قصائد الشاعر السوري حازم العظمة في مجموعته «عربة أولها آخر الليل» تحفل بالحزن الرومانتيكي وبصور ريفية متتابعة وملونة وداكنة وحتى حين تتناول هذه القصائد المدينة فهي تحمل إليها ريفاً حزيناً ليتحول الأمر الى حال من الرومانسية الحزينة في الحالين.
وحازم العظمة في شعره يسير وفقاً لنمط يكاد يكون واحداً لا يتغير وهو نغم نابض بحزن دائم الدفق كقرع خفي لضربات قلب يسيطر عليه الأسى.
وهو أيضا يحاول أحيانا أن يفرض نمطا خاصا به في التعبير اللغوي ربما خالف المألوف قليلاً لكنه لا يخرج عنه بعيدا.
جاءت المجموعة في 180 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «الكوكب» التابعة لدار رياض الريس للكتب والنشر.
وضمت صفحات المجموعة 36 قصيدة متفاوتة طولاً وقصراً. في القصيدة الاولى التي حملت عنوان: «زيارة» يبدأ الشاعر بأجواء توحي بمكان هو المدينة لكنه لا يلبث أن يحمل اليها سمات ريفية قوية التقاسيم. وهذا دأب الشاعر فهو دائما يحمل الريف وتقلبات الفصول وخاصة جهامة الشتاء وأسى الخريف وحتى بعض الحزن الربيعي الى المدينة فيصبح لدينا مزيج رومانسي: رومانسية المدينة المألوفة عند الشعراء الرومانسيين ورومانسية الأحزان الريفية وجلال الطبيعة ورهبتها احيانا.
يبدأ القصيدة بالقول «حين عدنا من الزيارة كان الليل في اوله/ حين مشينا في الشوارع/ كانت ما تزال تمطر/ عادوا يكنسون الورد من على الارصفة/ وفي العراء/ حين نزلنا من الدرج الحجري الطويل/ مكثت في أرض القصب دهرا/ مكثت في السقوف البازلت شتاءات لا تحصى/ وثمة سوسنات سوداء هناك/ وغيوم سريعة... لا تلتفتي الى الجبال في الربيع/ تتحول وئيدة نحو شمال خفيض/ في رؤوس الجبال ألواح بيض/ وعقبان منحدرات بيضاء/ لا تلتفتي إلى الجبال في الربيع/ الجبال سريعة/ ثلاث سمرات امام الجبال/ وخزامى.» عنوان قصيدة «كؤوس متباعدة في حانات يضيئها برق خفيف» مصور وموح. يقول الشاعر «النجوم الليلة/ بمعطف المدينة اجمل/ السامرون الليلة في ممر الاعمدة/ الصاخبون/ بأسفل البوابة/ اسرّة الورد/ الليلة/ تعبث بها الريح/ اجمل «كان آخر الصيف/ لا اذكر/ الاكاسيا عادت تسكب صمغها/ من أثلام بطرف المدينة/ كيف امسك اللحظة/ حين تأتي/ امددها/ من خيال امس كان خيالا سريعا/ ليلة الثلاثاء تلك/ كأن اراك مصادفة/ بعد التعرج السريع وراءك/ والمنازل/ بأعلى حقول الشوفان اليابسة/ بعدها/ برق خفيف من حانات بكئوس متباعدة».
ويتابع بطريقته التي نجد فيها تصويرا موحيا متعددا واقعيا ومجازيا فيقول خاتما القصيدة «ما سيحدث بعد ان تبتعد/ والصيف في قميصك/ تضطرب/ ما سيحدث بعد ان تبتعد/ ثم لا شيء/ لا شيء الا الشارع الذي بعده/ حين بعدها تماما/ لا شيء/ لم اكن هكذا دائما».
ونجد في معظم القصائد الأجواء نفسها التي يختلط فيها الريفي بالمدني بل انه يعطي المدني طابعا ريفيا غالبا وحزينا. في قصيدة «شجرة سماق حمراء» يقول الشاعر «كأنك عدت تمشي في نومك/ الليل/ المجرة/ التلال الحمراء/ كأنها الليلة/ منتصف الصيف/ وانك /عدت تمشي في نومك «النباتات في شرفة النباتات/ الاعمدة الخشب القصيرة/ المستطيلات الداكنة امام البيوت/ مدن من بعيد تتألق/ الشاحنات/ بخلفية الجبال/ المخازن/ حقول الشعير/ امام البيوت».
هذا الشاعر المسكون بالريف وهو في قلب المدينة كأولئك الشعراء الرومانتيكيين الذين كانوا يمجدون الطبيعة ويلعنون المدينة وهم في قلبها. يضيف فائضاً بعالم الريف دون أن يلعن أي مكان.
العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ