فريقان متعارضان تماماً في الرأي والموقف والأداء فيما يتعلق بتوزيع الدوائر الانتخابية النيابية في البحرين وهما فريق المعارضة بما فيه من الجمعيات السياسية وأكبرها الوفاق والمؤتمر الدستوري والكتلة الاسلامية النيابية وعدد من النواب، والفريق المقابل الذي يرى أن التوزيع الحالي عادل ويراعي خصوصية البحرين ويراعي التمثيل لكل الأطياف بما فيها الحكومة التى رسمت الدوائر عن طريق الجهاز المركزي للمعلومات ودائرة الشئون القانونية وكتلة الأصالة الاسلامية النيابية وكتلة المنبر الاسلامي النيابية وكتلة المستقلين النيابية وآخرين...
في «الوسط» وجهنا عشر دعوات للطرفين مناصفة إلى المشاركة في ندوة عن توزيع الدوائر الانتخابية وتم تذكيرهم قبل الموعد ومتابعتهم ولكن في يوم الندوة حضرها خمسة من معارضون فقط واعتذر من اعتذر من الحكومة والكتل الأخرى وغاب من غاب.
شارك في الندوة: الباحثة في مجال النظم والدوائر الانتخابية فريدة غلام وعضو شورى الوفاق جلال فيروز وأمين عام المؤتمر الدستوري عزيز أبل والنائب الذي قدم مقترحات تغيير الدوائر ومقترح المحافظة الغربية جاسم عبدالعال وممثل الكتلة الاسلامية محمد عباس آل عباس وكان هذا الحوار في حلقته الاولى...
* ما قراءتكم لتوزيع الدوائر الانتخابية في البحرين؟
- فريدة غلام: إن المعيار الأهم الذي تتناوله معظم أدبيات الانتخابات هي أهمية تحقيق المساواة في القوة التصويتية بأن يكون لأي ناخب في اي دائرة انتخابية صوت مساو لنظيره في أية دائرة أخرى... ولكن هذا المعيار منسوف للأسف في البحرين! على رغم أن هذا المعيار يتم الحرص على تطبيقه في اي بلد ينفذ نظام الدائرة الانتخابية فردية العضوية مثل الهند وبريطانيا وأميركا.
وللعلم بأننا استوردنا نظامنا الانتخابي من بريطانيا وقلدناه على رغم أن هذا البلد يعمد لإعادة دراسة توزيع الدوائر الانتخابية بين فترة تتراوح بين و عاماً وذلك من اجل تعديل اي خلل يطرأ على توزيع الدوائر الانتخابية وذلك من اجل ضمان تساوي مجموع الكتل الانتخابية بين جميع الدوائر... ولكن في البحرين تنسف هذه القواعد والنظم الانتخابية تماما فمجموع الناخبين في دوائر في المحافظة الجنوبية تعادله دائرة واحدة من دوائر الشمالية.
«جريمندري» والتجيير
كما أن هناك خرقاً لشكل الدوائر الانتخابية بما يسمى «جريمندري» في البحرين اي أن التوزيع يكون من اجل خدمة المصلحة السياسية للحكومة... مثل تركيز طوائف أو مجموعات تعتنق فكراً يقترب من الفكر الحكومي في منطقة انتخابية محددة من أجل ضمان فوز مرشحيها الذين يوالونها... على رغم أن النظم الانتخابية العالمية تعالج وضع الطوائف والأقليات بما يسمى نظام الحصة التمثيلية. وشهد هذا النظام تطورات كثيرة ولعل أميركا أبرز مثال لتعديلات دستورية من اجل ضمان أن يكون لكل الفئات تمثيل بما في ذلك الأقليات.
- جلال فيروز: الدوائر الانتخابية في العام كانت دوائر يمكن لأكثر من فرد الترشح والفوز فيها ولكن المرسوم بقانون رقم لسنة اعتبر الدوائر فردية ووزعها ضمن حدود المحافظات، ويبدو أن التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية في البحرين يمثل في عدد منها ما يسمى «جريمندري» وهو تجيير رسم الدائرة الانتخابية من أجل تحقيق فوز المرشح المناسب للسلطة الحاكمة وهو ما عمل به في بعض الدول الأوروبية ولكنه اختفى الآن بعد أن شهدت معارضة وطنية في تلك الدول.
وكان هناك استفراد من قبل الحكومة قبل انعقاد مجلس النواب بالتشريع، إذ صدر هذا المرسوم بتوزيع الدوائر الانتخابية إذ شهدت خللاً كبيراً وواضحاً وفارقاً شاسعاً بين عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية من اجل إحراز مقاعد نيابية قريبة من الرأي الحكومي.
المرسوم بقانون رقم كذلك حرم نواب الشعب من ميزة رسم الدوائر الانتخابية بأنفسهم، وذلك لأن دستور العام حذف كلمة «قانون» من المادة الدستورية الخاصة بالدوائر الانتخابية وبالتالي صدر المرسوم الملكي بناء على قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يحدد بمرسوم يصدره جلالة الملك.
وعلى الصعيد الدولي فإن المعهد الدولي للديمقراطية والدعم الانتخابي يقول على رغم أن لكل دولة ذات سيادة الحق في اختيار نظامها الانتخابي وتوزيع الدوائر الانتخابية، فإنه يجب ألا يخرج عن المعايير الدولية... ويقول إنه يجب ان تشرع القوانين الانتخابية بواسطة المجالس التشريعية المنتخبة ولا يجوز أن تشرع بواسطة المراسيم الصادرة من السلطات الحاكمة.
ولاحظنا أنه قد تمت اضافة آلاف الناخبين إلى بعض الدوائر الانتخابية ولا نعرف على أي معيار تم ذلك... كما أن بعض الارقام التي تطرحها الحكومة والتي نشرتها الصحافة المحلية نقلا عن مناقشات النواب مع الوزراء محل تعجب فكيف يكون عدد القاطنين في دائرة انتخابية أقل من كتلتها الانتخابية وهو مستحيل، ما يطرح أسئلة عن صحة هذه الأرقام والتوزيع برمتيهما. فحسب إفادة وزير سابق لشئون مجلس الوزراء أن عدد القاطنين في الدائرة السادسة الجنوبية يبلغ شخصاً بينما كانت حجم الكتلة الانتخابية شخصاً، فكيف يكون ذلك؟!
إحصاءات متناقضة!
وبحسب احصاءات العام كان عدد القاطنين في دوائر المحافظة الجنوبية نحو شخصاً ولكن إفادة الوزير أشارت إلى أن هذه الدوائر تحتوي على نحو ناخب أي بزيادة مقدارها في المئة وهذا أمر مستحيل!
- عزيز أبل: يتضح من الوجهة السياسية وجود تفضيل على أساس عنصري لقبائل ومجموعات مواطنين يعتنقون مبادئ ورؤى معينة، إذ يحظون من قبل السلطة على عناية ووزن أكثر من نظرائهم المواطنين في الدوائر الأخرى فالواضح من التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية أن أهالي المحافظة الجنوبية هم درجة أولى وأعطوا وزنا أكثر مما يستحقون وفقا للمعايير الدولية التى تصر على مساواة الأصوات في الدوائر على اساس العدالة... فالحكومة بحسب أحد الاحصاءات أعطت ألف مواطن في محافظة واحدة مقاعد نيابية مقارنة بدائرة واحدة في المحافظة الشمالية التي يسكن فيها ألف شخص يمثلهم نائب واحد فقط... أين العدالة؟! هذا يعني مفهوما واحدا فقط «هؤلاء هم عيال الشيخة مقابل عيال العبدة»! هذه نظرة عنصرية.
وفي المحافظة نفسها نجد أن هناك تمييزاً طائفياً ففي دائرة يقطنها مواطنون منتمون للطائفة (...) الكريمة تبلغ كتلتها الانتخابية ألف ناخب (الدراز والقرى المجاورة) مقابل دائر مجاورة يقطنها مواطنون ينتمون للطائفة (...) الكريمة تبلغ كتلتها الانتخابية ناخب فقط (البديع والجسرة) وهذا يعني بشكل واضح تمييزاً وتفضيلاً على أسس طائفية... ويبين هذا التوزيع ان هناك درجات للمواطنة في هذا البلد وهذا غير مقبول من قبل الحكومة! وهذا لا يعني وجود ديمقراطية ولا مساواة ولا عدالة... وأعتقد أن من يدافع عن هذا التوزيع يسيء لنفسه.
- محمد آل عباس: اتفق مع ما تم طرحه من تناول لمدى الظلم الواقع في توزيع الدوائر الانتخابية... هذا التوزيع الحالي يعكس حال التمييز وانعدام العدالة بين المواطنين بالنسبة إلى المواطنين... نحن نرى أن هذا التوزيع الذي لم يشرعه نواب الشعب بل شرعته السلطة التنفيذية يعكس توجهاتها في تسيير قدرة الشعب على اتخاذ القرار والمشاركة السياسية في الحكم على حد معطيات المشروع الإصلاحي والحال الراهنة لتوزيع الدوائر الانتخابية تبين بجلاء أن ما تفرزه هذه الدوائر لا يطابق الواقع بل يخالفه.
وبالتالي فإن كل ما بني على هذا الأمر يعتبر باطلاً لأن هذا التوزيع يعتبر تزويراً لإرادة الشعب. وعليه، فإن جميع القرارات الناتجة عنه هي قرارات باطلة وتعطي إيحاء بأنها مزورة وغير حقيقية بما يعطي المراقب الخارجي تصوراً بالتجربة الديمقراطية في البحرين صورية فقط لأن صوت مواطن في المحافظة الجنوبية يعادل أكثر من ضعفاً في محافظات أخرى...
عاطلون أكثر من الناخبين!
ووجدنا من خلال التجربة أن عدد العاطلين في منطقة معينة يفوق من يحق لهم التصويت في دوائر انتخابية... هذا يعكس بجلاء حال التمييز وغياب العدالة والمساواة وكأن المعايير التي بني عليها التوزيع للدوائر الانتخابية إنما هي معايير سياسية ووضعت من اجل تجيير الإرادة الشعبية التي يفترض منها أن تكون ارادة حرة ونابعة من ضمير الأمة بهدف اتخاذ مواقف غير حقيقية وغير واقعية، ما يعطي انطباعاً بأن العملية الإصلاحية والديمقراطية في البحرين عملية صورية.
* ولكنك عضو في «النواب» يا محمد...
- محمد آل عباس: هذا صحيح ولكن توزيع الدوائر الانتخابية يجب أن يعكس التركيبة السكانية، وهذا غير الواقع... فماذا تريدني أن أطلق عليه؟! هي دوائر غير حقيقة وبالتالي فإن ما يصدر عنها يعتبر قرارات باطلة! وغير حقيقية! وبالتالي فإن التجربة تعتبر مزورة... وهذا يعكس أيضا التركيبة الحالية للمجلس فهي تركيبة غير متوازنة ولا تعكس التمثيل الحقيقي والواقعي لشعب البحرين وأفضى لتشكيل نيابي محافظ تماما بدليل أن التشريع يسير في الاتجاه المعاكس لما يريده الشعب بل ويتجه إلى تقليص صلاحياتهم أنفسهم قبال الحكومة!
* لا عاقل ومنصف... ؟!
- جاسم عبدالعال: لا اعتقد أن أي شخص عاقل لديه ضمير حي ومنصف يمكنه أن يقر بأن التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية عادل بأي مقياس من المقاييس أو المعايير أو يدعي بأن التوزيع الحالي يعكس الثقل الانتخابي للمواطنين... فهو بعيد كل البعد عن المقاييس والاعراف ولا اعتقد أنه توجد دولة في العالم تقر التوزيع بهذه الطريقة فحتى اليمن لا تتعدى نسبة الفرق في عدد الناخبين بين الدوائر نسبة في المئة...
* ما وجه المقارنة بين نظام الانتخاب للعام والعام م؟
- فريدة غلام: الدوائر في العام أصبحت أصغر مقارنة بالتجربة السابقة فقد كان عدد الدوائر الانتخابية دائرة زادت إلى دائرة، وهذا يجري في اتجاه معاكس فنيا لما تجري عليه العمليات الانتخابية الحالية وتطورها با
العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ