العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ

انتهت الأسطورة... اقلبوا الورقة

كان الخيار: إما أن تشارك «الوفاق» ... أو أن «تشارك»..!

بعد التئام الوفاق الوطني وموافقة غالبية الشعب على «ميثاق العمل الوطني» كوثيقة وطنية لبداية عهد الانفتاح السياسي في البحرين أصرت قوى المعارضة على ألا تقبل بإصدار دستور 2002، فقد كانت الأمور تسير على ما يرام حتى صبيحة يوم 14 فبراير/ شباط 2002، الذي هو يوم انبثاق ما عرف على تسميته في أدبيات المعارضة بيوم «الإشكال الدستوري» المعارضة ركزت على اعترافها بدستور 1973 وذهبت إلى أن الميثاق هو بمثابة الآلية السياسية التي يراد بتفعيلها الرجوع لدستور 1973، أما الحكومة فقد اعتمدت دستور 2002، وأصرت على أن الدستور الجديد هو بمثابة الموازاة القانونية ما صوت الناس عليه يوم الميثاق.

قبل هذه الأجواء، وفي أثنائها سارعت قوى المعارضة إلى تحديد تشكلاتها السياسية، فكان بروز التيار الشيعي الأكبر ممثلاً عبر جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية»، وبقيادة رمزية للشيخ عيسى قاسم، الذي ورث ما كان يتربع عليه الشيخ عبدالأمير الجمري حتى بدأت صحته في التدهور بعد رحلة علاجية في ألمانيا.

أما التيار الشيعي الشيرازي فكان متوقعاً منه أن ينشق عن الجسم السياسي للوفاق، ليؤسس جمعية العمل الإسلامي «أمل»، وكان التيار الشيرازي ولايزال الأكثر حذراً في تعامله مع المشروع الإصلاحي، ومن المتوقع ألا تقر جمعيته العمومية المشاركة في الانتخابات القادمة، لأكثر من سبب، منها ضآلة الفرصة في حصولها على أي مقعد برلماني، وخصوصاً أن الدوائر التي تنشط فيها الجمعية محسوبة للوفاق منذ الآن.

وأنقسم اليسار السياسي لجسمين متناحرين «المنبر التقدمي الديمقراطي» ممثلاً لتيار «جبهة التحرير»، والعمل الوطني الديمقراطي ممثلاً للشعبية وآخرين مستقلين، إلا أن تيار المشاركة داخل «المنبر» نجح في الاتجاه بالجمعية نحو المشاركة في الانتخابات ليحصل على 3 مقاعد نيابية كان من الصعب أن يتحصل عليها لو ان جمعيات المعارضة الباقية كانت - وخصوصاً الإسلامية منها - اختارت خيار المشاركة، وكان للتيار القومي البعثي أن يستفرد بإقامة تكتل سياسي «التجمع القومي الديمقراطي».

الثقل اليساري في التحالف الرباعي كان أكثر نجاحاً على الصعيد الإجرائي، فبينما شهدت الوفاق حالتي انشقاق (العدالة والتنمية، حركة حق) استطاعت الكتلة اليسارية أن تحافظ على توازنها. وكانت اهم ثمار العمل السياسي لجمعية العمل «وعد» هي النجاح في الحصول على وجه سياسي جديد يخلف الرمز السياسي عبدالرحمن النعيمي في منصب رئيس الجمعية، فكان «إبراهيم شريف» شخصية متوافقاً عليها، وإن كان البعض من كوادر الجمعية قد أبدى تذمره من انفرادية «شريف» بالقرار في بعض الاحايين.

كان لـ «وعد» حضور سياسي بارز في التحالف الرباعي ولأسباب عدة، السبب الأول هي نخبوية التجمع، إذ إن كثيراً من الأسماء الوطنية في العمل كانت تضرب في صالح التحالف الرباعي داخل البحرين وخارجها، وثانياً كانت جمعية العمل هي الثقل الاهم في توازن المعارضة في الهوس السياسي التاريخي في البحرين عبر ما أسميه «مسنة القضايا»، فكانت «وعد» القوة السياسية السنية، وإن أنكرت قوى «وعد» هذه التسمية من بعد أيديولوجي، فإن الحقيقة ان الوفاق لم تكن لتتعاون مع تيار يساري «لا ديني»، إلا لما يمثله من تعزيز لأجندتها السياسية على أكثر من صعيد، والدليل أن الوفاق كانت تخلت عن تحالفها مع «وعد» في الانتخابات البلدية الماضية، واستأثرت بمناصب البلدية لكوادرها وللمحسوبين عليها من دون مشاركة أحد.

تشكيل الأمانة الدستورية

وانبثقت قوى المعارضة الأربع «الوفاق، وعد، أمل، التجمع» في تحالف سياسي أطلق عليه لقب التحالف الرباعي، وبدأ هذا التحالف في صوغ أجندة مضادة لدستور 2002، وكان لهذه الجهود أن تتمخض عن «الامانة العامة الدستورية».

الأمانة العامة الدستورية كانت مؤسسة سياسية ضاربة، في مؤتمريها الأول والثاني على التوالي، ما جعل الحكومة جادة في عرقلة فعاليات الأمانة، وخصوصاً في استضافتها لشخصيات سياسية وحقوقية من خارج البلاد. أما مؤتمر الأمانة الأخير، فقد كان مؤتمراً «صورياً» في ظل ظهور قناعات سياسية جديدة، لم تكن بارزة في السنوات الأولى من المقاطعة.

الانقلاب الأبيض «العدالة والتنمية»:

لم تصدر «المعارضة» وعلى رأسها «الوفاق» خطاباً سياسياً مفاده الندم على خيار المقاطعة، خصوصاً في سنتها الأولى، بل استثمرت شتى الإخفاقات في المجلس النيابي لتبرير استراتيجيتها السياسية، وكانت الضربة الأكثر وجعاً أو التي بدأ معها ظهور خطاب الاعتراف بخطأ المقاطعة هي حين انشق تيار سياسي عريض من جمعية «الوفاق» نحو تأسيس تيار سياسي شيعي جديد باسم جمعية «العدالة والتنمية».

كان نزار البحارنة وعبدالنبي الدرازي وعبدالشهيد خلف أهم الأسماء التي قادت حملة الاستقالات، ومن ثم قاد كل من الدرازي وخلف هذا الانقلاب الأبيض المؤسسي تحت اسم «العدالة والتنمية»، إلا أن «المرجعية الدينية» للوفاق حجمت هذا الانشقاق الأول في تاريخ الوفاق واستطاعت الإجهاز عليه، ليعود بعد ذلك هذا الجسم المنشق مع المؤتمر العام الذي عقد في 18 يناير/ كانون الثاني 2006، لانتخاب مجلس شورى الوفاق، لإيمانه بأن خيار المشاركة، والذي كان سبب انشقاقه سيمرر عبر مجلس شورى الوفاق هذه المرة بهدوء.

بعض القوى السياسية في الوفاق وصفت على هذا التهافت نحو شورى «الوفاق» من قبل الكثير من الأسماء السياسية التي كانت حانقة أو مبتعدة عن الوفاق لسنتين ويزيد بأنه عودة الطامحين/ الطامعين لكراسي النواب، لا عودة المحبين لمدينة الملح الأبيض، وتمادت قصة «المتسلقين» إلا أن الوفاق صدّرت خطاباً رافضاً لمثل هذه الاتهامات داخل الجمعية، وأستطاع أمينها العام «سلمان» أن يسكت هذه الأصوات، وأن يمسك بزمام «الفتنة» ألا تثور.

الانقلاب الأحمر «حق»:

ما إن اعتقد الوفاقيون بأنهم غداة التصويت على التسجيل على قانون الجمعيات السياسية المثير للجدل انهم استطاعوا جمع جميع الكوادر السياسية من جديد، حتى قدم «حسن مشيمع» وعبدالجليل السنكيس استقالتيهما من الوفاق، ليبدأ الانقلاب الثاني في جسد الوفاق.

كان محور الانقلاب الثاني اتهامات مباشرة للوفاق بأنها تخلت عن قناعاتها السياسية الواحدة تلو الأخرى، وإن إدارتها للملفات السياسية يتصف بالضعف، وانها لا تعتمد المواجهة مع السلطة، حتى تلك المواجهة السلمية، كما يشرح ذلك مشيمع في إحدى مقابلاته الصحافية مع «الوسط».

تيار الصقور المنشق على الوفاق، وبمعية بعض الكوادر في مركز حقوق الإنسان «المنحل»، وبعضوية بعض الأسماء من الطائفة «السنية» خرجوا في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 بندوة التحرك الجديد، واطلقوا حركة سياسية جديدة، أطلقوا عليها أسم حركة «حق».

في حقيقة الأمر لم يبك مشيمع في الوفاق إلا رفيقه الشيخ «علي سلمان»، أما الآخرون - وخصوصاً المتلهفون للمشاركة - فكان خروج مشيمع ورفاقه بالنسبة لهم كحال «إخوة يوسف إذ فارقوا أخاهم في البئر، إذ تصفوا الوفاق لهم، ولعل في ذلك خير».

الوفاق بعد انشقاق حركة حق أصبحت أكثر تجانس، و«حق» هي كذلك كمنظومة سياسية تتمتع اليوم بالتجانساً ذاته، وإن كانت بعض التسريبات تذهب إلى وجود خلافات داخلية جوهرية بين التيارين الليبرالي والإسلامي داخلها.

بعد خروج «حق» من الوفاق لم يعد ثمة صوت للمقاطعة داخل الوفاق، فالوفاق ومنذ خروج «مشيمع» ورفاقه كانت قد اختارات صبيحة اليوم التالي خيار المشاركة، ولم يكن لها «الحق» في أن تنزعج مما كتبه الصحافيون الاخباريون عن توقع قرارها في المشاركة، فليس التنبؤ بمشاركة الوفاق - بعد خروج صقورها - في الانتخابات القادمة يحتاج إلى «فطنة».

ليس ثمة خيار:

أما السؤال، فهو لماذا تشارك الوفاق؟، والإجابة المنطقية البسيطة هي أن الجمعية لم تعد تمتلك أي خيار آخر سوى المشاركة، وعليه، فالوفاق وبعد هذه السلسة من الحوادث، التي تخللتها مصادمات مباشرة مع السلطة تقف أمام خيار واحد، فليس أمام «الوفاق» إلا أن تشارك، أو أن تشارك!.

إن ما ساقته الوفاق من أسباب لتبرير مشاركتها في الانتخابات ليس بالأمر الجديد، فالصورة في حقيقتها لا تختلف عما كانت عليه إبان انتخابات 2002، إلا أن الأمانة العامة للوفاق عز عليها أن تعترف بخطأ قرارها الماضي، وبأنها «فشلت» في إدارة ملفها السياسي «الملف الدستوري»، وإن كانت صرحت بذلك بمجازات مفضوحة في دراستها التي قدمتها لمجلس شورى الوفاق قبل أيام.


ما وراء الحدث السياسي

لقد بالغت «الوفاق» في «مترسة» أدائها السياسي في قوالب سياسية جامدة وأكثر رجعية مما كانت تتهم به خصمها الرئيسي (الحكومة)، إلا أنها في المجمل لم تكن بذلك «السوء الكارثي» كما روج المنشقون عن الوفاق لاتخاذها قرار المقاطعة 2002 ، روجت هذه القوى خطابات التباكي على التفريط بفرص المشاركة، إن المسبب الرئيسي لهذا الاشكال هو في تقديري ضعف الفهم السياسي، والعجز في إدراك الكثير من المفاهيم السياسية، خطاب جماعة «العدالة والتنمية» كان هو رأس الفتنة في قبول الوفاق في آخر هذه القصة بالقبول بالمشاركة وهي عارية، لا حول لها ولا قوة.

لم تستطع الفئات المؤيدة للمشاركة في الانتخابات النيابية الماضية خلاف السواد الأعظم من ضباط الإيقاع السياسي للوفاق «المقاطع» فرض رجاحة خيارها السياسي، دائماً ما لعبت هذه القوى ألعاباً مكشوفة سياسياً، عبر خيارات ترويجية «دارت حولها شكوك اجتماعية»، وعلى رغم أن الكثير من الرموز السياسية داخل «الوفاق» كانت تفهمت خطأ خيارها استراتيجياً، إلا أنها لم تستطع أن تتفاعل إيجابياً مع تلك النقودات العنيفة من قبل تيارات المشاركة.

- إن «التضعيف» والاتهام المبنيين على المغالطة بـ «الجهل السياسي» تارة وبـ «الغباء» تارة أخرى كان لهما تأثير سلبي على التجربة السياسية داخل «الوفاق» قبل أن تنعكس هذه الاتهامات سلبياً على التجربة السياسية البحرينية ككل.

- إن «اللامدنية» التي عاشها الخطاب السياسي داخل «الوفاق» هي دلالة مهمة على أن التجربة ككل لم تعش صورة سياسية مكتملة حتى اليوم، لم يكن بمقدور «الوفاق» أن تفرض على البيئة السياسية في البحرين رتماً سياسياً مدنياً فشلت هي بالدرجة الأولى في تطبيقه وتفعيله داخلياً، لذلك كان خيار انهيار «مدينة الملح» نتيجة لا تحمل المفاجأة.

- عوض أن تحسم «الوفاق» «خيار المشاركة» في وقت مبكر، ها هي تحسمه قبل موعد الانتخابات بفترة لا تسمن ولا تغني من جوع!. بقت الجمعية تخوض في خطاب التشكيك والتأكيد لخيار سياسي انتهى توقيته السياسي، وعوض أن تستعد للمرحلة السياسية المقبلة بشتى الطرق والبرمجيات السياسية والاقتصادية والثقافية دار حوارها الداخلي طيلة السنوات الأربع الماضية في تحديد ماهية فعلها السياسي «المقاطعة»، وتأكيد أنه كان خياراً لم يجانب الصواب.

- لم تنجز «الوفاق» ملفاتها السياسية للمشاركة، التي من المفترض أنها ستلعب بأبحاثها وأوراقها ونتائجها في المرحلة القادمة، ولم تستعد لأن تخوض حوارات التنازلات والتبادلات السياسية والخدمية على تمرير القوانين الحكومية الضرورية، في واقع الأمر اشتغلت الجمعية بتفعيل المحور الدستوري (الورقة الوحيدة)، التي كان من المفترض أن تكون ورقة من ضمن عدة أوراق كانت جاهزة لتلعب بها، لا هوساً يخنقها، ويمترسها فتصبح عديمة الحراك، هذا ما صير من خطاب الجمعيات (الوفاق) خطاباً سياسياً مملاً بامتياز.

- لم تنجح «الوفاق» في صوغ حال مدنية لنشاطاتها، فهي لم تسع إلى تشكيل مراكز البحوث أو إدارات البحث وإعداد الموازنات للوزارات والدولة ككل، عجزت أن تشكل حالاً مؤسساتية مدنية تضغط بها على الدولة، لقد كان الخيار المؤسساتي المدني «المهمل» وسيلة ضغط مميزة لم تهتم بها الوفاق.

- إن برامج «الوفاق» وشقيقاتها الأربع تمثلت سياسياً كمسامير لا تغادر أخشابها، وعلى رغم أن اليوم غير الأمس، وما استجد علينا مغاير لما مضى، فإن الرموز السياسية البحرينية داخل هذه التجمعات عجزت عن أن تمارس ولو قليلاً من المدنية السياسية.

- لا يمكن أن تغفر السياسة للوفاق الإسلامية مثلاً أنها وطوال 4 سنوات من مقاطعتها للعمل السياسي لم تسع إلى انتاج ما يبرهن على مدنيتها وقدرتها على مزاحمة البرنامج السياسي الحكومي على شتى الأصعدة. وفي الوقت الذي تسعى فيه الوفاق إلى ترويج بعض المفاهيم السياسية الحديثة في البيئة السياسية الوطنية، كانت أول من فشل في تحقيق هذه الأطر داخل تجربتها المؤسساتية الداخلية، والدليل انشقاق «العدالة والتنمية» أولاً، وانشقاق «حق» ثانياً، لذلك يحق للبعض ألا يكون مطمئنا إلى أن الوفاق ستنجح داخل البرلمان.


أهداف «الوفاق» من المشاركة:

أن نصل إلى توافق دستوري جديد.

أن نصحح توزيع الدوائر الانتخابية ونساوي بين المواطنين في الحقوق السياسية.

أن نعيد توزيع الموازنة لصالح وزارات الخدمات على حساب الإنفاق على العسكرة.

أن نعزز الحريات العامة من خلال حماية العمل الأهلي وممارساته القائمة وتعزيزها.

أن نصلح القوانين السلبية الموجودة (العقوبات، الجنسية، الجمعيات السياسية والصحافة).

أن نمنع صدور قوانين قمع للحريات مثل التجمعات و«الإرهاب»... وغيرهما.

أن نصدر قوانين إيجابية مثل الضمان الاجتماعي والضمان ضد التعطل وقانون ملكية الأراضي.

أن نفرض المساواة في التوظيف والترقية وتقديم الخدمات بين المواطنين والمناطق.

أن نحمي المال العام ونحارب الفساد المالي والإداري ونقلل من سرقة المال العام.

إيصال الصوت المعارض إلى العالم الخارجي من خلال المجلس وأعضائه.

أن نعمل مع دعاة الإصلاح والمؤمنين به من أجل تنمية حقيقية في الوطن

العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً