العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ

عولمة الخطة الأمنية في الشرق الاوسط

رأى وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز ان التخطيط الامني بات الآن عالميا، يشبه الى حد كبير ما آلت اليه الاقتصاد الدولي. ومنذ ان حاولت الاقتصادات من الاعتماد على الارض الى امكانية توقع حركتها اعتمادا على المعرفة والمعلومات، باتت حدود العالم السياسية غير واضحة المعالم. وعلي المنوال نفسه، تحولت قضايا الامن من كونها محصورة في عالم تواجه فيه خصوما معينين، الى عالم يواجه تهديدات ذات طابع عالمي. ومنذ اللحظة التي تم فيها عرض انظمة الصواريخ البالستية، باتت المسافات البالستية عنصرا رئيسيا لا يقل اهمية عن اهمية العمق البري.

وهذا الامر ينطبق تحديداً على الارهاب الذي يمكنه ضرب اهداف بعيدة المدى من دون انذار مسبق. ولان الارهاب ظاهرة عالمية، فلا بد ان تكون الخطط الموضوعة لمواجهته عالمية.

في ما يتعلق بتنظيم «القاعدة»، الذي لا يرتبط بدولة ما او بقانون، لا بد ان تعي دول العالم انها اذا ارادت حماية نفسها من تهديداته، فان امامها مسؤولية جماعية، على المستويين القومي والاقليمي وعلى المستوى العالمي.

وهذا الامر ينطبق تحديداً على منطقة الشرق الاوسط، التي تواجه الآن تهديدات ممثلة في اسلحة الدمار الشامل الحديثة، على رغم انها تأتي في نهاية الفوائد التي يمكن ان تحققها عولمة الاقتصاد. فهذا الجزء من العالم مشحون بالصواريخ البالستية، ودول المنطقة بدأت بتسليح نفسها بأسلحة غير تقليدية - كيماوية وبيولوجية - وفي المستقبل قد تكون رؤوسا حربية نووية. ووجود خلايا ارهابية تملك وسائل اتصال عابرة للحدود، يعني ان انشطتها في منطقة الشرق الاوسط تشكل خطرا عالميا، بدلا من كونها مشكلة اقليمية.

وهذا ما دفع الى تشكيل تحالف دولي للتعامل مع منطقة الشرق الاوسط. وعقد ممثلو هذا التحالف «الرباعي»، الذي يضم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة- لقاءات غير رسمية عدة مرات خلال الشهور الاخيرة - وربما يتم بموجبه تأسيس هيئة رسمية. وفعلاً اشار الرئيس جورج بوش الى انه سيعرض قريبا خطة محددة لاعادة تحريك العملية السياسية من اجل ازمة الشرق الاوسط.

وافق الشركاء الاربعة على ان تتولى اميركا الزعامة، بينما قبلت الولايات المتحدة بأن هناك حاجة لكي تقوم الاطراف الثلاثة بدور مهم. فالحرب الباردة التي اشعلت نار نزاع الشرق الاوسط، انتهت، ويرغب الشركاء الاربعة بوضوح في تجنب خوض توترات في ما بينهم لها علاقة بالنزاع الدائر في منطقة الشرق الاوسط. ومصالح هؤلاء الشركاء في المنطقة ليست مرتبطة بما يرغب فيه العرب او الاسرائيليون، بل باحتياجاتهم الاستراتيجية الخاصة وهي حقيقة لا يمكن بل ولا يجب على اسرائيل والعرب تجاهلها.

هذا التحالف الرباعي يمتلك قدرات لا يمكن تجاهلها، لكنني لا اشير بشكل محدد الى القوة العسكرية او الرغبة في ارسال القوات الى منطقة الشرق الاوسط. فالجيوش ليست مطلوبة للفوز بالحرب أو ضمان معاهدات السلام، على رغم ان الجيش لايمكنه استبدال معاهدة ولا يمكن ان يشكل عامل رقابة في حال غياب معاهدة ما. ويمكن للشراكة الدولية ان تمارس نفوذها من خلال توفير او حجب الدعم السياسي والاقتصادي، ومن خلال تحديد مستوى الشرعية الممنوحة لكل دولة او كيان. وعلى سبيل المثال، اضافة او حذف هذه او تلك الى أو من قائمة اولئك الذين يدعمون الارهاب. اليوم، لدى اسرائيل اقتصاد يعد نصف عالمي (وهو الجزء الذي يواصل العمل من دون تأثير للأزمة الحالية) ونصف قومي (وهو الجزء الواقع تحت تأثير الحالة الامنية للدولة). وسيكون علينا ان نعتاد على فكرة انه في اطار الدفاع الاستراتيجي سيكون على اسرائيل ايضا ان تعمل باسلوب يعد عالميا في جزء منه ومحليا في جزئه الآخر. ويجب على الدولة ان تشارك في التحالفات من اجل مواجهة التهديدات العالمية، في الوقت الذي تستخدم جيشها لحماية نفسها من خصومها المحددين.

عولمة الخطة الامنية تعني ان سيناريو النزاع في منطقة الشرق الاوسط لن تكون له علاقة بعد اليوم بطرفين فقط، بل بثلاثة:

الاسرائيليون، الفلسطينيون واعضاء التحالف الرباعي الدولي وتعني ايضا ان اسرائيل بحاجة للتوصل الى تفاهم مع التجمع الرباعي بشأن المصالح الاسرائيلية. فالارهاب الآن يعترض طريق سلام حقيقي مع الفلسطينيين ومع الدول العربية. لقد وقعت مصر والاردن معاهدات سلام مع اسرائيل، وحصلتا على الارض والماء، من دون استخدام الارهاب. ولدى الفلسطينيين فرصة في التوصل لتسوية، لكن رفضهم لعرض التسوية في كامب ديفيد دمر الثقة وحسن النوايا.

على انه وربما في اطار التجمع الرباعي، بزعامة الرئيس بوش، قد نصبح قادرين على تجديد مساعينا نحو السلام، ونحو التصدي للتهديدات الجديدة. فكل من طرفي النزاع في منطقة الشرق الاوسط بحاجة للدعم من اجل التغلب على اوجه القصور الحالية في العمل السياسي، التي يعاني منها الطرفان، يدفع الشعبان بسببهما ثمنا باهضا.

اذا ما تمكنا من العودة للمفاوضات، فسنكون قادرين على اقامة دولتين تتعايشان بسلام ويمكنهما المضي نحو اقتصاد ونحو زرع بذور الرخاء.

ذي غاردين

الخميس 72-6-200

العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً