عندما حصل روبرت روزين على عين «بيونية» اي معدنية اصطناعية لم يمتلك قوة ابصار تلسكوبية بعيدة على غرار ما حصل للبطل السينمائي «رجل الستة ملايين دولار».
كان روزين (68 سنة) اعمى يعيش في ظلام دامس قبل زرع رقاقة (ميكروتشيب) في شبكيته في السنة الماضية. وهو يستطيع الآن ان يرى بقعا من الضوء والظل إلا انه لا يرى وجه زوجته.
وبالنسبة لكورا كليبه (73 سنة) التي حصلت على اذن بيونية في شهر ابريل/ نيسان الماضي حلت شلالات الصوت مكان عالمها الصامت: من ازيز فرن الميكرويف الى ضجيج احفادها في المنزل وتغريد الطيور في حديقة منزلها في سان ماتيو بكاليفورنيا.
حتى الآن تلقى ستة اشخاص فقط ادوات بصرية زرعت في عيونهم، وظهر عليهم تحسن بسيط في ملكة الابصار. ومن هنا اذا كانت التكنولوجيا البيونية تفعل للعيون ما فعلته للآذان - اي تقوية ملكة السمع عند حوالي 70 ألف شخص - فلا شك ان هذه الادوات الميكانيكية المزروعة تستطيع ان تقضي على بعض الاعباء الثقيلة للشيخوخة.
لقد تطورت التكنولوجيا البيونية، وهي في الحقيقة طريقة قديمة متبعة للاستعاضة عن اجزاء الجسم المعطوبة بأجزاء ميكانيكية، وتقدمت كثيرا خلال السنوات العشر الماضية، وخاصة على صعيد تركيب الايدي والركب والاعضاء الاصطناعية.
ولقد حقق جهاز السمع الذي تلقته كليبه وهو اداة زرعت في القناة الحلزونية، نجاحا باهرا الى حد انه اخذ يحل مكان الادوات السمعية المعروفة التي توضع على آذان ضعيفي السمع، وليس الصم، حسب مدير مركز دوغلاس غرانت لزرع الجهاز الحلزوني في جامعة كاليفورنيا بسان فرنسيكسو الدكتور انيل لالواني.
وتتألف الاداة المزروعة من قطعتين، ولها لاقط صغير مركب على الجمجمة مزود بسلك يصل الى القناة الحلزونية، اي الجزء اللولبي في الأذن الداخلية وهو الجزء الذي يحول الاهتزازات الصوتية الى نبض عصبي يرسل الى الدماغ.
ويركب جزء آخر مستقل مهمته معالجة الصوت وراء الأذن مستعملا قطعة مغناطيس تبقيه قريبا من الجهاز المزروع في القناة الحلزونية. ويلتقط ميكرفون جهاز المعالجة الصوت ويحوله الى اشارة رقمية ويرسلها الى الجهاز الداخلي في القناة.
ويقول لالواني انه عندما نزلت ادوات السمع الزراعية الى السوق لاول مرة كانت مخصصة للمصابين بالصم فقط. واليوم اذا كنت تسمع 30 في المائة فقط من الكلمات فالافضل ان تحصل على جهاز الزرع في القناة الحلزونية بدلا من اداة اعانة السمع العادية.
ويحيي النجاح الهائل الذي حققته الاداة الزراعية الحلزونية الآمال بأن تسفر اختبارات الرؤية البيونية - مثل رقاقة السيليكون البيونية الاصطناعية التي يستعملها روزين - الى تعزيز الاعضاء البصرية المعطوبة.
وللاجهزة المخصصة للزرع حسنة كبرى. فقدرة المعالجة الكبيرة التي يتمتع بها الدماغ البشري تتسع للشوائب والخشونة للآذان والعيون الميكانيكية وتتيح لها ان تعمل كرقعة غير معقدة على الجهازين السمعي والبصري الطبيعيين اللذين لا يعانيان اي قصورآخر.
ويقول مدير برنامج الادوات الاصطناعية العصبية في معهد الصحة القومي الدكتور وليم هيندريكس، ان ما يحتاج اليه الدماغ هو كمية قليلة من المعلومات لكي يقوم بإعادة تكوين السياق الكلامي، ومن المنطقي ان نعتقد ان الشيء نفسه ممكن في مجال الرؤية.
وتنطوي عملية الزرع على قطع جيب صغير في الشبكية لادخال الميكروتشيب الذي يحتوي على 5,000 خلية شمسية مجهرية على اسطوانة بحجم رأس دبوس انحف من شعر الانسان. وتحول الرقاقات الضوء الى طاقة كهربائية تنعش الشبكيات المتضررة من الالتهابات التي تؤدي الى العمى غير القابل للمعالجة.
وقال تشو، الذي طور الرقاقات مع شقيقه فينسنت، وهو مهندس كهرباء. انه لاحظ من اطباء آخرين يشاركون في المشروع تحسناً في قدرة الابصار خلال الفحوص الاولية التي اجريت للاشخاص الستة الذين زرعت لهم تلك الادوات.
وكانت شركة Optobionics قد حصلت على موافقة دائرة الاغذية والادوية لتجربة الرقاقات على الانسان في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي اثر نجاح التجارب على الحيوانات. ولم تنشر نتائج تلك التجارب ولم تحسب رسميا بعد، ولكن تشو ومرضاه تحدثوا بشكل غير رسمي عن بصرهم.
وقد تلقى ثلاثة مرضى، ومنهم روزين على الرقاقات في شهر يونيو/ حزيران العام 2000. واجريت عمليات زرع مماثلة لثلاثة مرضى آخرين في شهر يوليو/تموز 2001. وتبحث شركة اوبتوبايونيكس عن مرضى آخرين لاجراء العملية لهم خلال فصل الصيف الحالي.
وتتراوح النتائج المحققة من تلك التي حصل عليها روزين الذي كان لا يرى شيئا بعينه اليمنى ويستطيع اليوم رؤية مصباح شرفة منزله، الى المريض الذي كان يستطيع ان يعد اصابع يده على مسافة قصيرة من وجهه.
ويقول تشو عن هذا المريض الاخير الذي رأى رف الاوز انه يستطيع الآن ان يرى اطباق الاكل الموجودة امامه وما تحتويه من اطعمة، في حين ان الكثيرين من العميان يستعملون اصابعهم لتحسس الطعام.
ويقول روزين ان التحسن الذي طرأ على بصره قد يبدو صغيرا للبعض، ولكن ليس بالنسبة إليه. ويضيف: «لقد جاء احدهم وطور هذا الشيء الصغير الذي يوضع في العين وفجأة صرت ارى المزيد من الضوء. لم يكن احد منا يتوقع ان نصبح قادرين على رؤية وجه شخص ما او قراءة كتاب. هذا الامر سيتحقق في النهاية».
الوسط - خدمة (ا. ب
العدد -5 - الإثنين 26 أغسطس 2002م الموافق 17 جمادى الآخرة 1423هـ