العدد -4 - الأحد 25 أغسطس 2002م الموافق 16 جمادى الآخرة 1423هـ

قناة الجزيرة في اتجاهها المشاكس... «عومة مأكولة ومذمومة»!

في مطلع أغسطس/آب الجاري أحدث برنامج (الإتجاه المعاكس) الذي بثته قناة الجزيرة ردود فعل حادة في الأردن، وأحدث البرنامج الذي تناول النظام الاردني وموقفه من الحرب الاميركية المتوقعة ضد العراق أزمة بين الأردن و القناة، كاد أن يتطور الى أزمة بين الأردن وقطر الدولة الراعية للجزيرة.

ولم تكن هذه الأزمة، التي كادت أن تخرج عن حدود السيطرة، هي الأولى التي توتر العلاقات بين قطر والاردن، إذ وترت (الجزيرة) علاقات قطر الدبلوماسية مع ست دول عربية على الأقل.

وغدت الجزيرة تشكل ظاهرة إعلامية استثنائية بين موج الفضائيات المرسل من الأقمار الفضائية، ظاهرة إعلامية لا تتسع لها أرض العرب. ولم تقتصر محاولات اسكات صوت (الجزيرة) على الدول العربية إذ تجاوزت المحاولات الى الدول الغربية. ولعل الجزيرة هي اول قناة عربية تقصف مكاتبها على الاطلاق (قصفت الطائرات الاميركية مكتب الجزيرة في كابول عام 2001)، و الوحيدة التي بثت من بغداد عملية (ثعلب الصحراء) في ديسمبر/كانون الأول 1998، والوحيدة التي تألقت في حرب افغانستان واكتشفت أسامة بن لادن واعادة اكتشاف السيد حسن نصرالله و بثت أخبار الانتفاضة الفلسطينية من غرفة ياسر عرفات المحاصرة.

ما هي الجزيرة، ما الذي احدثته الجزيرة، ما الذي يميز هذه القناة؟

وكيف نجحت الجزيرة - علبة الكبريت القطرية- التي بدأت بثها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996 في الاستحواذ على جمهور (الدشات) العربي، في معظم الدول العربية، بل وعلى اهتمام المغتربين العرب من الاميركتين الى افريقيا مرورا باستراليا ونيوزيلندا.

اختصرت الجزيرة في ستة اعوام محطات التلفزة العربية في باقة واحدة تستقطب الجميع وبحيث بات العرب من أقصاهم الى أقصاهم من النخبة ومن العامة يتابعون الجزيرة الى جانب قناتهم الاخرى المفضلة، كيف فعلت الجزيرة ذلك؟ الجميع لا يزال يبحث عن سر «شويبس»!


قناة الجزيرة في اتجاهها المشاكس:

عومة مأكولة ومذمومة!

الوسط - هشام عدوان

في مطلع أغسطس/ آب الجاري تناولت قناة الجزيرة في برنامج «الاتجاه المعاكس» النظام الأردني وموقفه من الحرب الأميركية المتوقعة ضد العراق. البرنامج احدث ردود فعل حادة وعنيفة من قبل الأردن تمثلت في إغلاق مكاتب الجزيرة في عمّان، وفي تصعيد إعلامي ضد القناة وضد قطر بالإضافة إلى تأزيم العلاقات الأردنية القطرية على خلفية المساس في البرنامج بالعائلة الهاشمية الحاكمة... وليست هذه المرة الأولى التي تتسبب فيها الجزيرة لقطر بأزمة في العلاقات مع الدول العربية، فيما يلي يتناول التقرير الآتي ظاهرة (الجزيرة).

«عومة مأكولة ومذمومة»... هذا المثل البحريني الأشهر، سرعان ما يتبادر الى الذهن، كلما تم تناول ظاهرة قناة الجزيرة. وللعلم «العومة» هي نوع من الأسماك البحرينية الصغيرة ذات طعم طيب غير أنها كثيرة الشوك وصغيرة بحجم علبة الكبريت ما يجعل تناولها صعباً!

وبخفة ظل أرسين لوبين وبإغراء مارلين مونرو ترسخت قناة الجزيرة كظاهرة عربية قصوى في وقت قصير جداً... واختصرت الجزيرة في ستة أعوام محطات التلفزة العربية في باقة واحدة تستقطب الجميع، وبات العرب من أقصاهم الى أقصاهم من النخبة ومن العامة يتابعون الجزيرة الى جانب قنواتهم الاخرى المفضلة مثل (ام. بي. سي) او (ال. بي. سي) أو تلفزيون العائلة العربية!

كيف فعلت الجزيرة ذلك؟ الكل يبحث عن سر «شويبس»!

قال عنها الرئيس المصري حسني مبارك حين حرص على زيارة مبنى الجزيرة في إحدى زياراته لقطر: «كل هذه المشكلات تحدثها علبة الكبريت هذه»، علبة الكبريت تلك اختارها صدام حسين حصرياً في يناير/ كانون الثاني 1999 لبث خطابه التحريضي إلى شعوب العرب لمناجزة انظمتها، اختارها معمر القذافي في أكتوبر/ تشرين الأول 2000 لفضح مسودة البيان الختامي للقمة العربية، وهي التي قال عنها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح «إنني أتابع الاحداث على الجزيرة اكثر من القناة اليمنية!».

الظمأ الإعلامي

العجيب أن الجزيرة لا تقدم مسلسلات طويلة ومملة ولا افلاماً كسيحة ولا باقة الاغاني شبه العارية التي تدغدغ غرائزنا. وعلى رغم ذلك نجحت... اثبتت الجزيرة أن عقول العرب ليست غائبة فهنالك عطش لملء الرأس كذلك.

هذا التوق لري الظمأ الإعلامي لدى مشاهد التلفزة العربية، تسبب في أزمات دبلوماسية لا تنتهي لقطر (الأم الرؤوم للجزيرة) التي حصدت خلافات مع ست دول عربية على الاقل، تمثلت في ازمات سياسية مع كل من البحرين، الأردن، الكويت، المغرب، تونس، ليبيا، والجزائر. وتنوعت الأزمات بين سحب السفراء أو التهديد بذلك، وليس آخرها الخلاف الساخن مع الاردن على إحدى حلقات «الاتجاه المعاكس» التي تناولت العائلة الهاشمية في مطلع اغسطس الجاري.

محاولات إسكات صوت الجزيرة لم يقتصر على دولة من دون اخرى من دول عربية الى غربية بل لعل الجزيرة هي أول قناة عربية تُقصف مكاتبها على الاطلاق (قصفت الطائرات الاميركية مكتب الجزيرة في كابول العام 2001)، والوحيدة التي بثت من بغداد عملية ثعلب الصحراء في ديسمبر/كانون الاول 1998، وهي التي تألقت في حرب افغانستان واكتشفت بن لادن وأعادت اكتشاف السيد نصرالله وبثت الانتفاضة الفلسطينية من غرفة عرفات المحاصرة.

ومن المسرحي علي سالم الى المليونير المصري الهارب رامي لكح الى سعدالدين ابراهيم مروراً بمحمود درويش وجيهان السادات والاخضر الابراهيمي. ومن العراق إلى سورية فتونس و... و... و... لم تترك الجزيرة احداً!

فضائية إخبارية

ما هي الجزيرة، ما الذي أحدثته، وما الذي يميزها ؟

قناة الجزيرة فضائية إخبارية، تبث من الدوحة عاصمة قطر، خرجت من عباءة الـ (بي. بي. سي) البريطانية التي تبث برامجها لكل العالم بسبعين لغة.

من بين تلك اللغات، جاءت قناة بلغة العرب حين انطلق بث قناة (بي. بي. سي) البريطانية (الناطقة باللغة العربية) العام 1995 من خلال شبكة (أوربت) كقناة إخبارية تقدم أهم الأنباء العالمية وحوادث الساعة والبرامج السياسية الساخنة. إلا أن القناة خرقت اتفاقها مع أوربت، فتوقف بث القناة العام 1996. وعلى إرث القناة بإمكاناتها الفنية وكوادرها الإعلامية حولتها قطر إلى مشروع إعلامي عربي مفتوح. اتفقت حكومة قطر مع (بي. بي. سي)، على وراثة المشروع بكامله وغذته بمنتسبيها الـ 500، ومكاتبها التمثيلية الاحد عشر التي تتوزع على نخبة العواصم العربية والغربية من طهران، بغداد، رام الله، القاهرة، كابول، الخرطوم، موسكو، باريس، لندن، واشنطن بالاضافة الى 38 مراسلاً.

مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 1996 بدأت الجزيرة بثها واستحوذت في العامين الاولين على «علبة الكبريت» القطرية وعلى جمهور الفضائيات العربي، وتستحوذ كذلك على اهتمام المغتربين العرب من الاميركيتين الى إفريقيا مروراً باستراليا ونيوزيلندا.

وظاهرة بهذا الحجم لا تترك من غير تشكيك من قبل الجميع، فمن اتهامات بالعمالة لإسرائيل - التهمة القديمة الجديدة التي لم تعد تثير أحداً - الى اتهامات بالعمالة لحكومة قطر.

وتلقف كارهو صوت الجزيرة اتهامات مراسلها السابق في باكستان جمال إسماعيل في كتابه «الجزيرة وأنا» التي يدعي فيها أن ديفيد كمحي أو (داوود قمحي) اليهودي العراقي الذي شغل منصب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل أكثر من عشر سنوات من المستثمرين فيها مقابل استضافة الاسرائيليين من مفكرين ومثقفين بهدف فتح قناة إسرائيلية توصل آراء الصهاينة إلينا.

ويأخذ آخرون عليها تناولها مختلف الشئون العربية والدولية باستثناء الشئون القطرية. فقناة الرأي والرأي الآخر تقف في شئون قطر عند الاتجاه الموافق لا المعاكس ولا المشاكس، وأمام الشئون القطرية ليس هنالك أكثر من رأي بل هنالك الرأي الرسمي فحسب.

كيان إعلامي

والتشكيك لم يقتصر على الجزيرة ككيان إعلامي فحسب بل تجاوز الى اذاعييها. ويقول فيصل القاسم (الاذاعي الاكثر اثارة للجدل): تنوعت الاتهامات الموجهة إليّ بالعمالة بين شيوعي، علماني، ماسوني، صهيوني، قومي فاشي، واتهمت بالعمالة لأجهزة استخبارات دول العالم كافة باستثناء توجو وبوركينا فاسو!

هل ضررها أكبر من نفعها؟ هل نفعها أكبر من ضررها؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي ان نعرف مرجعية المتحدث. فعلى الصعيد الرسمي ستكون الاجابة قطعا أنها شر كامل يطير عبر «الدشات» وهنا تسجل الجزيرة نقطة في صالحها كونها لا تحظى برضا الرسميين بل يصبون عليها جام نقمتهم. وعلى الصعيد الشعبي لا يتمنى احد إلا أن تستمر الجزيرة في البث، فما احدثته من تغيير في المفاهيم الاساسية للإعلام العربي جعلها ظاهرة عربية بكل معنى الكلمة، ظاهرة تناولها الاكاديميون الإعلاميون بالدراسة. فإلى فترة طويلة ماضية ظلت قناة (سي. ان. ان) ومونتي كارلو و(بي. بي. سي) مصدرا رئيسيا للمعلومات عما يدور في العالم العربي... والآن وحدها الجزيرة تحتل مسرح الإعلام العربي.

وتلك الظاهرة تتعزز بتوجه جديد، لعلها اول من طرحه، اذ تزود من موقعها الالكتروني مشاهديها بكل ما فاتهم من لقاءات واخبار وتحقيقات وبرامج، الأمر الذي لا تفعله أية قناة أخرى. فالمثل البحريني يقول: «اذا فاتك اللحم عليك بالمرق»

العدد -4 - الأحد 25 أغسطس 2002م الموافق 16 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً