حينما قاطعت «الوفاق» الانتخابات البرلمانية، لم يكن ذلك القرار ارتجاليا ومستعجلا، بل خاضت القوى السياسية قبله سجالا طويلا، وأجريت دراسات مستفيضة، ونظمت حلقات نقاشية عدة، وعقدت لقاءات واجتماعات تشاورية مع قطاع عريض من أصحاب الرأي والمشورة داخل وخارج منظومة القوى السياسية من شخصيات قانونية ووطنية وإسلامية.
جاء ذلك على رغم أن الوفاق كانت على يقين أن موقف المقاطعة سيكون متقاطعا مع استحقاقاتها لمصالحها الذاتية، غير أنها رجحت المصلحة الوطنية، وقبلت خسارة مصالحها الذاتية بإمكان تحقيق مكاسب محدودة لحسابها.
وعندما خلصت الجمعيات السياسية الأربع إلى «المقاطعة» لم يكن ذلك رغبة منها في مقاطعة المؤسسات المنتخبة، إذ إنها كانت قبل ذلك قد قررت المشاركة في الانتخابات البلدية، كما أنها حافظت على تمسكها بالنظام السياسي القائم وتعاونها معه، والعمل الدؤوب على تعزيز الوحدة الوطنية. ولم يكن قرار المقاطعة مبنيا على صورة الفارق بين الأبيض والأسود، ولا على تخطئة المشاركة تخطئة تامة، إنما كانت المساحة الفاصلة متداخلة ورمادية اللون، وحينها أشرنا في عدة ندوات إلى أننا لا نرى جدوى المقاطعة بدرجة 100 في المئة ولا سوء المشاركة بالدرجة ذاتها، ومن ثم وضعنا كلا الرأيين في كفتي الميزان بكل ما يحيط بهما من حيثيات، آخذين في الاعتبار العناوين الثانوية من قبيل إمكان انقسام التيار، والرأي السائد شعبيا، والآثار المترتبة، مع رسم سيناريو لكل قرار، ثم نظرنا إلى الصورة فكانت المحصلة آنئذ ترجيح كفة المقاطعة. لذلك، فإن قرار المقاطعة تلك لم يكن خالياً من التمحيص، ولم تقاطع القوى السياسية ذات التاريخ العريق والثقل الاجتماعي والحضور السياسي عنادا أو مناكفة وهي التي كانت قد كرست جل نضالها قبل الإصلاحات من أجل عودة الحياة البرلمانية. إنما جوهر القرار يرتكز على الإشكال الدستوري، وذلك لمنع تفسير المشاركة بأنها إقرار بالأحكام الدستورية. كررنا مرارا أن قرار المقاطعة لا يعني الاستمرار فيه أو الإصرار عليه، بل قلنا سنعيد استعراض الوضع، ودراسته لنستطلع جدوى مواصلة المقاطعة. وجدنا أنفسنا في موقف لا يخلو من التشابه بالعام 2002، واستقرأنا محصلة السنين الماضية، ووجدنا أن جزءا من أهداف المقاطعة قد تحقق بعدم الإقرار بآلية وجوهر التعديلات الدستورية وبحفر ذلك الموقف السياسي في ذاكرة التاريخ وتوصيل الرسالة واضحة ومسموعة إلى شتى الأطراف بعدم مشروعية التعديلات. لذلك جاء رأي غالبية كوادر الوفاق باتجاه ترجيح كفة المشاركة بأمل الاستفادة من مساحة الحركة في البرلمان من أجل تحقيق بعض مصالح المواطنين والحد من المفاسد والمظالم من خلال الصلاحيات الرقابية للبرلمان التي تمكن من مراقبة السلطة التنفيذية، كما أن ذلك سيمكّن الجمعية من طرح الإرادة الشعبية كصوت متميز يمثل نبض الشارع داخل البرلمان. يأتي ذلك على رغم استمرار وثبات موقف الوفاق من دستور 2002، واعتراضها على سلسلة المراسيم والقوانين التي لا تتلاءم مع مرحلة الإصلاح السياسي، ورفضها لتحجيم الحريات العامة، وأن مشاركتها تلك ستكون مصحوبة بالاعتراض على التوزيع المجحف للدوائر الانتخابية. كما نذكر أن موقف المشاركة يحتاج إلى عمل دؤوب لوضع برنامج عملي ومحدد لتحقيق الأهداف الوطنية والمصالح الشعبية.
نأمل أن تحيي المؤسسة الرسمية التحية بأحسن منها أو على الأقل أن تردها بإيجابية وتخطو خطوات إصلاحية تجاه المصالح الشعبية والقوى السياسية، وأن تبتعد عن وضع العراقيل والألغام في طريقنا.
جلال فيروز
قيادي بجمعية الوفاق
في ظل المعطيات السياسية المحلية والاقليمية والدولية أصبح خيار المشاركة بالنسبة إلى جمعية الوفاق هو الخيار الواقعي الأصلح، مع العلم بأنه ليس خياراً مثالياً في مجمل الإطلاق السياسي العام خصوصاً في ظل محدودية فعالية المجلس المنتخب، وضعف صلاحياته في ظل وجود مجلس معين بالعدد نفسه، ومع علمنا بمظلومية تقسيم الدوائر الانتخابية، وعدم عدالة التمثيل، ومع علمنا بكم القوانين المحيطة التي تم تمريرها وبسرعة البرق أحياناً عبر غرفتي المجلس الحالي كقانون الجمعيات السياسية والتجمعات وغيرها مما يثير الحنق والغضب الشعبي على أداء المجلس، وضعف صلاحيته، وارتهانه للحكومة في القضايا المصيرية الملحة. ولكن كما أوردت سابقاً يبقى خيار المشاركة هو الخيار الأنسب وهو صمام الأمان. بالنسبة إلى السيناريو الآخر وهو «المقاطعة»، فإن كل الشواهد تشير إلى أنه خيار لا تحمد عقباه وشتى المؤشرات تؤكد رجحان تصادم قوى المعارضة مع الحكومة، هذا التصادم كان المرحلة الثانية لو أن الوفاق جرت نحو تكرار المقاطعة، ولنا في مقولة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عبرة إذ يقول «عجبت لمن لا يجد قوت يومه، ألا يخرج على الناس شاهراً سيفه».
نعم... لابد من المشاركة، خصوصاً في ظل أداء المجلس النيابي الحالي، وما أفرزه من اصطفاف طائفي بغيظ، وفي مضيعته للوقت في نقاشات بيزنطية عقيمة، وفي ظل تهميشه للقضايا المصيرية التي تعين المواطن البسيط في عيشه، وتؤمن له كسب قوته، وقوت عياله وتخفف عليه ما يعانيه من مشكلات سكنية، وتعليمية، وصحية، ومعيشية، بعيداً عن المهاترات اللفظية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ملأ «المجلس» بطون الجياع بالكلام «كماً»، وملأ عقولهم بغضاً، واستنفاراً طائفياً، فكان على الوفاق أن تتدخل، ولنا في الحال اللبنانية مثال، كذلك ما نشاهده - وقلوبنا يعتصرها الألم - في أرض الرافدين من تدمير، وشحن طائفي، ومحاولة استعمارية إمبريالية وصهيونية لتقزيمه. من منا يريد أن تدخل بحريننا الحبيبة نفق التسعينات من جديد؟ لا... فتلك عودة مستحيلة.
لأجل ذلك، أخذت الوفاق قرارها المناسب بالمشاركة، وإن كان ذلك على مضض، ولسان حالها «فإنه أهون الضررين»، ولكنها، ستبقى دائماً تعبر بمشروعية برلمانية عن آلام المحرومين والمضطهدين، والمعذبين، والمهمشين في هذا المجتمع. وستستمر الوفاق تعبر عن آمال الناس وطموحاتهم بأن يسعدوا بعيش كريم في دولة الوفاء والرفعة، وكما عبرت عن ذلك خارج البرلمان عبر فعالياتها المتعددة فستستمر الوفاق من داخل قبة البرلمان في نصرة المظلومين وإعلاء كلمة الحق والعدل والقانون، وكلنا أمل أن توفق الوفاق في اختيار مرشحيها في المجلس البلدي والنيابي ممن يشهد لهم بالكفاءة والتخصص، والنزاهة، والإخلاص. أما بالنسبة إلى احبائنا وزملائنا ورفاق دربنا المخلصين «المقاطعين»، والذين نكن لهم كل حب ومودة فنقول لهم على الرحب والسعة، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فالبحرين وخيرها ورفعتها هدفنا جميعا، إن تعددت السبل واختلفت الأساليب فكل يعمل وفق قناعاته بطريقة سلمية ومتحضرة بعيدة عن العنف والتسقيط والتخوين. هدفنا واحد، وهو مرضاة الله والإخلاص في العمل، فلا ضير إن تعددت السبل، واختلفت الأساليب لتحقيق الأهداف التي خلقنا سبحانه وتعالى من أجلها، كي نكون معطائين ندعو إلى الإصلاح بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وأن نكون لعباده رحمة، نرصد في جميع أعمالنا صلاح ديننا ودنيانا وآخرتنا.
أحمد جاسم التحو
عضو مجلس شورى الوفاق
العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ