يحكي الكاتب السوداني الحسن بكري في روايته «طقس حار» قصة رجل عجوز مشرف على الموت؛ لكنه قرر أن يدفع عنه الموت بالأمور التي كانت تشكل بعض مظاهر الحياة والحيوية في شبابه: الجنس والنضال الوطني. ولأن الزمن لم يعد زمن شباب فالعجوز يستعيض عن المغامرات تلك بتذكرها فيبعد بذلك الموت عنه أو هذا ما اعتقده.
لقد بدا أنه يقلب قول الشاعر الراحل خليل حاوي «وجحيم ذكر الجحيم القديم» إلى عكسه ليصبح الأمر عنده «ونعيم ذكر النعيم القديم».
معظم الكلام والحوارات تدور عن البطل العجوز وعشيقاته وأصدقائه وقسم قليل منها خصص للأحفاد يبدون رأيهم في كلام الجد وتصرفاته بين وهم وخيال وواقع يقوم به. ثم إن هذا البطل كما يصور لنا نفسه يذكرنا من ناحية بمغامرات امرىء القيس في دارة جلجل وتعرية النساء والتمتع بمنظرهن؛ إذ إنه كان يفعل مثيل هذا الأمر. وهو من ناحية يدخلنا عالم الأساطير اليونانية القديم. إنه نظير «أورفه» الذي كان يحرك حيوانات الغابة وطيورها بمزماره ويجعلها تمشي وراءه. إلا أن صاحبنا العجوز لا يكتفي بتحريك النحل وغيره؛ بل يستخدم هذه الكائنات لخدمة مصالحه ومطاردة من يعشق وجعلهن يخضعن لإرادته ومتعته.
والرواية في كثير من محتوياتها جنسية صريحة وبقدر كبير من التفاصيل أحياناً. جاءت الرواية في 182 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت. أما الإهداء فقد جاء في قسمين.
في القسم الأول قال: «إلى الأساتذة الراحلين: الروائي العظيم الطيب صالح وصديقي الشاعر النور عثمان أبكر وصديقي الموسيقار مصطفى سيد أحمد». أما القسم الثاني فقد جاء على الشكل الآتي: «إلى ابنتي الحبيبتين: شهدة وملاذ». الفكرة فكرة جميلة دون شك لكنها عنده تراوح بين الخيال وتذكر الواقع وبين الوهم كما لمح بعض أحفاده. يبدأ الرواية واضعاً القارىء في أجوائها فيقول «يأخذ كفاحي الذي يجري ضد ألوية الموت اتجاهين. اتجاه متعلق بحركة اطرافي وآخر بدوزنة روحي. بعد كل احتضار يقدم لي احفادي جرداً دقيقاً لتلويحات يدي وانزلاقات رجلي.
«اما تهويمات روحي فكنت ألفيها منقوشة بذاكرتي التي غدت بمرور الوقت والمواظبة على المران تقرر على نحو تلقائي تنظيف وتنظيم أنحائها وسراديبها بحيث تبقي على أجمل أحداث حياتي وتلفظ الوقائع البشعة التي كرسها الاستعمار والحروب والدكتاتوريات».
وقال: «عندما أكون على أعتاب الخروج من متاهة احتضاراتي أسمح لخيالاتي المتصلة بأجمل لحظات حياتي بالتوارد. يتيسر لي عندها توجيه درجات الشفاء التي حققتها لزيادة فعالية ذاكرتي وبالمقابل أستغل تنامي مهارات الإلهام التي اكتسبتها في زيادة عنفوان جسدي».
ورأى أنه «بوسع الحب تهيئة فرص عديدة لتحقيق النجاة.. فهو على الأقل يبقي على الذكريات التي انطبعت على أجسادنا حية ومتحفزة حتى إلى ما بعد رحيل آخر رمق فينا». ويصف لنا وضعه بالقول «تتسلل إليّ في احتضاراتي الأولى «جيجي» ثم تتلوها «نورية» و»هيف». تأتي أيضاً حبيبتي الجنوبية «أبوك» التي ستتباعد رحلاتها إلينا بعد اشتعال الحرب الأهلية الأولى و»جدية» سيدة أجمة النخيل المحاربة التي رافقتني في معارك ثورة العشرينيات الطاحنة ضد المستعمر الإنجليزي». يقول معللاً بعض فقدان الذاكرة، إن أعراض الزهايمر المبكرة أصابت أجزاء من دماغه «فاجتاحتني بلبلة أصابت وقائع ذكريات فتوتي: توارت ملامح نساء شبابي الباكر فبالكاد أمسيت أتذكر تفاصيل جسد المرأة الأولى».
وتحدث عن بريطانية أقام معها علاقة وبعثت له صوراً لها «فقد أمكنني استدعاؤها متى شئت... لكنني نسيت ملامح قتلاي الإنجليز وأدّى ذلك إلى الإقلال من نوبات أرقي وتواتر كوابيسي».
ونصل إلى كلام لأحد الأحفاد عن جده إذ يقول: «لا علم لنا إن كان هذا الجلد الذي يبديه جدنا في مواجهة الموت متصلاً بالوراثة كما يدّعي مسنون كثر من العائلة أم أن الأمر مرتبط فقط بجدنا وبسنوات العشق التي امتدت من صباه الباكر وحتى آخر سنوات الشيخوخة بحسب زعمه هو».
«بعد احتضاراته الطويلة يظل يتحدث عن نساء محاربات يغشين هذيانات موته وعن طيور من فصائل مختلفة (...) تؤانس وحشة رحيله الوشيك. الأكيد أن جدنا قد قضى طرفاً من طفولته وشبابه متنقلاً في أنحاء البلاد.. يتحدث أيضاً عن كفاح شرس ضد الاستعمار وعن ادوار مهمة لعبها في مقاومة الدكتاتوريات ويحتفظ بمنشورات تدعو إلى شن الحرب وتنظيم الصفوف.
«أما نساؤه اللاتي يزعم أنهن شاركنه كفاحه الطويل فقد تحدثن بشكل غامض عن مهام وطنية كلفهن بأدائها. استمرت جداتنا يعتنين بجدنا على رغم علل الشيخوخة التي كانت تعصف بهن.
نسمع كثيراً عن سبعين زوجة اقترن بهن وعن مئات الأبناء والأحفاد منتشرين في الأصقاع كافة. لكن تظل معرفتنا مقتصرة على اثنين أو ثلاثة ادعوا أنهم أولاده وسعوا إلى توثيق معرفتهم به».
رواية الحسن بكري «طقس حار» على رغم مآخذ طفيفة قد تحسب عليها تشكل قراءة عميقة ممتعة وتطرح أسئلة مؤرقة وتسعى إلى تسكين ألم الشيخوخة النفسي والجسدي
العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ
المناضل لايمكن ايستوعب كل هذا الجنس
من واقع هذا التحليل تبين لي من هذه الرواية دات مضمون جديد بها من الخيال الممتع في تشابك بين النضال والجنس في عز الشباب وهذا ان حدث لايمكن ايحدث بهذه الصورة فالمناضلين لايمكن ان يستوعب نضالهم هذا الجنس وبهذه الصورة ولكن كما قلنا ان هذه الرواية بها من الامتاع والتشويق الخيالي ما يستهوي قراءتها ، وقد اعجبني التحليل عن الرواية فكيف اذا قرءتها