العدد -4 - الأحد 25 أغسطس 2002م الموافق 16 جمادى الآخرة 1423هـ

الوعي الطلابي الجامعي بين الانطلاق والتحجيم

ومن محركات الوعي وتشكيله فضلا عن تأويله وتوليده هي الجامعات، لوجودها كمرجعية حقيقية لتنفيذ الأطروحات فضلا عن كونها مرتعا خصبا تتواجد فيه الرؤى والتوجهات بصورة محترمة، تُعطي لمحيط الجامعة تميّزا خاصا بها.

والحركة الفكرية الطلابية في العالم تتبع إحدى مدرستين أساسيتين تُسهم في تشكيل الرؤية الطلابية للذات وللآخر، والمدرستان هما: مدرسة الاتصال ومدرسة الانفصال.

أولا: مدرسة الاتصال، وهي تنبع من يقين الطلبة بأنهم جزء لا يتجزأ من مجتمعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعتبر الحركات الطلابية المنتمية إلى هذه المدرسة من أكثر الحركات الطلابية فاعلية ولها دور في تأصيل العلاقة القائمة بين الطالب الجامعي ومحيطه في توليفة ثنائية لا تنفك، وتفاعل متواصل لا يتوقف، ليكون الطالب الجامعي جزءاً من هذا المجتمع الكبير المترابط الحلقات، عبر طرح رؤاه وتوجهاته.

الطالب الجامعي تحت نظر هذه المدرسة عنصر أساسي في تكوين البنية الاجتماعية، وهذا يستتبع وجوده ضمن دائرة التفاعل مع المتغيرات، ما يعني انفكاكه التقليدي عن الدائرة الأكاديمية البحتة، لتكون مساحة الاهتمام أوسع ومجال التحرك أكبر.

ثانيا: مدرسة الانفصال، وهي بعكس مدرسة الاتصال، فإنها ترى أن الدور الأساسي للطلاب هو التحصيل العلمي ورفع المستوى الأكاديمي، وتُنادي بعزل الطالب عن قضايا المجتمع، وتُعارض نقل تطلعات وآمال مجتمعهم إلى وسطهم الطلابي، وتتلخص مطالبها في القضايا الأكاديمية البحتة (1)، بمعنى آخر أن هذه المدرسة تسعى لعزل الطالب الجامعي عن محيطه وتحصره ضمن دائرة ضيقة تحكمها لوائح وأنظمة غير واضحة الملامح وفضفاضة في التأويل، مما يسمح لأن يكون العمل الطلابي ضيّقاً ومحدوداً بحيث تتحول الجامعة إلى قوة كبت مكانية وزمانية ينتظر الطالب الجامعي فكاك رقبته منها، فالجامعة التي تتبنى رؤية أكاديمية منغلقة على الذات ومجهضة لكل بادرة جادة تحاول أن ترتقي بفكر الطالب وثقافته، تجعل ذلك الطالب في معزل عن ذاته عبر عزله عن قضايا وطنه وأمته، ليعيش الغربة في أقصى صورها عندما يُبعد عن ملامسة واقعية وجادة لقضاياه وهمومه، وفي أين؟، في مرحلة قمة العطاء والنضوج والتفاعل مع ذاته ومع مجتمعه، في الجامعة!

ونجد أن الإطار العام للشباب البحريني الجامعي هو الاهتمام بقضايا المجتمع والأمة، والمساهمة بدور فعّال في المشاركة الملموسة عبر تفاعله الجاد مع مجمل القضايا المحورية، سواء على مستوى الوطن في ظل انفتاح واتساع حرية الكلمة والتعبير عن الرأي، والسعي للبناء المشترك لرفع اسم هذا البلد عاليا في كل ميدان، أو على مستوى الأمة ليعيش قضاياها ويتفاعل معها وعلى رأسها قضية فلسطين، لذلك يمكن تصنيف الشباب البحريني الجامعي في خانة الانتماء إلى مدرسة الاتصال، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز بعض الأصوات التي تنادي بعكس هذا التوجه وتطالب بالاهتمام بالواقع الأكاديمي والتخلي عن الأدوار الأخرى التي يلعبها الطلاب في المجتمعات، وإن كانت هذه الأصوات تُعد على الأصابع.

وما كفله الدستور وأكده الميثاق ليعززان معنى الاهتمام بقضايا الوطن والأمة المصيرية، واستبعاد مثل هذا الاهتمام هو تنكّر واضح لبند أساسي من الدستور، وتغافل مُتعمّد عن روح الميثاق فضلا عن غض الطرف عن واجب إنساني نبيل كفلته الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.

المادة الاولى من الدستور تنص على أن البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير(2).

وكون البحرين جزءاً من الأمة العربية يستلزم التفاعل الجاد مع قضايا الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، واستبعاد أي فئة من المجتمع عن تلك القضايا، هو استبعاد بعيد عن الدستور ولا يستند إلى مبدأ قانوني واضح فضلا عن كونه حجراً على الفكر وتشتيتا متعمدا لجهود المجتمع في دعم قضايا أمته المصيرية، ولقد عدّ الميثاق الجامعات بمثابة منارات للإشعاع الفكري والتقدم العلمي مما يقتضي توفير الحرية الأكاديمية لها وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على آفاق المعرفة(3).

ويبدو أن هذا الأمر حبر على ورق عندما تأتي للواقع الطلابي في جامعة البحرين، ففرض الرأي والتحرك الشخصي من قبل بعض المسئولين من دون الاستناد إلى اللوائح والأنظمة الجامعية أصبح الطابع العام في جامعة البحرين، فعلى رغم ما عاشته الجامعة في الأشهر الأخيرة من تحرّك ملحوظ وجاد لدعم قضايانا الوطنية والإسلامية عبر احتفالات بالميثاق والانفتاح تارة، والمظاهرات المنددة بالإرهاب الصهيوني تارة أخرى، يبدو أن التفاعل الطلابي مع قضايا أمته المصيرية غير مرغوب فيه لدى عمادة شؤون الطلبة بجامعة البحرين عبر وصاية غير مبررة من دون الاعتماد على أنظمة ولوائح الجامعة، بل عبر رؤية شخصية تُقصي الآخر عن الحديث في أمور أساسية تعنى بالطالب الجامعي، سواء عبر التطرق إلى حياته الجامعية ومشاكلها أو عبر الحديث عن القضية الفلسطينية ودور الشباب الجامعي إزاءها، وما إلغاء هذين الموضوعين من جدول فعاليات ورشة «مراحب» الصيفية التي تنظمها الجمعية العلمية بجامعة البحرين من قبل عميد شؤون الطلبة إلا دليلاً بيّناً على بطلان الادعاء بحرية التعبير عن الرأي، وكأن الجامعة بمعزل عن التغييرات الجذرية التي يقوم بها الملك، وربما أُريد لها ذلك.

الهوامش:

1) الحركة الطلابية الكويتية، حمود عقلة العنزي، (بتصـرّف).

2) دستور مملكة البحرين، المادة(1).

3) البحرين مملكة دستورية، إعداد مجموعة من طلبة كلية الحقوق بجامعة البحرين.

طالب جامعي

العدد -4 - الأحد 25 أغسطس 2002م الموافق 16 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً