العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ

مقاصد الشريعة... نحو فهم جديد للأحكام الإسلامية

حلقات في فقه المقاصد (1 - 3)

يعتبر حقل مقاصد الشريعة من حقول المعرفة الإسلامية التي تعنى بالبحث عن أرضية فكرية تتناسب مع أهداف الرسالة وصفة الديمومة فيها. فكأن هذا الحقل يسعى لخلق ذهنية مفعمة بالكليات والعموميات التي تقوم على أساسها جزئيات الأحكام الشرعية المختلفة سعياً للوصول إلى الأهداف المتسترة بعباءة المصالح والمفاسد. في هذه الحلقات نسعى إلى استعراض بعض الآراء بشأن فقه مقاصد الشريعة الإسلامية عبر حلقات ثلاث نبدأها بآراء الأستاذ الجامعي محمد الزحيلي.

يرى الزحيلي أن مقاصد الشريعة تعني «الغايات والأهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها الشريعة، وأثبتتها في الأحكام، وسعت إلى تحقيقها وإيجادها والوصول إليها في كل زمان ومكان».

إذ يرى أن أحكام الشريعة إنما صيغت للإنسان «لتأمين مصالحه، وجلب المنافع له، ودفع المضار عنه، فترشده إلى الخير، وتهديه إلى سواء السبيل، وتدله على البر، وتأخذ بيده إلى الهدي القويم، وتكشف له المصالح الحقيقية، ثم وضعت له الأحكام الشرعية لتكون سبيلاً ودليلاً لتحقيق هذه المقاصد والغايات، وأنزلت عليه الأصول والفروع لإيجاد هذه الأهداف، ثم لحفظها وصيانتها، ثم لتأمينها وضمانها وعدم الاعتداء عليها».

وما من مصلحة في الدنيا والآخرة إلا وقد رعاها المشرع، وأوجد لها الأحكام التي تكفل إيجادها والحفاظ عليها. بحسب الزحيلي، ويضيف «إن الشرع الحكيم لم يترك مفسدة في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل، إلا بينها للناس، وحذرهم منها، وأرشدهم إلى اجتنابها والبعد عنها، مع إيجاد البديل لها».

ويدلل الكاتب على ذلك الاستقراء الكامل للنصوص الشرعية من جهة، ولمصالح الناس من جهة ثانية، وأن الله لا يفعل الأشياء عبثًا في الخلق والإيجاد والتهذيب والتشريع، «بأن النصوص الشرعية في العقائد والعبادات، والأخلاق والمعاملات، والعقود المالية، والسياسة الشرعية، والعقوبات، وغيرها، جاءت معللة بأنها لتحقيق المصالح ودفع المفاسد».

ويتطرق الزحيلي إلى العقيدة وأصولها فيجدها أتت لرعاية الإنسان وهدايته، وإنقاذه من الضلال، لذلك كانت أحكام الشريعة طريقاً للإيمان بالله تعالى، و«ليسمو الإنسان بعقيدته وإيمانه إلى العليا، وينجو من الوقوع في شرك الوثنية، وتأليه المخلوقات من بقر وقرود، وشمس وقمر، ونجوم وشياطين، وإنس وجن، ويترفع عن الأوهام والسخافات والخيالات، والأمثلة على ذلك واضحة وصريحة وكثيرة، من التاريخ القديم والحديث، ومذكورة في النصوص الشرعية».

يصنف الباحث «مكارم الأخلاق، وحسن التعامل، والإحسان إلى الإنسان، وتجنب الإساءة إليه»، بالكليانية التي تقتضي السعادة والمودة بين الناس، ويتمثل صورة الرسول الكريم (ص)، إذ قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وهذا ما يوجب بيان أهمية معرفة المقاصد للأحكام الشرعية من وجهة نظر الكاتب.

يجمل الزحيلي الفوائد من الاهتمام بدراسة هذا الجانب من الشريعة في النقاط الآتية:

1- إن معرفة المقاصد تبين الإطار العام للشريعة، والتصور الكامل للإسلام، وتوضح الصورة الشاملة للتعاليم والأحكام، لتتكون النظرة الكلية الإجمالية للفروع، وبذلك يعرف الإنسان ما يدخل في الشريعة، وما يخرج منها... فكل ما يحقق مصالح الناس في العاجل والآجل، في الدنيا والآخرة، فهو من الشريعة، ومطلوب من المسلم (فهو واجب عليه، وحق لغيره، وبالعكس)... وكل ما يؤدي إلى الفساد والضرر والمشقة والاضطراب فهو ليس من الشريعة، بل هو منهي عنه، فيحرم على المسلم فعله لأنه يضر بنفسه أو بغيره.

2- إن معرفة مقاصد الشريعة تبين الأهداف السامية التي ترمي إليها الشريعة في الأحـكام، وتوضح الغـايات الجليلة التي جاء بها الرسل وأنزلت لها الكتب، فيزداد المؤمن إيمانًا إلى إيمانه، وقناعة في وجدانه، ومحبة لشريعته، وتمسكًا بدينه، وثباتًا على صراطه المستقيم، فيفخر برسوله، ويعتز بإسلامه، وخصوصاً إذا قارن ذلك مع بقية التشريعات والديانات والأنظمة الوضعية.

3- إن مقاصد الشريعة تعين في الدراسة المقارنة على ترجيح القول الذي يحقق المقاصد، ويتفق مع أهدافها في جلب المنافع ودفع المفاسد، مثل مراعاة جانب الفقراء في الزكاة، ورعاية جانب الصغار والأيتام والوقف في المعاملات، وهي المنارة والمشكاة التي تضيء للحكام في السياسـة الشرعية، وقضاء المظالم، وفيما لا نص فيه... كما تساعد المقاصد على الترجيح عند تعارض الأدلة الكلية والجزئية في الفروع والأحكام، ما يؤكد أن التعارض ظاهري بين الأدلة، ويحتاج إلى معرفة السبيل للتوفيق بينها، قال تعالى: «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـافاً كَثِيراً» (النساء:82).

4- إن بيان مقاصد الشريعة يبرز هدف الدعوة الإسلامية التي ترمي إلى تحقيق مصالح الناس، ودفع المفاسد عنهم، وذلك يرشد إلى الوسائل والسبل التي تحقق السعادة في الدنيا، والفوز برضوان الله في الآخرة. وإن مهمة الأنبياء والرسل كانت تهدف إلى تحقيق هذه المقاصد، وإن العلماء ورثة الأنبياء في الدعوة إلى الصلاح والإصلاح.

5- إن مقاصد الشريعة تنير الطريق في معرفة الأحكام الشرعية الكلية والجزئية من أدلتها الأصلية والفرعية المنصوص عليها، وتعين الباحث والمجتهد والفقيه على فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بشكل صحيح عند تطبيقها على الوقائع، كما ترشد إلى الصواب في تحديد مدلولات الألفاظ الشرعية ومعانيها، لتعيين المعنى المقصود منها، لأن الألفاظ والعبارات قد تتعدد معانيها، وتختلف مدلولاتها، فتأتي المقاصد لتحديد المعنى المقصود منها.

6- إذا فقد النص على المسائل والوقائع الجديدة، رجع المجتهد والفقيه والقاضي والإمام إلى مقاصد الشريعة لاستنباط الأحكام بالاجتهاد والقياس والاستحسان، وسد الذرائع والاستصلاح والعرف، بما يتفق مع روح الدين، ومقاصد الشريعة وأحكامها الأساسية

العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:59 ص

      بسم الله الرحمن الرحيم
      مقاصد الشريعة هي تحقيق عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت وحتى المصالح ودرء المفاسد مقصدهم عبادة الله وحده

اقرأ ايضاً