اضطر محمد مصطفى مرسي إلى التسلل خارج منزله لينضم إلى الاحتجاجات ضد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك العام الماضي خشية أن يمنعه والداه إذا علموا إلى أين كان متجهاً. بعد ذلك بساعات أردي الشاب الذي كان عمره 22 عاما قتيلاً وهو في طريقه إلى ميدان التحرير مركز الاحتجاجات.
كان والد مرسي واحداً من بضع أفراد من عائلات القتلى الذين سمح لهم بحضور وقائع محاكمة مبارك المتهم بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين الذين لقي نحو 850 منهم حتفهم خلال الانتفاضة. في البداية كان متفائلاً بأن تحقق «محاكمة القرن» العدالة لكنه فقد الأمل تدريجياً بعد أن سمع ضابطاً تلو الآخر يدلون بشهادات مفادها أنه لم تصدر أوامر بإطلاق الرصاص. وقال لـ «رويترز» خلال إحدى الجلسات في سبتمبر/ أيلول قبل أن يتوقف عن الحضور «لم أدفن ابني لأرى هؤلاء الكلاب يفلتون من العقاب».
حين مثل مبارك (83 عاماً) أمام المحكمة للمرة الأولى قال الكثير من المدعين والمراقبين الذين لم يتصوروا قط أنه سيحاسب إن مصر استعادت كرامتها. لكن كثيرين يرون أن المحاكمة التي كان ينبغي أن تساعد في تضميد جروح الماضي أصبحت تمثل رمزاً لكل ما لم يتغير. وينزعج كثير من المصريين من أن التعجل في تقديم مبارك للعدالة أدى إلى محاكمته أمام نفس المؤسسات -الوزارات والشرطة والمحاكم- بل بنفس القوانين التي استخدمتها تلك المؤسسات في عهده لحماية حكمه المطلق الذي استمر 30 عاماً.
ولم تنشئ مصر هيئة للحقيقة والمصالحة مثل اللجنة التي تشكلت في جنوب إفريقيا وساعدت في تضييق هوة الخلافات بعد فترة التمييز العنصري كما يرى كثير من المواطنين أنها لم تحاسب المسئولين السابقين بشفافية من خلال محاكم ذات تفويض استثنائي مثلما حدث في دول أميركا اللاتينية كالأرجنتين. في الردهة المؤدية إلى قاعة المحكمة التي كانت سابقاً قاعة محاضرات بأكاديمية الشرطة التي كان بعض المدعى عليهم إما طلبة أو مدرسون فيها ظلت صورة تضم أحد الضباط الذين يحاكمون الآن معلقة على الحائط. كانت الأكاديمية حتى بضعة أشهر مضت تسمى أكاديمية مبارك. وقال حسن ابو العينين وهو محامٍ عن واحد من المدعين الذين يتجاوز عددهم 400 إن هذا الوضع حدث لأنه لا يمكن تغيير القوانين بين عشية وضحاها.
وأضاف أنه بعد الثورة كان ينبغي للثوار أن يصدروا قراراً بإنشاء محاكم ثورية. وتركز الغضب الشعبي على النائب العام الذي عينه مبارك والذي لم يشمل الإصلاح مكتبه منذ الإطاحة بالرئيس. وأنحت النيابة في مرافعتها باللائمة على وزارة الداخلية - وهي متهمة ومحققة في الوقت نفسه في هذه القضية- لعدم تعاونها بتقديم الأدلة.
وقالت رئيسة قسم الشؤون القانونية بمركز النديم لضحايا العنف،مها يوسف إن مبارك يحاكم بقوانين هو الذي وضعها والقاضي مقيد بالأحكام والأدلة القانونية. ويوماً بعد يوم يتبين أن هذه الأدلة أضعف مما كان يتمناه كثيرون. وأدلى أكثر من 1600 شخص بشهاداتهم أمام النيابة قبل بدء المحاكمة بدءاً من أطباء وقعوا تقارير الطب الشرعي وانتهاء بمسئولين حكوميين وضحايا لأعمال العنف. واستدعت المحكمة تسعة أشخاص للشهادة جميعهم من ضباط الشرطة باستثناء واحد. ويقول محامون من الجانبين وخبراء إن أياً ممن استدعوا لم يقدموا أدلة دامغة على إصدار أوامر بإطلاق النيران على المحتجين. ويحاكم إلى جانب مبارك وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وستة من مساعديه وكلهم متهمون بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين.
كما يحاكم ابنا مبارك بعدد من الاتهامات بالفساد تنطوي على إساءة استغلال النفوذ. لكن الكثير من المصريين كانوا يريدون أن تتعامل المحاكمات مع مظاهر أخرى للظلم في حكم مبارك. واستمع القاضي أحمد رفعت الذي ينظر قضية مبارك المتهم فيها بالتآمر لقتل متظاهرين وبالفساد المالي إلى المرافعات النهائية الأربعاء وقال إنه حجز القضية للنطق بالحكم في جلسة الثاني من يونيو/ حزيران المقبل.
وطلبت النيابة حكم الإعدام لمبارك. وفي بدايات المحاكمة قال اللواء حسين سعيد موسى أحد الشهود للمحكمة إن محكمة أخرى أصدرت حكماً ضده لإتلافه تسجيلات من غرفة عمليات الشرطة خلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوماً. ويقول منتقدون إن هذا يظهر كيف ساهمت أشهر من التباطؤ في إتلاف أدلة جوهرية. وكان اللواء حسن عبد الحميد فرج مساعد أول وزير الداخلية الذي حضر اجتماعاً مع العادلي حين كان وزيراً وعدد من كبار الضباط خلال الانتفاضة قد أشار في البداية الى أن زملاءه اتخذوا قراراً بمواجهة المحتجين المسالمين بالعنف ووصف هذا بأنه «خطأ».
وقال للمحكمة في سبتمبر إن ذلك الاجتماع خرج بقرار لمنع المحتجين من دخول ميدان التحرير ولو باستخدام القوة. لكن عندما استجوبه المحامون أثناء المحاكمة نفى اتخاذ قرار باستخدام الأسلحة النارية على الإطلاق. وقال عصام البطاوي محامي العادلي إنه لا يوجد أي دليل يثبت صدور أمر لضابط او جندي بفتح النيران على المحتجين.
كما حاول دفاع مبارك الدفع بعدم اختصاص المحكمة بمحاكمة مبارك بناء على أنه لايزال رئيساً لمصر من الناحية الدستورية وبالتالي يجب أن يحاكم أمام محكمة خاصة. وزخرت المحاكمة التي بدأت في أغسطس/ آب وامتدت حتى الشتاء بالرمزية سواء للأحداث الدامية التي قادت إلى تنحي مبارك أو للدولة المرهوبة التي لا تمس التي أقامها ولم تحل بعد.
وتحدى أهالي القتلى الظروف الجوية ليرددوا الهتافات خارج قاعة المحكمة ورفع كثير منهم ملابس أبنائهم الملطخة بالدماء التي كانوا يرتدونها حين قتلوا. في الداخل يشغل ضباط شرطة معظم المقاعد ويدخن فريد الديب محامي مبارك الشهير السيجار في فترات الاستراحة. ويقضي مبارك فترة الحبس على ذمة القضية في مستشفى عسكري فخم ويدخل قاعة المحكمة على سرير طبي وينقل الى المحاكمة بطائرة هليكوبتر تحولت كلفة وقودها الى محور غضب شعبي متزايد. ولا تقيد أيدي غيره من المدعى عليهم بالأغلال ويرتدون دوماً ملابس أنيقة. واستدعت المحكمة عدداً من أوثق مساعدي مبارك للشهادة في جلسة مغلقة بينهم وزير دفاعه لعشرين عاماً المشير محمد حسين طنطاوي الرجل الذي يدير شئون مصر منذ الإطاحة بمبارك العام الماضي. وتشير تسريبات عن شهاداتهم الى أنها جاءت في صالح المتهمين
العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ