أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في كلمته بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب التي تحل اليوم 26 يونيو/ حزيران على ضرورة التزام جميع الحكومات بأن تحقق الإنصاف بالكامل لجميع ضحايا الانتهاكات وإعادة تأهيلهم.
في البحرين، دعا الحقوقيون إلى تطبيق العدالة الانتقالية محليّا أسوة بالمملكة المغربية، مشددين على إمكانية تحقيق ذلك إذا ما حصل توافق بين الحكومة وضحايا التعذيب، كما دعوا إلى تعديل قانون 56 لسنة 2002 المتعلق بالعفو عن الجرائم الماسّة بالأمن الوطني بحيث يتم السماح للضحايا بتقديم دعاوى قضائية لتعويضهم.
وعلى رغم مرور 9 سنوات على دخول البحرين مرحلة الإصلاح، لايزال ملف التعذيب وتعويض الضحايا مفتوحا، في حين تم توثيق نحو 7 آلاف حالة تعرضت للتعذيب في فترة التسعينيات من القرن الماضي.
يُشار إلى أن البحرين انضمت لاتفاقية مناهضة التعذيب في العام 1998، كما صدّقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 2006، كما اشتركت في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بعد عام من تصديقها على العهد السابق.
الوسط - حسن المدحوب
بعد تدشين عريضة شعبية العام 1994 وقعها حوالي 25 ألف شخص للمطالبة بتفعيل دستور 73 وإدخال إصلاحات على نظام الحكم، دخلت البحرين في واحدة من أعنف مراحل تاريخها السياسي.
واستمرت هذه المرحلة بين العامين 1994 و 1999، وراح ضحيتها العشرات من أبناء البحرين، كما كانت محصلتها وفق إحصاءات غير رسمية أكثر من 15 ألف معتقل.
وبحسب التقارير الدولية الحقوقية التي رصدت تلك المرحلة فإن حقوق الإنسان تعرضت لانتهاكات صارخة، وذكرت هذه التقارير أن السلطات مارست التعذيب ضد معارضيها بعد اتساع موجة العنف والعنف المضاد.
غير أنه حينما تسلم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الحكم أعلن عزمه على إجراء إصلاحات واسعة من أجل البحرين، كان محصلتها إعلان ميثاق العمل الوطني في العام 2000، وطرحه للتصويت الشعبي في العام الذي تلاه.
وتميزت هذه الفترة الممتدة من منتصف العام 1999 إلى العام 2001 بهدوء «حقوقي»، كان يشير في مجمله إلى تحسن في أوضاع حقوق الإنسان، وغياب حالات التعذيب، إلا أنه مع صدور المرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002، وهو عبارة عن عفو ملكي شامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني، فقد عادت أصوات المنظمات الدولية الحقوقية بالارتفاع مجددا منتقدة ما اعتبرته عفوا عن مسئولين عن جرائم تعذيب تمت خلال الحقبة الماضية.
وتلا تدشين الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب في العام 2002 وعدم تحقيق توافق وطني عليه، انتقادات من جانب المنظمات الحقوقية للبحرين بسبب الأحداث الأمنية التي تلت ذلك - على رغم قلتها-، واستمرت هذه الانتقادات بوتيرة منخفضة للأعوام الأربعة التالية، أي حتى العام 2006، وكانت المنظمات الدولية تصدر بيانات على فترات متقطعة، بناء على مجريات الأحداث المحلية، وكانت غالبيتها تتعاطى مع حالات فردية تعرضت للاعتداء أو الضرب المفرط من قبل رجال الأمن، كما استمر الانتقاد للبحرين طيلة السنوات تلك لقانون 56 السالف الذكر، وخاصة في التقارير السنوية التي تصدرها منظمة «هيومن رايتس» الحقوقية ومنظمة «العفو الدولية» ووزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في البحرين.
ومع تصاعد الحركة الاحتجاجية في الشارع البحريني بعد الأحداث الأمنية التي حصلت في العام 2007، صعدت المنظمات الحقوقية كمنظمتي «هيومن رايتس» و«العفو الدولية» من انتقاداتها للجهات الرسمية، وأصدرت بيانات أشارت فيها إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، كما تحدثت عن حالات تعذيب تعرض لها السجناء الذين تم اعتقالهم على خلفية الأحداث الأمنية.
ويمكن القول، إن التقارير الدولية التي تعرضت لموضوع التعذيب في البحرين، مرت بثلاث مراحل أساسية، الأولى كانت عبارة عن انتقادات شديدة وصلت إلى حد الاتهام للسلطات البحرينية في فترة أحداث التسعينات، والثانية كانت فترة هدوء «حقوقي» امتدت بين عامي 2000و 2006 على رغم ورود بعض الانتقادات والدعاوى عن مزاعم بحدوث حالات تعذيب فردية، وغير ممنهجة، فيما بدأت المرحلة الثالثة أواخر العام 2007 إذ عاودت المنظمات الدولية انتقاد السلطات، وتوالت التقارير الدولية التي تشير إلى وجود حالات تعذيب تجري في البحرين.
مع تنامي الاضطرابات الشعبية أواخر العام 1994، بدأت المنظمات الدولية، وخاصة «هيومن رايتس» تتحدث بشكل متواصل عن تنامي حالات التعذيب، ومع سقوط العديد من الضحايا في الأعوام التي تلت ذلك، كانت التقارير السنوية لمنظمة «هيومن رايتس» الحقوقية عبارة عن توثيق مستمر لهذه الانتهاكات وحالات التعذيب، كما وجهت انتقادات شديدة اللهجة إلى السلطات البحرينية، وكان التقرير السنوي الذي أصدرته المنظمة العام 1997، الذي رصد حالات التعذيب التي وقعت العام 1996بالتفصيل أنموذجا عن تلك التقارير، فقد أكدت المنظمة في تقريرها المذكور أن «أحد المواطنين توفي من سوء المعاملة التي تلقاها خلال يومين من الاحتجاز»، وأنه «على رغم أن السلطات البحرينية قالت إن اعتلال الصحة كان سبب الوفاة، فلم يكن هناك تحقيق في المزاعم التي تتحدث عن أنه توفي جراء التعذيب».
وجاء في التقرير أنه «لا توجد أي تحقيقات أو محاكمات لأي من أفراد قوات الأمن بتهمة القتل خارج نطاق القضاء التي ارتكبت في السنوات السابقة».
وأكدت المنظمة في تقريرها «هناك تقارير موثوق بها تفيد أن السجناء يتعرضون للضرب في كثير من الأحيان، سواء على باطن القدم وحول الرأس وإحراق بالسجائر، واضطرار لتحمل فترات طويلة من دون نوم، وفي بعض الحالات التعرض لصدمات كهربائية».
ووجدت «رايتس» أن « الحكومة تلاقي صعوبة في دحض ادعاءات التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لأنها تتيح الحبس الانفرادي والاحتجاز من دون محاكمة، لم تكن هناك حالات معروفة من السلطات لمعاقبة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت سواء خلال العام أو في أية سنة سابقة».
وجاء في التقرير أن «المعارضة وجماعات حقوق الإنسان تزعم أن قوات الأمن أحيانا تهدد المحتجزات بالاغتصاب وإلحاق الأذى عبر أشكال من الاعتداء الجنسي والتحرش بهن أثناء وجودهن في الحجز».
وفي التقرير السنوي للمنظمة للعام 1998 والذي رصدت فيه حالات التعذيب للعام 1997، فقد أشار التقرير إلى أن «حكومة البحرين واصلت انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان في العام 1998».
وذكر التقرير إن «أيان هندرسون هو الذي يشرف على جهاز الأمن الذي ارتكب موظفوه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من بينها الاعتقال التعسفي طويل الأجل والتعذيب».
ورصد التقرير «وفاة سبعة معتقلين على الأقل بسبب التعذيب، أو سوء المعاملة أو الإهمال الطبي».
وذكرت «رايتس» أن «معظم الذين عذبوا في السجون يعانون من عاهات سببها الجلادون لهم خلال الاستجواب وقد استخدموا أبشع الطرق من أجل انتزاع الاعتراف وقد قتل الكثير أثناء فترات التعذيب كما تم الحكم على بعضهم عن طريق استغلال القضاء من قبل المسئولين».
مع إطلالة القرن الجديد، وتحديدا العام 2000 بدأت المنظمات الحقوقية تخفض من نبرة تقاريرها وبياناتها عن الانتهاكات وحالات التعذيب، فالبحرين كانت على موعد مع إصلاحات سياسية، وتحسن في الوضع الأمني والحقوقي، وعلى رغم ذلك الهدوء فقد استمرت الانتقادات توجه إلى البحرين عن سجلها الماضي عن التعذيب، ففي تقريرها للعام 2001، قالت منظمة العفو الدولية، إن «أحوال حقوق الإنسان في البحرين تحسنت إبان العامين الأخيرين، إذ اتُخذت عدة خطواتٍ منها إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين، وإنشاء هيئة لحقوق الإنسان داخل مجلس الشورى، والتصديق على (اتفاقية مناهضة التعذيب) الصادرة عن الأمم المتحدة، ولكن الأوضاع التي يسَّرت ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي لاتزال قائمة».
وجاء في التقرير «لاتزال انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب في البحرين، وإن كان ذلك على نطاق أضيق مما كان عليه الحال خلال فترة القلاقل المدنية في منتصف التسعينات، وعلى رغم تصديق البحرين على «اتفاقية مناهضة التعذيب» في العام 1998، فمازالت الأنباء ترد عن عشراتٍ من ادعاءات التعذيب والمعاملة السيئة، التي نادرا ما تجري الحكومة تحقيقاتٍ فيها».
وفي الصدد نفسه فقد وجّه التقرير السنوي للعام 2003 والصادر عن وزارة الخارجية الأميركية انتقاداته» لاستمرار الحصانة للمتهمين بالتعذيب منذ العام 2001، ورفض المحاكم البحرينية التداول في القضايا المرفوعة ضد المتهمين بالتعذيب وقضايا طلبات التعويض، وكذلك غياب آلياتِ إعادة التأهيل والتعويض للضحايا في فترة التسعينات».
مع تنامي الأحداث الأمنية في البلاد في العام 2007، بدأت المنظمات الدولية الحقوقية تصدر بيانات تتحدث فيها عن حدوث حالات تعذيب وانتهاك لحقوق الانسان في البحرين، ففي تقريرها للعام 2008 عن أوضاع حقوق الإنسان، قالت وزارة الخارجية الأميركية «لم ترد أي تقارير تشير إلى أنّ الحكومة ارتكبت أعمال القتل ذات الدوافع السياسية، ولكن في 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2007، توفي شخص يبلغ من العمر 31 عاما يُدعى علي جاسم، بعد أن شارك في احتجاج سياسي وذلك حين اشتبكت قوات الأمن مع نشطاء من الشيعة. وعلى رغم أن التشريح الرسمي أفاد أن المتوفى مات من «أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي» فإن مراقبي حقوق الإنسان المحليين قالوا: إن وفاته ترتبط باستنشاق الغاز المسيل للدموع أثناء تفريق المتظاهرين».
وجاء في التقرير»يحظر دستور مملكة البحرين التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللانسانية، أو المهينة؛ ومع ذلك، كانت هناك تقارير خلال العام 2007 بأنّ قوات الأمن استخدمت فيها أساليب التعذيب، ووفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، في 1 يونيو/ حزيران فإنّ قوات الأمن استخدمت الضرب المبرح لأشخاص بعد القبض عليهم في 21 مايو / أيار 2007، وتحدثت مصادر عن تعرّض بعض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة من قبل المستجوبين، وبعضهم قال إنه تعرض لتحرش جنسي».
في الصدد ذاته، قالت منظمة «هيومان رايتس» في تقريرها للعام 2008 «إن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين تدهورت في العام 2007».
وذكر التقرير أن « قانون 56 أطلقته القيادة السياسية في البحرين من أجل الإعفاء عن الجلادين المتهمين بتعذيب المطالبين بالإصلاح أثناء مطالبتهم بالإصلاحات الدستورية في المملكة و هذا القانون يخالف المادة (4) البند (1) من اتفاقية التعذيب (تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأيه محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب).
وفي تقريرها الأخير للعام 2009 كررت المنظمة ملاحظاتها ذاتها التي جاءت في تقرير 2008 إذ أشارت إلى أن «أوضاع حقوق الإنسان في البحرين شهدت تدهورا ملحوظا خلال العام 2008».
أما التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام 2009 فكان أكثر حدة في توصيفه للوضع الحقوقي في البحرين، إذ أكد أن «السلطات تقاعست عن التحقيق على نحو كافٍ في الادعاءات المتعلقة بتعرض معتقلين للتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة».
وأفردت «العفو الدولية» بندا في تقريرها جاء تحت عنوان: (التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة)، قالت فيه: «ذكر بعض المعتقلين الذين احتُجزوا فيما يتصل بالمظاهرات العنيفة في قريتي كرزكان ودمستان، في مارس/آذار وإبريل/نيسان، أنهم تعرضوا للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة على أيدي الشرطة. وقال هؤلاء إنهم احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسبوع، إذ كانوا يُجبرون على الوقوف لفترات طويلة وقد عُصبت أعينهم، كما كانوا يتعرضون للضرب».
وبحسب التقرير فقد «ادعى 15 شخصا، قُبض عليهم في ديسمبر 2007 واتُّهموا بحرق سيارة شرطة وسرقة سلاح، أنهم تعرضوا للتعذيب» وأن أحدهم «تعرض للتعذيب بتعليقه وضربه وصعقه بصدمات كهربائية».
الوسط - علي الموسوي
بدأت مملكة البحرين عهد الإصلاح بتوقيع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، العام 1998، بموجب مرسوم بقانون رقم (4)، صدر في 18 فبراير/ شباط من العام المذكور.
أما في شهر أغسطس/ آب من العام 1999، وتحديدا في 17 منه، صدر مرسوم بقانون رقم (34)، الذي قبلت البحرين بمقتضاه، سحب تحفظها على المادة رقم (20) من الاتفاقية، والمتعلقة بصلاحيات لجنة مناهضة التعذيب، المنبثقة عن الاتفاقية. وتعطي المادة المذكورة الصلاحيات للّجنة، في التحقق من أية معلومات موثوق بها، تتضمن دلائل لها أساس قوي، تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف في الاتفاقية.
البحرين تحفظت على الفقرة الأولى من المادة رقم (30) من الاتفاقية، المتعلقة بتسوية النزاعات بين أطراف الاتفاقية، واعتبرت الحكومة نفسها غير ملزَمة بما ورد في المادة.
وتنص المادة المذكورة على أن «أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها ولا يمكن تسويته عن طريق التفاوض، يطرح للتحكم بناء على طلب إحدى هذه الدول، فإذا لم تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الموافقة على تنظيم التحكيم، يجوز لأي من تلك الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية، بتقديم طلب وفقا للنظام الأساسي لهذه المحكمة».
في العام 2005، وبعد مضي 7 أعوام على توقيع البحرين لاتفاقية مناهضة التعذيب، أجرت اللجنة المنبثقة عن الاتفاقية، تقييما شاملا للوضع في البحرين، وذلك للتأكد من تنفيذها اتفاقية مناهضة التعذيب، وإثر ذلك أصدرت اللجنة عددا من التوصيات، التي يجب على البحرين مراجعتها.
ومن المتوقع أن تتم مراجعة سجل البحرين الحقوقي في العام 2011، وبذلك فهي ملزمة بتصحيح أوضاعها، وتنفيذ ما جاء في التوصيات السابقة، ضمن المراجعة الدورية الشاملة التي يقوم بها مجلس حقوق الإنسان.
وعرفت الاتفاقية مصطلح التعذيب بأنه: «أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، و معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه، هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز، أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
وبحسب الأعراف الدولية فإن الاتفاقيات التي توقعها الدول، تعد بمثابة القانون، ويمكن الترافع بموجبها في أية قضية، وكذلك بالنسبة للعهود والمواثيق، إذ تعد القوانين المحلية التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية ملغية.
واشترطت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية أن «تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي».
أما الفقرة الثانية فأكدت أنه «لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب، أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب».
وذكرت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة أنه لابد أن «تراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك في حال الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية».
من جانب آخر، صدّقت البحرين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 20 سبتمبر/ أيلول من العام 2006، كما اشتركت البحرين في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بعد عام من تصديقها على العهد السابق، وتحديدا في 27 سبتمبر/ أيلول من العام 2007.
وتشير بنود العهدين إلى وجود نقاط تلاقٍ مع اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية. ففي المادة السابعة من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ذُكر أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإطاحة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية على أحد دون رضاه الحر». أما الفقرات الثلاث من المادة الثامنة، فجاءت مكملة للمادة السابقة، وذلك بإشارتها إلى أنه: «لا يجوز استرقاق أحد»... و «يحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما»، كما «لا يجوز إخضاع أحد للعبودية و «لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي».
ولم تغفل المادة التاسعة بموادها الخمس، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن « لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه. وجاء أيضا في الفقرة الثانية من المادة «يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه».
أما الفقرة الثالثة فنصت على أن «يقدَّم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقّه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة، في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء».
أما بالنظر إلى ما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الدول الموقعة على الاتفاقية، عليها أن تقر بـ «وجوب منح الأسرة، التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، خصوصا لتكوين هذه الأسرة وطوال نهوضها بمسئولية تعهد وتربية الأولاد الذين تعيلهم. ويجب أن ينعقد الزواج برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء لا إكراه فيه». فهذا ما جاء في الفقرة الأولى من المادة العاشرة.
أما المادة (11) في فقرتها الأولى شددت على أن «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر».
الوسط - أحمد الصفار
رأى عدد من الحقوقيين في البحرين أن تطبيق العدالة الانتقالية محليّا أسوة بالمملكة المغربية ممكن إذا حصل توافق على ذلك بين الحكومة وضحايا التعذيب، بحيث يتنازل الأخيرون عن حقهم في ملاحقة الجلادين والاكتفاء بمحاكمة رمزية، في مقابل أن تتحرك السلطة وفق إرادة سياسية حقيقية لغلق هذا الملف وتسويته.
فمن جانبه، أشار رئيس جمعية الشفافية عبدالنبي العكري إلى أن تطبيق العدالة الانتقالية في البحرين ممكن، بشرط توفير الأجواء التي وفرتها المغرب، من خلال إيجاد إرادة سياسية من النظام.
وبيَّن أن المغرب عدلت دستورها للسماح بتداول السلطة والتمهيد لانتخاب رئيس وزراء من الأحزاب المعارضة، وإشراك المجتمع كله في هذه العملية.
وأضاف العكري «الحكومة في البحرين تنظر إلى ضحايا التعذيب على أنهم أجرموا بحق الدولة وتم العفو عنهم من قبل رأس الهرم، وقانون 1956 يقف حائلا أمام مساءلة وملاحقة ممارسي التعذيب».
وتابع «كل التنظيمات في البحرين التي كانت تعمل بالسر قبلت أن تعمل في العلن وأن تأخذ ترخيصا وتعمل بحسب القانون، لكن بعض أجهزة الدولة هي من تعمل في السر».
ولتحقيق العدالة الانتقالية في صورة أفعال حقيقية، شدد رئيس «الشفافية» على «أهمية وجود إرادة سياسية من قيادة البلاد، وأن تكون هناك وحدة فعلية لقوى المجتمع التي من مصلحتها العدالة الانتقالية بعيدا عن التشرذم الحاصل حاليّا، وإذا كانت الدولة لا تريد ذلك فلا حرج على قوى المجتمع».
وعن رأيه في هذا الموضوع، قال رئيس جمعية الحريات العامة محمد الأنصاري: «من الممكن تطبيق العدالة الانتقالية في البحرين، فلا فرق بيننا وبين المغرب سوى أنها مرت بظروف أسوأ من تلك الموجودة لدينا، ولكن الحكومة المغربية كانت مستعدة لتقديم تنازلات للتسوية، وكذلك ضحايا التعذيب كانوا مستعدين لهذا الأمر».
وأردف «في البحرين الحكومة وضحايا التعذيب ليس لديهم الاستعداد اللازم للتنازل عن مطالبهم، فكلاهما متمسك برأيه، ما يؤدي إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق يرضيهما معا».
ولفت الأنصاري إلى أن «الحكومة المغربية وافقت على مساءلة بعض الرموز لديها، وإذا ما اتخذت البحرين الخطوة ذاتها فمن الممكن تسوية هذا الملف، ولكن كما سبق أن ذكرت فإن الضحايا في البحرين غير مستعدين للصفح عن جلادهم والأمر ذاته بالنسبة إلى الجهة الرسمية».
وأشار إلى أن «المشروع الإصلاحي لجلالة الملك سمح بعودة المبعدين، وعاهل البلاد أكد أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون من خلال ممارسة فعلية، وبالتالي نجد أن جلالته أفرج عن أشخاص متهمين في قضايا أمنية وجنائية».
وزاد بقوله: «أكثر من مرة يؤكد العاهل الرغبة في إغلاق هذا الملف ولكن التنفيذ مناط بالمجتمع والأطراف الأخرى في الحكومة الذين من المفترض أن يبذلوا جهدا في التحضير لإتمام هذه العملية، في مقابل أن يقدم الآخرون تنازلا عن حقهم في ملاحقة الجلادين ويكتفوا بمحاكمة رمزية، وبالتالي فإن الطرفين عليهما التنازل وإلا سيحدث لدينا مثلما حصل في كوسوفو عندما تمت ملاحقة مجرمي الحرب».
وتحدث رئيس «الحريات العامة» عن «تحرك وسطاء كان لديهم مشروع قابل للتنفيذ على أرض الواقع، وهو مشابه للعدالة الانتقالية في المغرب وتبنته جمعيات حقوقية وأعتقد أن هؤلاء بإمكانهم استكمال مجهودهم لإنهاء هذا الملف».
إلى ذلك، أفاد عضو مجلس النواب جلال فيروز بأن «في البحرين مئات من الناس الذين لايزالون يعانون جراء التعذيب الذي مورس بحقهم إبان فترة قانون أمن الدولة، وهناك الكثير من هؤلاء يتلقون العلاج والبعض الآخر لم تسعه قدرته المادية للحصول على العلاج المناسب الذي لا يكون متوافرا في المستشفيات الحكومية، ولاسيما الذين يعانون من أمراض نفسية نتيجة ما تعرضوا له من تعذيب وحشي أثر على نفسياتهم، وهناك من لم تلتئم الكسور التي تعرض لها وآخرون لاتزال الندوب وآثار التعذيب والتشوهات الخلقية موجودة على أجسادهم».
وتطرق إلى «وجود الآلاف ممن يكبتون في نفوسهم البغض والحنق ضد من مارسوا في حقهم التعذيب، وبسبب عدم أخذ حقوقهم من الجلادين وحصولهم على أي تعويض، فإن الجروح لاتزال مفتوحة حتى الآن».
ونوه إلى أن «تجارب الدول الأخرى أثبتت عدم حصول تقدم في هذا الصعيد ما لم يتم فتح ملف الانتهاكات وتطبيق العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى أن من مارسوا التعذيب من الممكن جدّا أن يرجعوا إلى ممارساتهم السابقة بسبب عدم تفعيل أي رادع أو تأنيب ضدهم، لذلك الأجدى بالحكومة والشعب أن يتم تطبيق العدالة الانتقالية بحيث نستطيع أن نطوي هذا الملف المؤرق إلى الأبد».
وأكد أن «كتلة الوفاق النيابية صاغت مقترحا بقانون بشأن الإنصاف والمصالحة، حتى يتم تمريض من انتهكت حقوقهم وعرضوا للتعذيب، إلا أن تركيبة المجلس الحالية تحول دون تمرير هذا المقترح بقانون، إذ إننا نعتقد أنه إذا طرح سيتم إسقاطه من قبل النواب الآخرين».
وألمح إلى أنه «كانت هناك جولات من المحادثات في فترات سابقة بين قيادات الوفاق وأقطاب الحكم والقيادة السياسية في البلاد، لكننا لم نصل إلى نتيجة دقيقة، وإلى هذه اللحظة نتمسك بهذا الملف وسوف لن يسقط بحكم التقادم، فرجال المعارضة وكذلك الأشخاص المنتهكة حقوقهم مصرون على طرح هذا الملف عاجلا أم آجلا».
وأشار إلى أن «الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية هي على قناعة بأهمية هذا الملف، ولكن لاتزال لديها توجسات تجاه فتحه، وكانت لها مشاركة في المؤتمرات وورش العمل التي أقيمت في البحرين على مدى الأشهر والسنين الأخيرة، حضرها ضيف كبير من المملكة المغربية ممثل في وزير حقوق الإنسان المغربي السابق وأحد أعمدة تطبيق العدالة الانتقالية، الذي تطرق في أكثر من صعيد وموقع إلى ضرورة تطبيق هذا الأمر لأنه سيكون مجديا للبحرين».
ومن منظوره الشخصي فإن «المسألة الأساس هي أن تتفق إرادة القيادة السياسية مع إرادة الشعب، فلا بد أن يقبل أركان الحكم بهذا الأمر، وبعد ذلك من الممكن أن تتم مباحثات على مستوى ضيق بين أقطاب النظام والمعارضة بمشاركة ممثلين عن ضحايا التعذيب لكي يتم تحري المساحة المشتركة التي يمكن التوافق بشأنها، بحيث لا يكون هناك ضرر ولا ضرار، ولابد من حصول ذلك قبل أن تصدر توجيهات من القيادة السياسية بإعطاء الضوء الأخضر لهذا الأمر، وأعتقد أنه إذا حصل ذلك فلن تقف الكتل الأخرى في البرلمان ضد أي مشروع للعدالة الانتقالية».
الوسط - محرر الشئون المحلية
حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في رسالة بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي لم تصدق بعد على اتفاقية مناهضة التعذيب وعلى الأحكام الواردة في البروتوكول الاختياري الملحق بها، أن تصدق عليهما وتنفذهما بحسن نية.
وناشد جميع الدول الأعضاء أن تدعو المقرر الخاص المعني بالتعذيب ليقوم بزيارة الأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم في بلدهم، وأن تمد يد التعاون للسماح بإمكانية الوصول بشكل كامل ومن دون عراقيل إلى تلك الأماكن.
وقال بان كي مون إنه على رغم وجود إطار قانوني ومؤسسي مرموق لمنع التعذيب، فإن الحكومات لاتزال تتسامح إزاءه على نطاق واسع، بل إنها تمارسه في بعض الأحيان، وفيما يستمر إفلات مرتكبيه من العقاب.
وأضاف يأتي اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب ليمثل مناسبة لإعادة تأكيد حق جميع الرجال والنساء في العيش من دون خشية من التعذيب. وينبغي القول إنه لا مبرر على الإطلاق للتعذيب، ولا لأي شكل من أشكال المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة، أو للعقاب في أي مجتمع، وفي أي وقت، وتحت أي ظرف من الظروف.
وأردف يحلّ هذا اليوم أيضا ليتيح فرصة للتعبير عن التضامن مع ضحايا التعذيب وأسرهم، ولتأكيد ضرورة التزام جميع الحكومات بأن تحقق الإنصاف بالكامل لجميع ضحايا هذه الانتهاكات وإعادة تأهيلهم.
ووجه بان كي مون بهذه المناسبة شكره للمانحين لصندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب، وقال إنه لمّا كان صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب يقوم بمؤازرة المنظمات التي تساعد ضحايا التعذيب وأسرهم، فإنني أوجه الشكر إلى جميع المانحين للصندوق وأشجعهم على مواصلة دعم الأعمال المهمة التي يضطلع بها.
ودعا في هذا اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، إلى التأكيد من جديد الحقوق والكرامة غير القابلة للتصرف لجميع الرجال والنساء. وإلى تشديد الكفاح ضد التعذيب وضد المعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية والعقاب، في أي مكان تحدث فيه هذه التصرفات.
الوسط - مالك عبدالله
على رغم مرور 9 سنوات على دخول البحرين مرحلة الإصلاح، لاتزال الصفحة الملطخة بالدماء مفتوحة ومعها جروح عائلات الشهداء الذين سقطوا إما تحت سياط التعذيب في السجون أو في المسيرات السلمية التي كانت قوات أمن الدولة تواجهها بالعنف والرصاص الحي.
فلا تعويض ماديا أو معنويا أو حتى اعتراف بهم كشهداء للوطن، فضلا عن تحصين الجلادين بقانون 56 لسنة 2002.
من جهته قال الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي: «أن هذا الملف يحتاج إلى قرار سياسي من قبل القيادة السياسية لأنه من دون ذلك سيكون هناك تعثر دائم، وهناك جهود أهلية في هذا الاتجاه وهذا ما يسعى إليه التحالف من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة»، وأضاف «وفي الكثير من الدول يكون التحرك الأهلي متبوعا بالتحرك الرسمي، وهذا ما جرى مثلا في المغرب الشقيق، وجبر ضرر الضحايا يؤدي إلى تخفيف الاحتقانات ويعزز مشروع جلالة الملك الإصلاحي».
وتابع «ونحن نعيش اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب لذلك لابد من تعويض ضحايا التعذيب وعدم تجاهلهم، ولابد من محاسبة الجلادين وهذه المحاسبة ستجعل الجلادين يمتنعون عن هذه الأعمال وعدم محاسبتهم يعني المساهمة في زيادة التعذيب، وفي هذا الإطار يجب إلغاء قانون 56 لسنة 2002».
إلى ذلك آسف رئيس دائرة الحقوق والحريات بجمعية الوفاق الوطني الإسلامية ميرزا القطري لتعليق هذا الملف المهم حتى الآن على رغم مرور نحو 8 سنوات على إطلاق المشروع الإصلاحي، ونوه إلى أنه «لو تم حل الأمر مع بداية الانفراج السياسي لكان حله أسهل من اليوم، كما أن حل هذا الملف اليوم سيكون أسهل من حله في المستقبل»، وختم «وتأخير الحل ليس في صالح البحرين إنسانيا أو قانونيا أو حقوقيا أو سياسيا أو اجتماعيا».
ظلت أجهزة أمن الدولة تراقب الشيخ علي النجاس في جميع تحركاته وذلك بعد إطلاق سراحه من السجن بعد عام كامل من الاعتقال، ولم تستطع أن تتحمل بقاءه خارج الزنزانة لتعيد اعتقاله بعد ثلاثة شهور فقط من الإفراج عنه، وكان هذا الاعتقال هو الاعتقال الذي سطر فيه الشيخ ملحمة شهادة تحطمت أمامها كل قيود وعنجهية أجهزة أمن الدولة التي حاولت بشتى الطرق ثنيه عن الطريق الذي اختاره لكنها لم تحرك منه قيد أنملة. ليستشهد في التاسع والعشرين من شهر يونيو/ حزيران العام 1997.
وذكر هنا ابنه عبدالله «لقد قامت أجهزة أمن الدولة باعتقال والدي بعد ثلاثة شهور فقط من الإفراج عنه، فقد قامت قوات أمن الدولة بمهاجمة منزلنا؛ كسرت وخربت محتوياته وكان الهجوم أعنف من هجومها الأول بكثير»، مشيرا إلى أن «الشيخ نقل إلى سجن القلعة لبعض الوقت لينقل بعدها إلى زنزانة انفرادية، ولك أن تتصور رجلا يبلغ من العمر 47، إضافة إلى أنه كفيف البصر ويعاني من الربو يوضع في سجن انفرادي».
وأضاف «أتذكر هنا ما قاله الأمين العام لحركة حق حسن مشيمع من أنه في التاسع والعشرين من شهر يونيو/ حزيران العام 1997، أمام الضابط المسئول بعد علمه باستشهاد الشيخ، لقد توقعنا ذلك فكان الشيخ طلب نقله إلى المستشفى وما لبث حتى أرجع إلى زنزانته، وكان يعبر أثناء مروره عن انزعاجه لأنهم وضعوا عليه الأكسجين قليلا ثم نزع عنه فقال لهم إني أحتاج إلى الأكسجين لا أستطيع التنفس فقالوا لي قم إنك تلعب علينا وأدخل إلى زنزانته الانفرادية من جديد»، مشيرا إلى أن «مشيمع أوضح للضابط المسئول أن الشيخ كان يلح على ضرورة علاجه والذهاب إلى المستشفي لعدم مقدرته على التنفس وكنا نسمعه ولكنكم لم تعيروه اهتماما، إلى أن هدأ وخف صوته ثم بعد فترة أتيتم وأخرجتموه بالكرسي المتحرك لأنه على ما يبدو في حالة حرجة وذهبتم به ولم يرجع ومن حينها شككنا أن مكروها أصاب الشيخ وهذا خطأكم أن تقوموا باعتقال الشيخ وتضعوه في زنزانة انفرادية لشهور وهو مريض وكفيف البصر».
ونفى الضابط ذلك وقال: «لكن الشيخ مات من المرض وليس من الضرب، ورد عليه مشيمع بأن هذا قتل لرجل مريض بأن تضعه في زنزانة انفرادية وتمنع عنه الأكسجين والدواء ماذا يسمى ذلك».
ويروي شقيق الشهيد نوح خليل عبدالله آل نوح (سعيد) ظروف استشهاد نوح قائلا: «اشتغل نوح بعد تخرجه في الأعمال الحرة، فكان يساعد أخاه الأكبر في محلهما التجاري وكان يعشق العمل بدرجة كبيرة، إذ كان يخرج منذ الصباح الباكر ولا يعود إلى المنزل إلا ليلا وكان يخرج من المنزل إلى الدكان، والعكس صحيح».
بعد غروب شمس يوم السبت 19 يوليو/ تموز 1998 وارتفاع الأذان، ذهبت إلى الصلاة في المسجد القريب وطلبت من الشهيد عمل الترتيبات اللازمة استعدادا لإغلاق المحل... في هذه الأثناء حضر بعض الرجال في لباس مدني وأخذوا نوح معهم وقاموا بإغلاق المحل وتسليم مفاتيحه إلى المحل المجاور له، ولما حضرت استغربت من إغلاق المحل من دون وجود أخي فأخبرني صاحب المحل المجاور بما جرى وأن رجالا يعتقد أنهم من الدفاع المدني أخذوه معهم.
نوح (22 عاما) لم يكن يعرف ماذا يدور من حوله، لكن القدر المتيقن أنه عرف أنهم قوات أمن متنكرة في زي مدني، وذهبنا إلى مراكز الشرطة المختلفة... ذهبنا إلى مقر وزارة الداخلية (القلعة)، مركز النعيم، مركز العدلية، ولكن لم تسفر محاولاتنا عن أية نتيجة، وعاودنا المحاولة الواحدة تلو الأخرى طيلة 27 ساعة، وما تلقيناه فقط من إجابات تلك المراكز، بأنها لا تعلم بوجود نوح في أي من مراكز الاحتجاز.
ويضيف شقيقه «استمر هذا الوضع المبهم إلى نحو 3 أيام، وفي ظهر يوم الاثنين اتصل بي أحد رجال قوات الدفاع المدني، وقال (هناك من ينتظرك في المستشفى العسكري)... وطول الطريق كانت تراودني سيناريوهات محتملة بشأن وضع أخي الصحي، لكنها كانت الصدمة المدوية، ما إن وطئت قدماي المستشفى حتى كان بانتظاري خبر أكبر من الصاعقة... (أخوك نوح فارق الحياة)، ودوّن في الإفادة الطبية أن سبب الوفاة فشل قلبي، لكني لم أصدق هذا السبب، لأن نوح لم يكن يعاني من مرض قلبي... إن آثار الحرق والضرب والتعذيب بالمكواة رسمت في جسم هذا الشباب... فعلا، كانت صدمة كبيرة جدا لي وللعائلة وللأصدقاء ولكل أهالي المنطقة، فعلى المستوى الأسري، كان نوح أصغر الأبناء، وكنا نعتبره بسبب ذلك «الابن المدلل»... إنها صدمة من العيار الثقيل كان وقعها شديدا على كل من عرفه أو سمع عنه، وما يثير الحرقة أن نوح استشهد تحت وطأة ما يمكن أن نطلق عليه (قتلا متعمدا)».
استشهد سعيد الإسكافي في صباح السبت الثامن شهر يوليو/ تموز 1995، في السجن تحت وطأة التعذيب، ولم يكن الحاج عبدالرسول الاسكافي عندما طلب منه مسئولو وزارة الداخلية في ذلك اليوم مستعدا لسماع خبر استشهاد ابنه «سعيد» تحت وطأة التعذيب، وخصوصا أن المسئولين لم يخبروه بالوفاة. وعندما اكتشف الرجل ما حدث لابنه كاد يموت على الفور، وأغمي عليه فعلا بعد رجوعه من المستشفى ومعه جثة ابنه. كان سعيد الاسكافي الذي ولد في 7 مارس/ آذار 1978 واحدا من كثيرين تعرضوا لتعذيب بشع.
وسعيد طالب بالصف الأول الثانوي بالثانوية العامة الصناعية. وخرج في بعض المظاهرات شأنه شأن غيره من الشباب المتطلع لحياة سياسية منصفة.
عاش الشهيد يتيما بعد أن توفيت والدته وتركته مع خمس أخوات وستة إخوة قبل بضع سنوات، بالإضافة إلى ثلاث أخوات وأخ من والده الذي تزوج بعد وفاة والدته، وكانت آثار التعذيب واضحة على كل أنحاء جسمه. وشاركت جموع غفيرة من المواطنين في تشييعه إلى مسقط رأسه في منطقة النعيم، ووفقا لروايات مختلفة فإن سعيد «تعرض لاعتداء جنسي قبل قتله»، وكتب والده رسالة إلى وزارة الداخلية يطلب فيها إجراء تحقيق عادل في القضية، ولكن لم يرَ أذنا صاغية حينها.
العدد 2485 - الجمعة 26 يونيو 2009م الموافق 03 رجب 1430هـ