ينظر مسيحيو العراق بقلق الى مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، متخوفين وخصوصاً من الحالة الامنية التي تشهد منذ 2003 صراعاً دامياً قتل فيه مئات المسيحيين ودفع أعداداً كبيرة منهم للهجرة.
ويقول رئيس أساقفة كركوك والسليمانية (شمال) للمسيحيين الكلدان المطران لويس ساكو لوكالة «فرانس برس»: «لدينا مخاوف من الانسحاب الأميركي رغم وجود طمأنة من قبل القوات الأمنية».
ويضيف «هناك فشل في ضمان سلامة المسيحيين وقوات الأمن ليست معدة بشكل كافٍ لضمان حمايتهم وحماية الجميع، ورغم أننا طالبنا مراراً برفع درجة الحذر إلا أن النتائج غير مشجعة».
ويوضح ساكو أن «الوضع الإقليمي المحيط بالعراق مخيف والتدخلات قائمة وقواتنا الجوية والبحرية غير قادرة على أداء مهامها، وتشكيل القوات يعتمد المحاصصة، وهذه مسائل لا تبشر بالخير».
وأكملت القوات الأميركية صباح الأحد انسحابها الكامل من البلاد بعد تسع سنوات من الاجتياح الذي خلف صراعاً مسلحاً دامياً قتل فيه عشرات الآلاف، وشهد بين العامين 2006 و2007 حرباً طائفية بين السنة الشيعة حصدت أرواح الآلاف.
وتركت القوات الأميركية العراق بعد ساعات من انزلاق البلاد نحو أزمة سياسية مستجدة باتت تهدد التوافق السياسي الهش الذي استندت إليه عملية تشكيل الحكومة قبل عام.
وإلى جانب الأزمات السياسية، يلوح تحد أمني خطير أمام بلاد لا تزال تشهد أعمال عنف شبه يومية منذ العام 2003، وآخرها مقتل أكثر من 60 شخصاً وجرح العشرات في سلسلة تفجيرات هزت بغداد الخميس.
ويشكك مسئولون عراقيون وأميركيون في قدرة القوات الأمنية العراقية على حماية حدود البلاد وخصوصا الجوية رغم أنهم يقرون بأن عمل هذه القوات شهد تحسناً على صعيد الوضع الداخلي حيث انخفضت معدلات العنف خلال السنوات الماضية.
وقالت سلفان يوحنا متي (59 عاماً) وهي موظفة متقاعدة في كركوك إن أولادها الثلاثة «غادروا البلاد، إلى لبنان وبلجيكا والسويد».
وأضافت «أنا باقية بشكل مؤقت وانتظر المغادرة في أي لحظة»، مشيرة إلى أن «المسيحيين الذين يتركون بغداد إلى كركوك أو إقليم كردستان يعتبرون مقرات الإقامة الجديدة مجرد محطات مؤقتة للهجرة النهائية».
وتابعت أن «التطرف والمستقبل المجهول والصراعات القومية والدينية والمذهبية والطائفية تجعلنا نفقد الثقة بالأوضاع، وبالأخص بعد رحيل الأميركيين».
وبلغت أعداد المسيحيين في العراق نحو مليون نسمة قبيل 2003، إلا أنها تراجعت اليوم وتدنت إلى نحو 400 ألف نسمة يتوزعون وخصوصاً على المحافظات الشمالية والعاصمة بغداد، وفقاً لأرقام الكنائس ومراكز الأبحاث.
وتعرض المسيحيون خلال السنوات الماضية إلى عدة هجمات دامية.
ويقول ساكو إن 57 من بين نحو 170 كنيسة ودار عبادة استهدفت في العراق منذ 2003 وحتى اليوم، فيما أدت هذه الهجمات إلى مقتل 905 مسيحيين وإصابة أكثر من ستة آلاف بجروح.
وقتل في نوفمبر من العام الماضي 44 شخصاً في عملية تفجير نفذها تنظيم القاعدة في كاتدرائية في بغداد، في أكبر اعتداء على المسيحيين في العراق حمل المئات منهم على الرحيل.
ويقول ساكو إن «هجرة المسيحيين تضاعفت رغم انحسار الهجمات التي تستهدفهم مؤخراً لأن المسيحيين يبحثون عن الأمن والاستقرار وضمان مستقبل آمن لأولادهم ويبدو أننا عاجزون عن إيقاف هذه الهجرة حالياً».
ويشير إلى أن «الهجرة تشمل عموم المدن التي يتواجد فيها المسيحيون، بغداد وكركوك والموصل وإقليم كردستان».
ولا يرتبط قلق المسيحيين في العراق بما يحدث في البلاد فقط، إذ يثير مخافوفهم تصدر الإسلاميين المشهد السياسي في عدد من هذه الدول العربية، وكذلك بوادر صراع كبير بين السنة والشيعة.
ويقول حنا إن «السنوات القادمة ستكون صعبة جداً على الجماعات المسيحية في الشرق الأوسط والوطن العربي (...) إذ إن الجميع أمام تحد يكمن في مدى المحافظة على هذه الجماعات وصون حقوقها وخصوصيات دياناتها وتقاليدها».
ويوضح «لا أعرف كم من النضوج متوفر لدى قادتنا وسياسيينا وأصحاب ثورات الربيع العربي حتى يتفهموا هذا التحدي ويجعلوه ممراً لخير وبناء الوطن»
العدد 3395 - الجمعة 23 ديسمبر 2011م الموافق 28 محرم 1433هـ