العدد -5 - الإثنين 26 أغسطس 2002م الموافق 17 جمادى الآخرة 1423هـ

قراءة في مسار المورد المائي في المملكة

المياه تتربع على قمة جدول أعمال «التنمية المستدامة»

الوسط - عبدالحميد عبدالغفار 

26 أغسطس 2002

بانعقاد مؤتمر جوهانسبيرغ في 26 أغسطس/آب يتجدد طرح مفهوم التنمية المستدامة واستنزاف الموارد التي سبق إثارتها بصوت عال في قمة الأرض بريودي جانيرو في العام 1992، سيتوقف المؤتمرون مطولا أمام حقائق عدة، من أهمها الضغط الذي يزداد على موارد المياه بفعل زيادة الطلب على استخداماتها. الحقائق التي سيتم تداولها في قاعات المؤتمر حول المياه مفجعة، فهي تذكر من بين حقائق عدة: «أن واحداً من كل خمسة من البشر على سطح الأرض لا يستطيع الحصول على مياه شرب مأمونة، أي ما يعادل 1,1 بليون شخص، الأمر الذي يعزى إليه 10 من الأمراض في البلدان النامية»!.

بهذه المناسبة العالمية سنتطرق عبر عرض موجز إلى تدهور المورد المائي باعتباره أحد أهم الموارد الطبيعية في مملكة البحرين. ولا بد من القول بداية أن التنمية في مملكة البحرين حققت إنجازات لا يمكن إلا لجاحد أن ينكرها، فالمياه الصالحة للشرب مؤمّنة للسكان بنسبة 100 وفق معايير منظمة الصحة العالمية، لذا سنركز هنا على أحد أهم محاور مؤتمر جوهانسبيرغ، محور المياه باعتبارها موردا طبيعيا معرضا للنضوب.

تعد ندرة الموارد الركيزة الأساسية في علم الاقتصاد، بل إنها تقف وراء الأزمات كافة، كأزمة الغذاء والطاقة والتلوث البيئي. وتتسم الموارد في مملكة البحرين بشح ملحوظ، فمن حيث المساحة تعد الأصغر على الإطلاق في الشرق الأوسط، حيث لا تتجاوز 710 كيلومترات مربعة، وقد رفعت عمليات ردم البحر مساحة البلاد بنحو 18,51 كيلومترا مربعا مقارنة بما كانت عليه في عام1988. وبصدد النفط فالبحرين تعد اصغر دولة عربية نفطية على الإطلاق من حيث الاحتياطي، أما احتياطات الغاز فتراجعت هي الأخرى بشكل كبير وفقا لإحصاءات صندوق النقد العربي ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، وهي بذلك تعد اصغر دولة عربية بعد تونس من حيث الاحتياطي الغازي.

ترتبط المياه في البحرين ارتباطا وثيقا بالتاريخ، مما يكسبها خصوصية، فقد انبثقت حضارات دلمون وتايلوس وأوال عندما كانت هناك وفرة في المياه، ويظهر إله المياه العذبة «إنكي» المكانة الفريدة للمياه في البحرين القديمة. وبفضل المياه أصبحت دلمون وطن جلجامش بطل الملحمة الأسطورية التي ارتبطت بالآشوريين في بابل، جلجامش الذي بحث عن ارض الخلود، فوجدها هنا حيث المياه العذبة. وبإيجاز، فان أسطورة جلجامش تعكس قدسية مياه ارض دلمون لدى السومريين فالبابليين فالآشوريين.

وبخلاف الموارد الطبيعية الأخرى، تجسد المياه اخطر التحديات، فهي تتسم بخلاف مجمل الموارد الطبيعية بأنها مورد حيوي استراتيجي لا غنى للإنسان عنه. وأهميته تكمن في صلاته المباشرة بجهود التنمية، وبثنائياته المتعددة التي لا مهرب منها، كثنائية المياه والزراعة، والأمن الغذائي، والنمو السكاني، والبيئة، وأعباء الميزانية العامة، ومستوى المعيشة، والصحة العامة. وبالنظر للأهمية التي تكتنـزها المياه في مملكة البحرين، تتربع إحدى قمم التحديات التنموية.

في واقع الأمر، لا تختلف البحرين عما تتعرض له شبه الجزيرة العربية من تصحر، وفي هذا الصدد يذكر عدنان البياتي ''أن مساحة الاراضي الجافة في دول المجلس تشكل حوالي 97,4، بما فيها الاراضي الجافة بدرجة مفرطة، وتقدر مجموع الخسائر السنوية المباشرة التي تتكبدها بسبب التصحر بين 287 مليون دولار و862 مليون دولار سنويا، أما الخسائر الاقتصادية غير المباشرة فقد قدرت بين مثلي وعشرة أمثال الخسائر المباشرة (عدنان البياتي، دورية التعاون، الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، العدد 48، 1999).

من جهة أخرى، هناك علاقة مؤكدة بين معدلات تركز الأملاح في المياه الجوفية، ومعدلات الطلب عليها، بمعنى انه كلما ارتفع الطلب على المياه الجوفية وتخطى الحدود الآمنة التي يمثلها التعويض الطبيعي (112 مليون متر مكعب سنويا) كلما ارتفعت معدلات تركز الأملاح في المورد المائي الجوفي، وهذا ما يعد شكلا من أشكال التلوث. وتبين الدراسات المتخصصة أن كل زيادة في الطلب على المياه الجوفية بمليون متر مكعب، ترفع معدلات الأملاح في المياه الجوفية بـ 10,3 ملليجرام للتر، وأن معدلات الأملاح ستصل إلى مستويات خطيرة في حالة عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من شأنها تخفيض إجمالي الطلب على المياه الجوفية، حيث أن متوسط معدلات الأملاح العالية أصلا في العام 1995 والبالغة حوالي 530,4 ملليجرام للتر، من المتوقع أن تصل إلى 856,6 ملليجرام للتر في العام 2020. أي أنها ستتضاعف بأكثر من مرتين مع حلول العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في العام1952.

إن هذه الحقيقة تفسر مع اختفاء آخر معالم عين عذاري اندثار العيون الطبيعية، وبالنتيجة، تراجع الاراضي الزراعية بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، حيث تقلصت الى 29,5 كيلومتر مربع في العام 1988 مقارنة بـ 64 كيلومترا مربعا في الستينات، ولتعاود الارتفاع إلى 35 كيلومترا مربعا في العام 2000.

يذكر أن ارتفاع مساحة الأراضي المزروعة في العام 2000 مقارنة بالعام 1988 كان نتيجة لاستغلال مياه شبكة التوزيع (المستعذبة) عوضا عن المياه الجوفية التي لم يعد بالإمكان توجيهها إلى القطاع الآدمي أو الزراعي بشكل مباشر في غالبية مناطق المملكة، ومرجع ذلك وصول معدلات الأملاح فيها إلى مستويات عالية جدا. تجدر الإشارة إلى أن المملكة أرست أولى محطات تحلية مياه البحر في العام 1975، في وقت اتسم بالطفرة النفطية. وبهذا شهدت الميزانية دخول مشروعات عالية التكلفة لم تعهدها في سنوات سابقة.

ان هذا المسار يظهر أن التوازن البيئي في البحرين يتسم بحساسية مفرطة بفعل الخصائص المناخية والهيدرولوجية التي تنتج نماذج ايكولوجية حرجة، وهذا يفرض انتهاج التخطيط التنموي بمنظور التنمية المستدامة الذي رفع شعارا في مؤتمر جوهانسبيرغ، وهي تلك التنمية التي تضمن المكاسب وتضمن في الوقت نفسه المحافظة على مفردات المورد البيئي.

في هذا الصدد يلزم القول أن استكمال القوانين والتشريعات المعنية بمجمل المفردات البيئية أمر ملح، فسن القوانين والتشريعات بحاجة إلى متابعة تنفيذها، بل ومعاقبة المخالفين لها باعتبارهم خارجين على القانون، ومتعدين على البيئة، وفي المجال المائي تردد كثيرا عدم التزام المستهلكين من مختلف القطاعات بالمراسيم الصريحة التي تنص على «ضرورة التوقف عن حفر الآبار إلا للمصلحة العامة» (مرسوم رقم 12 لسنة 1997)، على رغم تحديد عقوبات حددها المرسوم الصادر في عام1999

العدد -5 - الإثنين 26 أغسطس 2002م الموافق 17 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً