ربما لا يكون التساؤل واردا عن الجهة التي ستحدد الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة، ضمن التيارات الوطنية، وربما أيضا داخل التيارات الإسلامية السنية.
فالأولى ستتتخذ قرارها من خلال التصويت داخل جمعياتها العمومية.
ويبدو أن الجمعيات الوطنية لن تواجه إشكاليات جدية على صعيد الالتزام بالقرار الذي سيصدر. ربما يُستثنى من ذلك «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي نشأ نشأة شبه قسرية، بسبب عدم التجانس الأيديولوجي، الشرط المهم لاستمرار التجمعات وتماسكها، وخصوصا خلال المفاصل الرئيسة، والقرارات التاريخية.
ولأسباب مغايرة، ستكون القرارات متفقا عليها بين القاعدة والقمة في التيارات الإسلامية السنية، التي تتميز بقربها عموما من الخط الرسمي. فهي لم تتجاوب مع طروحات المعارضة إبان أحداث تسعينات القرن المنصرم، كما أيدت أو تفهمت غالبيتها التعديلات الدستورية التي أجريت في فبراير/شباط الماضي. ومقدما يمكن للحكم أن يعتمد على بعضها، وإلى حد كبير، للترويج لكثير من أفكاره، السياسية منها خصوصا.
أما التيار الإسلامي الشيعي العام، الذي تمثل «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» واجهته السياسية، وبسبب تعقيدات القرار، وخطورته على تماسكها، كونها تنظر إلى نفسها كعمود فقري للمعارضة، وبسبب التركيبة الدينية للتيار، فإن جدلا حاميا يدور داخله عن الجهة التي من حقها اتخاذ قرار بالمشاركة أو عدمه.
رأي يعطي الأولوية لجمعية الوفاق كي تتخذ القرار، باعتبارها تشكيلا يضم أكثر من 1000 عضو، يمثلون مختلف الطيف السياسي الشيعي. ومنحها فرصة من هذا النوع، يكرس وجودها كرقم رئيس في الساحة السياسية على مستوى التيار الشيعي، وعلى مستوى ساحة الصراع السياسي الأعم الذي يشمل اللاعبين الآخرين: الحكومة، والتيارات السياسية الأخرى. وتجاهلها يعني، من بين ما يعني، أنها غير سيدة على قرارها.
حيال هذا الرأي ينقسم أعضاء ''الوفاق'' أيضا: فهل يصدر القرار من الجمعية العمومية، أم من مجلس الإدارة. البعض يفضل الرأي الأول، لكن القريبين من موقع اتخاذ القرار يرجحون أنها لن تلجأ لهذه الخطوة، وقد يكون عقد الاجتماع التشاوري للجمعية العمومية في 25 يوليو/ تموز الماضي دليلا على ذلك.
المعارضون لصدور القرار عن مجلس الإدارة يبررون موقفهم بأن الأخير تم انتخابه من خلال اللجنة التأسيسة، وليس من خلال الجمعية العمومية، وبالتالي فهو غير مفوض لاتخاذ قرار مصيري.
ويضيف هؤلاء أنه كما حُدد الموقف من الانتخابات البلدية في الجمعية العمومية، ثم تبناه مجلس الإدارة، ودعمه بيان لعلماء الدين. فإن القرار من البرلمان لا بد أن يصدر بالآلية نفسها. وفي ذلك لا يبدو الاتفاق حاصلا، فالبرلمان غير البلديات.
إزاء ذلك، هنالك من يعارض صدور القرار من «الوفاق»، سواء أكان من خلال الجمعية العمومية أم الإدارة. ويقول أصحاب هذا الرأي أنه بالنظر إلى التركيبة الائتلافية التي تتشكل منها الجمعية، وعدم تمكنها بعد، بسب كونها في طور الإنشاء، من إرساء أرضية صلبة «لفرض» القرار على الشارع، ولكونها تشكلت أصلا بعد ضوء أخضر من القيادات الدينية. فإنها (أي القيادات الدينية) الأجدر باتخاذ القرار.
ويرفض السيد عبدالله الغريفي، أحد الرموز الشيعية البارزة، القول إن علماء الدين غير مؤهلين لممارسة القيادة السياسية، ويعتبر أن «هذه المقولة يروجها التيار العلماني المعادي للدين...»، ثم يأسف لكونها تسربت «إلى ذهنية بعض الشباب الإسلامي».
ويوضح الغريفي أنه «يجب التمييز بين جنبتين: الجنبة الموضوعية البحتة، والجنبة العملية للإنسان الملتزم بالدين (...) ففي قضية اللولب الذي يستخدم لمنع الحمل... في الجانب الموضوعي نرجع إلى الطبيب، أما في التكليف العملي في جواز هذا العمل أو حرمته فيرجع فيه إلى الفقيه».
ويقيس الغريفي المثل أعلاه على مسألة الانتخابات، «خبراء القانون، وخبراء السياسة يحددون لنا القيمة القانونية للتجربة البرلمانية إيجابا وسلبا، هذا الجانب الموضوعي، أما الجانب العملي في تحديد الوظيفة الشرعية، جوازا أو حرمة، فهذا مسئولية أصحاب الخبرة الشرعية وهم العلماء».
وبين هذين الرأيين، هنالك من يعتقد أنه لابد من التوافق، فيتخذ العلماء القرار بعد التشاور مع الجهات الفاعلة، ثم تتصدى «الوفاق» لإعلان القرار، في محاولة للوصول إلى حل وسط، يرضي الأطراف جميعها، فيعطي العلماء دورهم، ولا تُحرج الوفاق. لكن، ربما نسي أصحاب هذا الرأي أن منطقهم يحل جزءا من المشكلة، لكنه يبقي ثغرة من دون حل، لأنه يستبعد رأي الجمهور.
غير أنه يبدو من خلال الاستقراءات الأخيرة أن العلماء قد خولوا «الوفاق» اتخاذ القرار، ولا يعرف إلى أي حد يمكن الركون إلى هذه الاستقراءات، وخصوصا إذا اتخذ مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية قرارا سلبيا من المشاركة في الانتخابات، في الوقت الذي تفيد بعض المصادر أن العلماء ربما يؤيدون خوض غمار التجربة البرلمانية على رغم رفضهم التعديلات الدستورية
العدد -4 - الأحد 25 أغسطس 2002م الموافق 16 جمادى الآخرة 1423هـ