مجلة «نصوص معاصرة» تعنى بترجمة النتاج الإيراني في قضايا الفكر الديني المعاصر للقارئ العربي، وهي أيضاً مؤشر على مدى تطور «الفقه المقاصدي» وعلم الكلام الجديد في حوزة قم الدينية.
احتوت المجلة في عددها الخاص الذي صدر حديثاً على مقدمة وملف ودراسات وقراءات. في المقدمة، تحدث حيدر حب الله عن موضوع «الفكر الديني بين العقل الفلسفي والعقل النصي». وبحسب حب الله، فإن الفرق بين «العقلين» هو أن العقل الفلسفي يسعى إلى فهم العالم فهماً مباشراً، في حين أن العقل النصي لا يفهم العالم سوى بوساطة النص. وبعد أن يفصل الفرق بين الاثنين يتساءل «هل يمكن الجمع بين العقلين؟». بعد هذا التساؤل يطلق الكاتب مبادرة توفيقية تسعى إلى الأخذ بإيجابيات «العقلين» عن طريق «ممارسة نقد داخلي هادئ» لكليهما للحد من السلبيات التي تعلق بهما.
ملف العدد جاء تحت عنوان «علم الكلام الإسلامي ومشروع الدفاع العقلاني عن الدين/ القسم الثاني» وتمت تغطيته عبر ندوة وأربعة مقالات. تناولت الندوة عدة محاور مهمة هي: المنهج الكلامي ووظائف المتكلم، جدوائية الدفاع العقلاني عن الدين، هل هناك فلسفة إسلامية؟، تفسير مناهضة الكلام في التراث الديني، هل النزاعات الدينية قابلة للحسم؟ تحدث في الندوة مصطفى ملكيان وهو أستاذ جامعي، محمد لغنهاوزن وهو باحث أميركي مسلم وأستاذ جامعي، غلام أعواني وهو أستاذ جامعي، الشيخ جعفر السبحاني وهو من أبرز علماء الكلام المعاصرين في إيران، ورضا داوري وهو أستاذ جامعي.
في 30 صفحة تقريباً كتب الشيخ محمد تقي سبحاني مقالاً تحت عنوان «العقل والنص في الكلام الإسلامي، قراءة في الإشكالية». تناول المقال عدة محاور من ضمنها: دور أهل الحديث في الاتجاه النصي، أسباب نشوء الظاهرة العقلانية في التاريخ الإسلامي، الأشعرية وتاريخ الصيرورة العقلانية، المنهج الماتريدي والتوظيف العقلاني، وغيرها. وقد خلص الكاتب إلى أن تيار العقلانية وتيار النصية قد «غفلا عن مصاعب الطريق والحلول التي يمكن للتيار المقابل تقديمها»، كما كشف عن فرق أساسي بين التيارين «إذ تتمتع العقلانية بحماس أكبر، خلافاً للنصية التي تتشبث بمواقفها أكثر»، وقد ختم مقاله بنتيجة مفادها «ما لا يمكننا الالتزام به بتاتاً، هو حذف أحد البعدين: الدين، والعقل، أو الإجحاف في حقهما، بل الجمع بينهما من أهم أهداف علم الكلام في عصرنا الحاضر، مع الحفاظ على كل منهما».
في مقال آخر كتب الشيخ رضا برنجكار عن «ماهية العقل وأزمة التعارض مع الوحي». استعرض الكاتب المعنى اللغوي للعقل ثم المراد منه في المصادر الإسلامية وفي مصطلح الفلسفة الإسلامية وبعد ذلك بحث العلاقة بين العقل والوحي. ويخلص الكاتب إلى أن «العقل والوحي نوران لا يستغنيان عن بعضهما» وأن العقل يدافع «بكل ما أوتي من قوة عن الوحي، ويبين معقوليته على أقل تقدير، وينفي استحالة المعارف الدينية»، وكنتيجة خاتمة يقول «إذاً لا يتعارض العقل مع الوحي».
محمد تقي فاضل، في مقال آخر، يتناول موضوع «مفهوم العقل بين الفلسفة والدين، قراءة نقدية مقارنة». منذ البداية يتساءل «إلى أي حد تتسع دائرة العقل في المعارف الدينية؟ وهل يتمكن العقل البشري من تحليل القضايا الدينية؟» للإجابة على هذه الأسئلة يبحث الكاتب عن معنى العقل في الفلسفة ثم مفهوم العقل في الكتاب والسنة وبعد ذلك يتحدث عن فوارق العقل الفلسفي عن العقل الديني، ويخلص إلى أن العقل الديني هو عقل قيمي أخلاقي إذ يقول «للعقل في التراث الديني معنى قيمي فقط، ولا علاقة له بالمناهج» ويضيف «أن معنى الرب الذي نميل إليه بالعقل الديني، غير معناه الذي يتكلم عنه العقل الفلسفي».
«عقلنة الدين، قراءة تاريخية في المشهد الغربي» هو عنوان المقال الذي كتبه الشيخ أكبر قنبري. تحدث في البداية عن الدين لدى تيارات عصر التنوير، وكإفرازات لهذا العصر تناول أدوار ثلاثة فلاسفة: هيوم ومذهب الشك الفلسفي، كانط ونقد العقل المحض، هيغل وعودة المشروع العقلاني للدين. بعد ذلك تحدث عن التفسير السيكلوجي للدين عند فيورباخ ثم الماركسية والتحليل الاجتماعي للدين ثم اللامعقول الديني المعاصر عند كيركجارد وأخيراً تحدث عن عقلانية الدين في القرن العشرين.
تحوي المجلة ست دراسات، الدراسة الأولى جاءت تحت عنوان «الطرق المستقيمة، قراءة في التعددية الدينية» بقلم عبدالكريم سروش، إذ يرى سروش أن هناك عشرة أصول للتعددية الدينية هي: أصل «القبض والبسط» المعرفيين، أصل تفسير التجربة الدينية، أصل ظهور الوجه الآخر للحقيقة، أصل غرق الحقيقة في الحقيقة، أصل الهداية الجلية والخفية، أصل نجاح الهداية الالهية، أصل عدم خالصية شئون العالم، أصل القرابة والتواشج بين الحقائق، أصل تعارض القيم الأخلاقية، وأخيراً أصل نشوء العقائد عن علل لا أدلة. بعد ذلك يتحدث عن التعددية الظنية والتعددية اليقينية بين العرفاء والمتكلمين ثم يتحدث عن مجتمعنا والتعددية.
بعد ذكر الأصول العشرة يخلص الكاتب إلى أن المجتمع التعددي «القائم على العقل التعددي لا على العاطفة الجاذبة لمركز واحد، والملئ بالإنصاف والمداراة، والمحظي بالصحافة والإعلام الحر، والذي يعيش التنافس في ثناياه، أي أنه ملئ باللاعبين، وكأنه الطبيعة المتنوعة الطافحة بالربيع والخريف وشتاء المطر والثلج، هذا المجتمع يبدأ حياته عندما يذعن الحكام والرعايا جميعاً فيه بأصالة الكثرة في الطبيعة والاجتماع لا الوحدة، وبأصالة التباين لا التشابه».
في الدراسة الثانية يتحدث أبو القاسم كرجي عن «أصول الفقه والصيرورة التاريخية، دراسة في نشوء علم الأصول وتطوره التاريخي، القسم الثاني». يواصل الكاتب الحديث الذي بدأه في العدد السابق عن مراحل نشوء علم الأصول. يبدأ في هذا العدد من المرحلة الرابعة: مرحلة الكمال والاستقلال، ويواصل بعد ذلك المراحل الأخرى: مرحلة الركود والمراوحة، مرحلة النهوض والتجديد، مرحلة الضعف والضمور، وأخيراً مرحلة التجدد.
الدراسة الثالثة تتناول موضوع «المدخل إلى الجنسية في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة مع القانون الوضعي». يتحدث مصطفى دانش بجوه في هذه الدراسة عن الجنسية في ظل تعدد دول العالم. تحت عنوان «إثبات الجنسية في الفقه الإسلامي» يتناول الكاتب ثلاثة مباحث: قراءة تاريخية، نظرة تحليلية سياسية في المجتمع السياسي الإسلامي، نظرة قانونية إلى المجتمع السياسي الإسلامي. يتحدث الكاتب، بعد ذلك، عن أنواع الجنسية الإسلامية، وآثار الجنسية الإسلامية، والجنسية الإسلامية والمبادئ المثالية المعاصرة.
ويخلص الكاتب إلى «أن الإسلام يعترف بمبدأ ضرورة الجنسية أكثر من نظام القانون الدولي الخاص المعاصر، لأن الجنسية الإسلامية في نوعها الغالب تبتني على أساس الدين، فإسلام الفرد وجنسيته للدولة الإسلامية مقترنان، وليس من الممكن افتراض إسلامه من دون جنسيته في الدولة الإسلامية».
بالإضافة إلى هذه الدراسات الثلاث، هناك ثلاث دراسات أخرى تحمل العناوين الآتية: التفسير القرآني في القرن الهجري الأول، قراءة في ظاهرة الإعراض والصد، بقلم مجيد معارف، الاستدلال الروائي في علمي الكلام والتفسير، قراءة في دائرة حجية أخبار الآحاد، للشيخ صادق لاريجاني، النقد العلمي والأدبي ضوابطه وأصوله، قراءة في أساسيات «القراءة والمراجعة» لبهاء الدين خرمشاهي.
في قسم قراءات يستعرض علي رضا قمصري كتاب «الدين والتربية، اتجاهات إسلامية ومسيحية». بعد أن يقدم تعريفاً مختصراً للكتاب يتناول المحاور الآتية: لماذا فشلت مؤتمرات التربية الإسلامية؟ حالة المدارس والمعاهد العلمانية المعاصرة، الحاجة إلى مشروع ديني متعدد لبناء نظام تربوي، قيام التربية والتعليم على أسس دينية، قراءة إسلامية ثم قراءة مسيحية، التعليم والقيم الدينية، قراءة إسلامية، ثم قراءة مسيحية، الآداب والقيم الدينية، قراءة إسلامية، ثم قراءة مسيحية، التربية والتعليم، الدين والعلوم الاجتماعية، قراءة إسلامية، ثم قراءة مسيحية، التربية الإسلامية والتنمية الأخلاقية، التربية الأخلاقية والتربية الدينية، قراءة مسيحية، المدارس الدينية في إنجلترا. في ختام قراءته للكتاب يخلص قمصري إلى نتائج منها أن معظم الأديان تؤكد «ومن ضمنها المسيحية، ضرورة مواجهة العلمانية التربوية»، كما أن «الحوار بين المسلمين والمسيحيين في هذا المجال ضروري ومهم جداً»
العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ