خلال ما يطرحه من إثارات طائفية وتحريض وتحريك لروحها في واقع المسلمين في بلد واحد وشعب واحد.

فواجب المسئولية والايمان بخطورة هذا الاتجاه يحملان الإنسان المسئولية للسماح بكل ما من شأنه تحريك هذه الروح البغيضة أو التحريض على الكراهية والحقد الطائفي.

التحدي الثاني، إظهار نقاط الخلاف واخفاء مساحة المشترك: هناك عقلية عند طوائف المسلمين تعمل من خلال خطابها الديني على ابراز نقاط الخلاف بين المسلمين ولو كانت هذه الخلافات لا ترقى إلى درجة الاصول ولا تصل إلى مستوى الضرورات الدينية الإسلامية. وتخفي مساحة المشترك بين المسلمين ولو كان ذلك المشترك من الأصول والضرورات الإسلامية.

وأدهى من ذلك وأمر أن يبرز الشذوذ من الرأي لدى بعض علماء المذاهب على رأي مذهب وطائفة بغية التشويه وصنع الحواجز بين المسلمين.

وهذه العقلية تمثل فيما تطرحه من خطاب ديني خطورة على وحدة الأمة وتماسكها.

التحدي الثالث، الفهم الخاطئ عند البعض لمفهوم الوحدة: البعض يرفض الوحدة بين المسلمين ويحاربها انطلاقاً من فهم خاطئ عنها أو توجس وتخوف في غير محله، فيظن أن معنى الوحدة هو أن يتحول الإنسان من مذهبه إلى مذهب آخر. بل يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن في مشروع الوحدة الإسلامية نوعاً من التبشير المذهبي في المذهب الآخر.

نقول لهؤلاء: مخطئ من يطرح الوحدة بهذا الشكل، مخطئ من يفكر بهذا الشكل فهو لا يريد وحدة للمسلمين وانما يريد مسخاً.

الوحدة التي يطرحها العلماء والتي ينادي بها غيار هذه الأمة هو أن يحترم كل إنسان مسلم خصوصية المذهب لدى المسلم الآخر؛ أن يحترم المسلم الشيعي خصوصية المذهب السني وأن يحترم المسلم السني خصوصية المذهب الشيعي. وأن نعتمد مبدأ التماس العذر فيما توصل إليه ذلك الإنسان المسلم من رأي نراه مخالفاً لمعتقدنا وأن ذلك ما ادى إليه رأيه وانتهى إليه اجتهاده فيعذر بعضنا بعضاً.

وبهذا يحصل التقارب ويتحقق التفاهم ويقتربون من قوله تعالى: «إن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون» (الأنبياء: 92). على ألا نجعل الخلافات في الفروع ترقى إلى درجة الخلاف في الأصول، وألا تطغى الخلافات في الفروع على مصلحة الإسلام والمسلمين، وألا تكون الفروع أهم عندنا من أصل الدين ومصلحة المسلمين

العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً