إلى كلّ عينٍ أبكى (فقد) محاجرها!
بقدر عوزي إلى الفكرة،
وإلى الكلمة إنْ أحدثتْ من الأثر الكثير،
«يأتيني الصمت»!
وبقدر جفاء (كلّ) الذين
غدا الفؤادُ بودّهم سجين،
ورأفة في قلوبهم تكاد
لبعدها تتمثّل بالسراب،
وأساي،
ووجعٌ يخيفني الحديث فيه،
«أجدني أسبغ عليهم
ما بالنفس من وافر الحنين»!
فيقتلونني - كعهدي بهم -
والغدرُ ينادي بأسمائهم..
كلّما أعلن عن نفسه
في عيونهم،
وشفاههم لو نطقتْ،
وكفوفهم متى ما تراقصت
بالرايات السوداء ذات
اليمين،
وذات الشمال،
لتأخذني - والبردُ يكتسيها - بعيداً
عن الحياة إنْ تبسّمت،
أو فاضت غنجاً
وبالدلال - كلّه - انتشتْ!
وأهجر بُعَيْدَ «ذاك الموت»
مجالس قبّلتُ بالأمس جدرانها...
ولعاً..
ولهفاً..
واشتياقاً!
وأحملُ في غمرة اغترابي
القسري هذا
حقائبَ الطفولة...
ولهواً غاب وما نسيته...
ورفاقاً أبوا إلا أن يتوشّحوا
بعباءات الوداع...
ليمضي الفراغ من بعدهم في اتساع...
وأظل وحدي ألملم بعجز ذراعيّ
فضاءً ضقتُ به...
وما فتئ يعيثُ في نفسي
المهيبَ من العبث والدمار...
ويثير بي الرغبةَ في بعض الجنون!
ولا تفزعه ثورتي عليه!
ولا أنا - إذْ يزيدني «احتضاراً» - أهاب!
فالعقل،
والصبر،
والنزر اليسير من الأمل،
محضُ جنوح!
بل أكثر،
محضُ انتحار!
وما أكثر الليلَ حينها،
ويا لمرارة الظلام،
ونجم سامرناه - فرحي وأنا - ذات اغتباطٍ،
أراه اليوم شهيداً،
وها نحن الاثنين بالأدمع قد شيّعناه!
وأبكي مُصابنا...
- قليلاً -
ثمّ أكثر بمقدار تنهيدةٍ أهدهدُ
أحزان المُقَلِ لتنتحب،
فأُقصي الدمعَ هنيهةً،
وأناجي البدرَ في الأعالي:
«أيّ فلسفةٍ تُرى للحزن»؟
«وأيّ الحنان اليوم محرّم»؟
ثمّ أنسكبُ وهْناً...
وأدّعي البسمة...
والأصفر من الابتسامات
في ذلك شاهدي،
وأتمتمُ:
«يا بدرُ خلّي الليلَ يغني»،
فمسيرُنا بعدُ في أوله!
ودربُ الوصول عسير...
وطريق الشقاء «طويل»...
«جدّ طويل»!
ويلوح لي في فخامة هذا الفقد
وجهُ أمي
وأبي،
وأخي،
فأعزفُ عن وجعٍ لا يليق بي...
وأتوسّم في الغد شمساً
يحدث أن تعشقَ
الإشراقَ كلّما حضروا!
وأضحك...
وأحيا بهم ولهم...
وأجيء للحبر والورق بعد حين...
جذلى...
وما سوى رفقة القلم تُغوي مَلَكة
التعبير عندي...
لأمسي ساعتها عطشى لرحمة الكلام...
أو شيءٍ منه...
وغصّتي - إذ أهمّ بحديثٍ قد لا ينتهي-
تطلّ لي بين الحرف والحرف...
والسطر والسطر..
فأطلِقُ (الآه) من بين شفتيّ
بحرقةٍ ليس غيرُ الأوراق
جديرٌ بسماعها...
وأعود لألثمَ الحزنَ
فوق جفنيه!
وأخطّ (لي ولكم)...
- (ها هنا) -
والخوف من غدٍ عبوس المحيّا
يكبّل خطوتي:
«كلّ يومٍ والجرحُ بألف خير»
العدد 1442 - الخميس 17 أغسطس 2006م الموافق 22 رجب 1427هـ