العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ

إرهاق البلاد بعمليات إرهابية يهدد الاستقرار والمشاركة السياسية

هل تختفي «أجندة المؤامرة» خلف حوادث التخريب المتعمدة؟ (2)

إذا كان لقاء أمس الأول الأحد، بين سمو رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة والمواطنين تركز على التصرفات الأخيرة المرفوضة من جانب المجتمع، فإن ذلك يعني مدى الحرص من جانب الطرفين (الحكومة والشعب) على تجاوز مثل هذه الظروف ذات التأثير السيئ، ولكن ضمن إطار واضح لتتبع تفاصيل الأمور، فإرهاق البلاد بعمليات إرهابية يهدد الاستقرار والمشاركة السياسية كما أعلن البعض.

المواقف وردود الفعل المشرفة التي أظهرها المواطنون إزاء بعض التصرفات التي حدثت أخيراً في بعض مناطق المملكة واستهدفت سلامة المواطنين وممتلكاتهم باعتبارها تصرفات غير مسئولة لا تخدم المصلحة الوطنية ولا تتفق مع روح الأسرة الواحدة التي يتميز بها المجتمع البحريني، كانت موضع تقدير في لقاء سمو رئيس الوزراء، الذي يؤلمنا أن تحدث مثل هذه التصرفات في بلادنا التي عرف عنها الأمن والأمان وتميز أهلها بالحس الوطني، ولكن ما أسعدنا هو وقفة المواطنين الغيورين صفاً واحداً ضد هذه التصرفات، ما يثبت للجميع مدى وعي شعبنا وإدراكه بمسئوليته الوطنية وسعيه إلى الحفاظ على مصلحة وطنه التي هي بصدق أعظم وأسمى مسئولية.

تتجه الأنظار نحو البحث عن مصدر «الطلقة» التي سببت بضع حوادث تخريبية مجهولة المصدر في الآونة الأخيرة، وهي وإن كانت محدودة، فإنها خطرة جداً ومؤثرة بدرجة أخطر على السلم الاجتماعي، فالحراك السياسي الذي تشهده البلاد، يؤكد أن هناك طرفاً لا يعجبه ما يحدث في البلاد ويتضايق أيما ضيق من علامات الاستقرار والتحرك نحو المشاركة السياسية الفاعلة. لذلك، فإن ارهاق البلاد بعمليات إرهابية، يعني اضافة المزيد من التعطل والتأخر لتلك العملية... ولعل المنسق العام لكتلة المستقلين النائب يوسف حسين الهرمي يشير في بيان للكتلة إلى أن ما تقوم به جماعات من أعمال إرهابية من مواجهات مع رجال الأمن وحرق للسيارات ومتفجرات صوتية في أحياء وشوارع ومناطق بدأت تتسع دائرته يوما بعد يوم، وأن هذه التصرفات والأساليب لا يمكن إلا أن تكون صادرة عن جماعات إرهابية تقوم بتنفيذ مخططاته القذرة في حق هذا الوطن وجره إلى مستنقعات الطائفية البغيضة وتمزيق وحدته وضرب الأمن والاستقرار بالإضافة إلى المرافق العامة وتحطيم البنى التحتية للبلاد من خلال ما تقوم به هذه الجماعات من حرق متواصل وتفجير «السلندرات» وجميع أشكال التفجيرات.

وتضمن البيان مناشدة وزارة الداخلية التعامل مع هؤلاء الأشخاص - الذين احتضنوا الإرهاب في ضمائرهم - بكل قوة وصلابة ومواجهتهم بما تتطلبه سيادة الأمن الداخلي للأمة حتى لا تترك لهؤلاء الإرهابيين أية فرصة لزرع الموت والتخريب في كل مدن وقرى البحرين، وإذ إن مملكة البحرين قد مارست الديمقراطية بكل شفافية ووضوح تامين، وإذ إن دخول جميع الأطياف السياسية في المشاركة السياسية بات أمراً محققاً، فإن ذلك يعد أصدق تعبير عن الحال السياسية المعبرة عن الرغبة الجموحة لكل شرائح وقوى هذا المجتمع للحصول على مطالبها المشروعة من خلال الحوار السياسي المبني على روح المسئولية الوطنية.

كلمة العلماء أمام الخطر

ويأتي اجماع اصحاب الفضيلة علماء الدين في خطب الجمعة على تحريم أعمال التخريب والإرهاب كتحصيل حاصل! فما من طرف يجهل حرمة هذه الأعمال المنافية للدين والأعراف، لكن يأتي التأكيد لتجريد أية جهة تحاول النيل من أمن البلاد وتحت أي شعار من شرعيتها... فإذا كان العلماء السنة والشيعة اتفقوا على وجود الخطر، وحذروا منه، وعلى افتراض أن الأتباع وعموم المواطنين قد فهموا هذه الرسالة، فمن الذي سيستمر في غيه إذاً؟

«لا نشك أن هناك طرفاً سيبدأ لعبته الخطيرة في العبث بمقدرات الوطن، وسيبذل قصارى جهده لتخريب وتدمير وهدم أي انجاز، وليس الوقت ملائماً اليوم لتوجيه الاتهامات الجاهزة، ولكن بات من الضروري كشف اللعبة وتفاصيلها واللاعبين فيها... فمجتمع البحرين أصبح اليوم مجتمعاً متعدد الاتجاهات، إلا أن هناك أيضاً من لا يسره هدوء البلاد واستقرارها»... واذا كانت الفكرة التي تضمنتها الأسطر السابقة هي جوهر التصريحات والمواقف، فمتى إذاً سيرفع الستار عن القصة كاملةً؟

الجهد المشترك للحفاظ على الأمن

ولم تنحصر البيانات التي صدرت في الفترة الأخيرة على الإدانة، بل هناك مسارات جديدة يجب تطبيقها على أرض الواقع، فقد ادانت جمعية الحقوقيين أعمال الشغب والتخريب والاعتداء على أفراد الشرطة وآلياتهم وممتلكات المواطنين التي وقعت في أماكن متفرقة من البلاد، لكنها دعت في الوقت ذاته إلى احترام الدستور والتشريعات النافذة والتعبير عن الرأي بالوسائل السلمية والقانونية المتاحة، ودعت الجهات الرسمية والأهلية وجميع المواطنين إلى القيام بأدوارهم المناطة بهم قانونا للحفاظ على الوطن والمكتسبات الوطنية التي تحققت على أرض الواقع في ظل المشروع الوطني والرقي به وتطويره. ولتحقيق ذلك لابد من تأكيد ضرورة تفعيل الدور الأمني لقوات الأمن عبر مزيد من الحزم والجدية لمكافحة ظواهر ومظاهر الاخلال الأمني. كما أنه يتعين على جميع الجمعيات السياسية والأهلية والنقابات والأندية والمنابر الدينية لجميع الأديان والمذاهب إدانة أعمال التخريب والإرهاب، وإعلان الإدانة واضحة صريحة، من دون عطفها بذرائع قد يفهم منها تسويغ الأعمال الخارجة عن القانون أو تبريرها، وبيان مخالفتها لكل التشريعات النافذة. كما يتعين على جميع المنابر الدينية تأثيم تلك الأعمال الإجرامية وبيان مخالفتها لجميع الشرائع والمعتقدات الدينية بحسبان أن الأديان جميعا تحرص على صيانة وحماية حقوق جميع المواطنين وجميع البشر بعيدا عن العصبيات وفرض الرأي بالقوة.

الحل الأمني وحده لن يكفي

وتصب أيضاً الكثير من الآراء على أن الحل الأمني وحده لا يكفي، وأن العمل السري على هيئة تخريب، لن يجد له صدى، وعلى سبيل المثال، يمكن قراءة تصريح رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة الذي أشار فيه الى أن الحل الأمني وحده لا يكفي، وأن المطلوب هو تكاتف جميع فئات المجتمع، لمواجهة هذه الأعمال.

وزاد بقوله إن ارتداء اللثام عمل غير قانوني، وعندما تلجأ إليه فئة فهذا يعني أن هناك أهدافا غير معلنة لها، وأنها تستهدف العودة إلى العمل السري، وليس العمل السياسي، وهذه الأعمال السرية ليس لها مكان في مجتمعنا المنفتح، كما أن هذه الفئة ترغب في الإضرار بالاقتصاد البحريني ليكون هناك مجال للادعاء بفشل الحكومة، ولقد علمنا جميعا أن هناك من هم غير بحرينيين يشاركون في مثل هذه الأعمال التخريبية، وهو ما يؤكد أن هناك أهدافا غير معلنة لهذه الفئة، وعلينا أن نوعي المجتمع بأخطارها.

بين الشجب والاستنكار...

ولم تنفك الاتصالات واللقاءات تستمر مع الأهالي بغية تقريب وجهات النظر والتحذير من الممارسات الخارجة عن القانون... منذ حوادث المطار في نهاية العام الماضي، وما تبعها من مناوشات وحوادث عنف وشغب، تركزت الأنظار على مجموعة من مؤيدي حركة «حق» التي ألبست عباءة العنف، وكان لونها معروفاً... فبعض الشباب يحرقون حاويات القمامة والإطارات وإشارات المرور ويحولون بعض المسيرات السلمية إلى مسيرات عنيفة، لكن أن تتحول الأمور الى استخدام القنابل الصوتية والبلاغات الكاذبة وحرق سيارات الشرطة... فإن ثمة نقطة تحول يجب أن تخضع لقراءة متأنية للنظر في الأيدي التي تعبث وتعبث... إذ إن إلقاء اللائمة على فئة من الشباب الصغار حديثي العهد بالسياسة، لن يحل المشكل.

وفي لقاء حضره وكيل وزارة الداخلية اللواء الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة مع أهالي المحافظة الشمالية عقد أواخر شهر ابريل/نيسان الماضي 2006 بحضور المحافظ أحمد محسن بن سلوم، تناول الاجتماع اتجاهات متفقاً عليها بدأت بتلاقي وجهات نظر الأهالي مع المسئولين الأمنيين في أن ما يحدث في القرى هو بفعل أيد خارجية... أي أن معظم المتورطين والعابثين الذي يحرقون في مدخل قرية الديه يأتون من خارجها وكذلك الحال بالنسبة إلى قرى الدراز وبني جمرة والسنابس... وفي سترة، لم تتعد خطوات المشاغبين آنذاك المدخل الى المنطقة، ما يعني أنهم ليسوا من أهل مكة الذين يدرون بشعابها... ولذلك، فإن هناك فئات تستغل الظرف لتدخل مستفيدة من التحولات، وكان اتفاق أهالي القرى هو الترصد والمنع... أي العمل على منع أي مساهمة من جانب غرباء أياً كانوا... وهذا ما حدث فعلاً اذ انخفضت حوادث الحرق الأسبوعية بدرجة كبيرة، إذ اجرى محافظ الشمالية اتصالات ولقاءات مع الأهالي بهدوء للنظر في جميع الأوضاع وللعمل على صيانة أمن واستقرار مداخل القرى والشوارع... بيد أنه تبقى هناك بعض الأيدي العابثة المجهولة... وهي تتطلب قطعاً مشاركة كل المواطنين بالصد والتبليغ والمحاصرة.

وكذلك الحال في محافظة المحرق، اذ أعرب المحافظ سلمان عيسى بن هندي عن استيائه وأهالي المحافظة من وجود بعض الممارسات السيئة التي تستدعي التوقف عندها، وخصوصاً تلك المتعلقة بعدم احترام رجال القانون، والتعدي السافر والمشين على الدوريات الأمنية التي تقدم خدماتها في المقام الأول للأهالي والمواطنين وللحفاظ على امن البلاد وسلامتها، مطالباً الجهاز القضائي ووزارة الداخلية باتخاذ الإجراءات المناسبة لدرء مثل هذه المخاطر وردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن ومنجزات المملكة، وفي المجلس ذاته، الذي عقد الأسبوع الماضي، أبدى الشيخ هشام الرميثي وجهة نظره في أن أعمال الحرق والتخريب تعتبر ترهيبا للآمنين، إذ إن المشكلة تكمن في عدم وجود الرادع والرد الصارم من قبل الجهات المعنية، ووجود فئة تحاول العزف على وتر الطائفية، مبديا استغرابه من الصمت المطبق من قبل جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات السياسية الأخرى إزاء تلك الحوادث التخريبية، على رغم أن الجمعيات السياسية والحقوقية أصدرت بياناتها الواضحة وقدمت مواقفها الحقيقية تجاه ما يحدث، الأمر الذي غاب عن بال الشيخ الرميثي.

في الحلقات المقبلة، سنقف في محطات مع أهالي القرى أنفسهم، ثم ننتقل الى الشباب، ولن يكون الناشطون السياسيون بعيدين عنا في تداول هذا الملف

العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً