دعا حقوقيون ونواب سابقون إلى إعادة النظر في الآليات المتبعة في عمل تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، ليشمل كل الجهات والوزارات الحكومية، مع تسليط الضوء على كل التجاوزات والفساد المالي والإداري في تلك الجهات.
وأشار الحقوقيون والنواب السابقون إلى أن التقرير يركز على جهات معينة، ويستعرض جزءاً من المخالفات والتجاوزات فيها، ويُظهر أن هذه الجهة أو تلك، لا توجد فيها تجاوزات ومخالفات غير التي يستعرضها التقرير.
وطالبوا بأن يشمل تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، كل الجهات الحكومية والرسمية في البحرين، دون استثناء أية جهة.
جاء ذلك خلال حلقة حوارية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية، في نادي العروبة، مساء أمس الأول (الإثنين)، والتي شارك فيها رئيس الجمعية عبدالنبي العكري، والنواب السابقون محمد جميل الجمري، وجاسم حسين، وعبدالنبي سلمان، ومدير مركز الدراسات والاستشارات وخدمة المجتمع بجامعة دلمون، عيسى سيار.
ونوّهت الجمعية إلى أنها وجهت دعوات لوزارة المالية ومجلس المناقصات وعدد من النواب الحاليين، ومصرف البحرين المركزي، إلا أنهم لم يحضروا الحلقة النقاشية، واعتذر منهم رئيس مجلس المناقصات، وزير الإسكان باسم الحمر فقط، فيما لم يعتذر البقية ولم يحضروا.
من جانبه، قال النائب السابق، جاسم حسين: إنه «استمر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية كما كانت التقارير السابقة، دون الإشارة إلى جهات مهمة وحيوية، وهذا يعتبر نقصاً لا يمكن استمراره، إذا ما تم اعتبار التقرير ذا مصداقية».
واعتبر حسين أن التقرير «مازال يفشل في توفير أسباب انتقاء بعض الوزارات في الحديث عن مخالفاتها، وهذا النقص واضح وصريح. وفي التقرير الجديد للعام (2010)، بالكاد تتم الإشارة إلى الأجهزة الأمنية، وخصوصاً أنها مصدر للتوظيف. والكثير من النفقات في الأجهزة الأمنية لا تدرج في التقرير».
وأوضح أن «الوزارات التي تتم دراسة حالتها، يتم التركيز على أمور محددة فيها، دون النظر إلى المشكلات الأخرى، فمثلاً وزارة التربية والتعليم، تم التركيز على موضوع توظيف أشخاص لا يحملون مؤهلات أكاديمية، في حين لم يتم التطرق إلى المشكلات الأخرى في الوزارة».
واعتبر حسين أن «بعد مرور 10 أعوام على إنشاء ديوان الرقابة، من الواضح أن لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة، وهذه الآلية في العمل، وأن لا يكون لمجلس النواب دور في ترتيب الموضوعات. على أقل تقدير لابد أن يكون للمجلس دور في تحديدها».
إلى ذلك، أشار رئيس الجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري، إلى أن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، «لم يورد فيه كلمة فساد، ولم يتم توثيق الفساد، وكل ما ذكر هو بصورة تجاوزات. كما إن ما ذكر في تقرير العام (2010)، قد يكون مستمراً من الأعوام الماضية، وليس بالضرورة أن تكون التجاوزات المذكورة جديدة».
وذكر أن «من بين قضايا الفساد التي لم ترد في التقرير، قضية أملاك الدولة وتحولها من الأملاك العامة إلى الخاصة، والتي أعتقد أنه لم يرجع قدم واحد من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها. كما لم يتضمن التقرير فساد شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وهي المتورطة فيها أيضاً شركة ألكو، المصدرة للألمنيوم الخام، والتي تم كشف الفساد فيها بعد أن قدمت نقابة شركة ألكوا شكوى فساد في الشركة، ذلك إلى جانب فضيحة صفقة طيران الخليج، لتطوير أسطولها».
ورأى العكري أن «هناك تجاوزات وردت في التقرير، قد ترقى لتكون فساد، مثلاً قضية التعاقد مع شركات إعلانات وعلاقات عامة دون إدراجها ضمن مناقصات، والمنافع الاستثنائية لأشخاص معينين والامتيازات التي يحصل عليها المسئولين».
وأضاف «وأيضاً قضية التوظيف في الحكومة الذي لا يتم عن طريق مباراة المتقدمين، بل عن طريق الوزير أو رئيس الهيئة أو مدير الموارد البشرية».
واستكمالاً لما ذكره العكري، تحدث نائب الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، عبدالنبي سلمان، عن ما أسماه بـ «التجاوزات التي تكررت في بعض الجهات الحكومية»، مشيراً إلى أن «الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، تكررت فيها التجاوزات بشكل سنوي، وهي التي أنشئت في العام 2008، فمن الواضح التجاوزات في الهيئة، فهي تفتقر لقسم لإدارة المخاطر، رغم أنها تدير أموال استثمارية تصل قيمتها إلى 3 مليارات. وعدم إيجاد قسم لإدارة المخاطر هو تعمد وليس إغفال من إدارة الهيئة».
وبيّن سلمان أن «الهيئة تتأخر في إصدار تقاريرها وبياناتها المالية، وقد تتأخر إلى عام. ولا توجد رقابة داخلية في الهيئة. والهيئة دخلت في استثمارات مع بنوك وشركات دون الدخول في عقود. كما لا توجد سياسة واضحة في منح القروض للشركات والمؤسسات الخاصة».
ولفت إلى أن «لم يفعل حتى الآن دمج الهيئتين. هيئة صندوق التقاعد وهيئة التأمينات الاجتماعية».
وعن صندوق العمل (تمكين)، ذكر سلمان أن «من بين التجاوزات في تمكين، زيادة رواتب الموظفين بنسبة وصلت إلى 166 في المئة، على الراتب الأساسي، وجاءت هذه الزيادة بناءً على دراسة قام بها قسم الموارد البشرية في تمكين».
وقال إن: «تمكين تدعم قروض الموظفين الشخصية، وقروض السيارات، إذ تتحمل سداد فوائد القروض الشخصية، فهي تدفع 80 ألف لقروض الموظفين، و100 ألف لقروض الرئيس التنفيذي ونائب الرئيس، إضافة إلى 120 ألف دينار لقروض أصحاب المناصب القيادية».
وتابع سلمان «كما يوجد نظام سخي للتأمين الصحي والتأمين على الحياة للموظفين في تمكين، وهذا نظام لا يوجد في بقية المؤسسات الحكومية»، منوّهاً أن «هناك أكثر من 82 مشروع، قيمتها 155 مليون دينار، يدقق عليها موظف واحد فقط».
وتطرق سلمان إلى هيئة الكهرباء والماء بالقول: «خلال عامين هناك 76 مليون دينار، لم يتم تحصيلها من المواطنين، في حين أنه في العام 2002 كانت متأخرات الكهرباء 14 مليون دينار فقط. بينما وزير الطاقة قال مؤخراً إن هناك 69 مليوناً لم يتم تحصيلها حتى نهاية 2011، منها 22 مليون دينار لفواتير تزيد عن 20 ألف دينار».
وأضاف «من بين التجاوزات في الهيئة، أنها وحتى يوليو/ تموز 2011، لم تقدم بياناتها المالية، وهذا يتعارض مع قانون الموازنة المالية، الذي يوجب أن تصدر كل 3 أشهر بيانات مالية».
واستطرد سلمان في حديثه «أما من بين التجاوزات التي تقع وزارتي الصحة والداخلية تتجاوز الميزانيات المسموح بها، دون ذكر المبررات. كما أن وزارة المالية لم تضع استراتيجية محددة لسداد الدين العام، على الرغم من وجود العوائد المالية من النفط، ولا توجد لدى وزارة المالية سياسة محددة للاقتراض مع مصرف البحرين المركزي».
وبشكل عام، لفت سلمان إلى أن «كل الوزارات التي ورد اسمها في تقرير ديوان الرقابة المالية، تجاوزت قانون المناقصات، وهي مستمرة في هذه التجاوزات منذ العام 2002».
من جانبه، تحدث مدير مركز الدراسات والاستشارات وخدمة المجتمع بجامعة دلمون، عيسى سيار عن آليات الرقابة وأدواتها في مجلس النواب، معتبراً أن «تلعب أدوات الرقابة في أي بلد ديمقراطي، دوراً حاسما في ملاحقة المتورطين في الفساد».
وذكر سيار أن «مكافحة الفساد وردت في ميثاق العمل الوطني، ودستور 2002، ووردت مواد في الدستور تلزم الملك بأن يسائل ويحاسب المتورطين والمتجاوزين».
وعبر سيار عن شكه في «أشك في استقلالية ديوان الرقابة المالية، فالتقرير يمر بمراحل غربلة، ومع ذلك يأتي بهذه التجاوزات. فما بال لو جاء التقرير بصورته الأولية قبل الغربلة؟».
ورأى سيار أن «ما ورد من نصوص في الدستور حول مكافحة الفساد، لا يرقى بالمستوى المأمول ليقوم المجلس بدوره المطلوب. فالأخير لم يتمكن من أداء دوره بالشكل المطلوب، كما إن التجاذبات التي كانت تحصل بين نواب المعارضة ونواب الموالاة، أثر سلباً على مكافحة الفساد».
إلى ذلك، بيّن النائب السابق، محمد جميل الجمري، أن ديوان الرقابة المالية والإدارية، يقوم بالرقابة على أموال الدولة، ويتحقق من تنفيذ القرارات الإدارية. وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2010، صدرت تعديل بعض أحكام قانون ديوان الرقابة المالية، والتي كانت تعتبر بمثابة التطوير في القانون، إلا أن هذا التطوير جاء بصورة عكسية، فمثلاً المادة الرابعة، تقول إن الجهات المشمولة، هي الوزارات الحكومية، إلا أننا نجد استثناء وزارة الدفاع من المراقبة».
وأفاد الجمري «عندما كنا بمجلس النواب التقينا برئيس ديوان الرقابة المالية حسن الجلاهمة، أبدى تعاوناً وثيقاً معنا، إلا أننا فوجئنا بعد ذلك أن الأمر تغير، ولم نعرف الأسباب».
وتحدث الجمري عن الدَّين العام للبحرين، واصفاً إياه بـ «معضلة كبيرة، وونحن نمر عليها دون أن نوقف عليها الوقوف المناسب. فالدَّين العام تضاعف بنسبة 100 في المئة، خلال خمس أعوام الماضية».
وقال: «إذا استمر الدين العام خلال الأعوام المقبلة، فذلك سيؤثر على الأجيال القادمة».
وبيّن أن «مشكلة الدين العام لحد الآن لم تأخذ الحساسية المناسبة التي تستحقها، فنحن بحاجة إلى تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع. ونحن سمعنا عن الدعم المقدم من دول مجلس التعاون، ولكن لم نعرف حتى الآن، هل هو دَين وسداده بشروط ميسرة، أم منحة. ونخشى أنه بدلاً من أن نقدم مزيداً من الخدمات إلى المواطنين، تُستنزف هذه المنح في سداد الدين العام»
العدد 3441 - الثلثاء 07 فبراير 2012م الموافق 15 ربيع الاول 1433هـ