لم تستطع أي شركة بحرينية أن تخترق القائمة الخمسينية لأفضل الشركات المساهمة العربية ضمن التصنيف الذي أعدته دراسة الامتياز، والتي نشرت في مجلة «فوربز» العربية في عددها الصادر حديثاً سبتمبر/ أيلول 2006. الوفرة «المالية» الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط حديثاً، مدعومة بالزيادة التاريخية في رساميل الشركات الخليجية عبر الاكتتابات، والتي كانت سمة العام الماضي قفزت بالقطاع «المالي» ومؤسساته من مصارف وشركات استثمارية مانحة نحو المقدمة، عبر تمثيل مرتفع بلغ 26 شركة ضمن الشركات الخمسين الأولى عربياً.
هذه الطفرة المالية صعدت بالشركات السعودية والإماراتية بشكل مباشر ومتوقع للمراتب الأولى من التصنيف، وعلى رغم أن قطاع «الصناعة» نال ما نسبته 12 في المئة من المجموع الكلي للشركات الأفضل، فإن القطاع الصناعي كان مقتصراً في فاعليته على قطاع الصناعات النفطية.
بقي قطاع المصارف الأكثر قدرة وبروزاً، يأتي هذا مترافقاً مع الأرباح الكبرى التي حققتها المصارف السعودية والإماراتية والكويتية، ما عجل بإقرار المصارف السعودية فصل خدمات الاستثمار في شركات منفصلة عن العمليات المركزية للمصارف، وهو ما استطيع أن أفسره بأن الأرباح الاستثمارية في سوق المال السعودي باتت مصدراً مرتفعاً للربحية، وتأتي نتيجة دراسة الامتياز هذه، لتؤكد المكانة الكبرى للقطاع المالي إذ تنفرد مؤسسات مصرفية خليجية بستة مقاعد من المقاعد العشرة الأولى لأفضل الشركات المساهمة عربياً. البحرين... خارج التصنيف: الشركات البحرينية لم تستطع اختراق القائمة الخمسينية، إلا أن هذه النتيجة لا تعني بالضرورة أن مستوى الأداء المالي للشركات البحرينية هو سلبي بالضرورة، فالمعايير التي اعتمدتها الدراسة التصنيفية تضمنت إلى جانب المعايير المالية الكفاءة التشغيلية من جهة، والنجاح في السوق من جهة أخرى.
وهو ما أدى إلى أن تندمج الأرقام البحرينية في كتلة اقتصادية كبيرة لن يكون للشركات البحرينية أن تتميز فيها. الدراسة في واقع الحال لم تحدد معايير المسح المالي، ما إذا تم إنجازه وفق منهجية اعتبرت السوق العربية سوقاً واحدة، أم أنها اعتمدت منهج الدراسات الاقتصادية المقارنة، عبر دراسة كل سوق مالية على حدة، وهو المنهج التحليلي الأكثر دقة وموضوعية. طبعاً، الشركات المساهمة البحرينية لم تقترب من مستويات الضخ المالي في رساميلها العامة عبر الاكتتاب كما هو الحال في السعودية والإمارات، وحركة الاكتتاب في سوق البحرين للأوراق المالية خلال العام الماضي لم تكن في المستوى المقارن مع 7,4 مليارات دولار قيمة المدخلات المالية للشركات الخليجية، تركزت في الإمارات والسعودية بحسب التقرير نفسه.
إلا أن هذه المؤشرات جميعاً لا تعني بالضرورة أن أرباحاً جيدة للشركات البحرينية لم يتم تحصيلها بالفعل، وأن مستويات الربح قد تكون قادرة على السماح للشركات البحرينية بالولوج للقائمة لو كانت عمليات الإحصاء المالي وحسابات الكتلة التمثيلية بمنهج مقارن. فالبيانات المالية للشركات البحرينية حققت مستويات ربح مرضية، كما أن الأموال التي تم ضخها في الشركات الخليجية الأخرى عبر الاكتتابات العام الماضي كانت العامل الحاسم في تقييم الموجودات المالية لتلك الشركات بأنها استثنائية، وهو ما أثر بشكل مباشر على عملية التقييم.
لذلك فقط كانت حظوظ الشركات البحرينية في الدخول للقائمة متعثرة، خصوصاً إذا ما طالعنا الإحصاءات التي اعتمدتها الدراسة، والتي تؤكد أن المجلة أجرت الدراسة بمنهجية جعلت فيها السوق العربية كتلة اقتصادية واحدة، ما جعل من القيمة السوقية لسوق البحرين للأوراق المالية لا تزيد عن 1,33 في المئة من مجمل الأسواق، وكذلك هي الحال في تونس مثلاً، والتي تحقق مستويات نمو مرتفعة في العام الماضي، ترافقت مع نتائج مالية منخفضة.
البحرين كذلك وقعت في المطب نفسه، فبينما تشهد البحرين نمواً اقتصاديا مرضياً، وسيولة مالية معقولة، تبقى القيمة السوقية لسوق البحرين للأوراق المالية مقارنة بعمالقة الخليج ضئيلة، وهو ما يجعل من البحرين عاجزة عن المنافسة.
هذه النتائج التنافسية بين الشركات تعتبر عاملاً مؤثراً في توجيه الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، خصوصاً المالية منها. ومن المهم أن يكون للشركات البحرينية حضور مقبول بينها. وبغض النظر عن أهمية التصنيف في حد ذاته، لابد أن نشير إلى كثير من الخطوات التي تحتاجها الشركات البحرينية حتى تستطيع المنافسة في السوق العربية بالشكل المأمول.
أولا: الدفع نحو زيادة رساميل الشركات البحرينية عبر الاكتتابات، إذ لم تشهد البحرين حتى الآن حركة اكتتابات كالتي شهدتها الدول الخليجية، وننتظر من هذه المرحلة أن تزيد من رساميل الشركات البحرينية، وهو ما سيتيح لها مواقف مالية جديدة. ثانيا: زيادة الحوافز الحكومية للمصارف المانحة، وتحرير السياسات المصرفية، وخلق فرص استثمارية عالمية في البحرين. خصوصاً مع بدء الحديث عن الجسر البحريني/ القطري ما معناه أن فرصاً استثمارية جديدة لابد أن توجد وتفعل. ثالثاً: توفير الأرضية المناسبة للاستثمار الصناعي، خصوصاً النفطي منه.
وبالتأكيد لن تستقر الرؤية في الاستثمارات الصناعية إلا وفق خطة استراتيجية مع الشقيقة السعودية. الاستثمار الصناعي - غير المعتمد على النفط - لابد أن يخضع لمناقشات وطنية جادة. عوامل أخرى لا تقل أهمية، منها: مراجعة السياسات الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية، وجدولة خطط التنمية كعوامل لابد من الأخذ بأهميتها والتركيز عليها، ولابد من تفعيل مراكز«الاستشعار عن بُعد»، والتي تلعب دور المروج الاستثماري لأي تجربة اقتصادية تسعى للنجاح والنهوض، والبحرين باتت تحتاج إلى مرحلة مراجعة شاملة لخططها التنموية بمشاركة فاعلة ومركزية من القطاع الخاص.
قطاع الاتصالات (الحصان الأسود): - الطفرة التي كانت غير متوقعة - هو الصعود الكبير للشركات المساهمة في قطاع الاتصالات، فلقد انفردت الاتصالات السعودية (المرتبة الثانية)، اتصالات الإمارات ( المرتبة السادسة)، وٍُّك الكويت (المرتبة الحادية عشرة)... وقطر للاتصالات والوطنية للاتصالات الكويت، واوراسكوم المصرية بما نسبته 14 في المئة من السوق الكلية، متجاوزة بذلك قطاع شركات الصناعات النفطية 12 في المئة.
استطاع قطاع الاتصالات أن يحجز له مساحة من التنافسية الاقتصادية خلال السنة الماضية، إلا أن كثيراً من المحللين الاقتصاديين يعتقدون أن نسب النمو خلال العام الجاري لن تكون «كبيرة». ويرجعون ذلك إلى أن النسب الاستثمارية في قطاعات الاتصال بدأت تقل من جهة، وأن السوق السعودية - منفردة - هي وحدها من تستطيع أن تحقق فرص استثمارية حقيقية لهذا القطاع.
آخرون يعتقدون أن الشركات الخليجية المساهمة في قطاع الاتصالات ستزيد من قيمة استثماراتها في دول شرق آسيا وباقي الدول العربية، مثل الهند وباكستان ومصر وسورية... وهو ما سيعوض أي خسائر أو انخفاضات متوقعة في السوق الخليجية.
القدرة الاستهلاكية في هذا القطاع بالنسبة للبحرين غير مشجعة، مقارنة بأرباح الشركات الخليجية الأخرى، وهو ما يحثنا على التفكير في توجيه الشركات البحرينية إلى الاستثمار في قطاع الاتصالات خارج البحرين. سواء في الوطن العربي، أو في سلسلة الدول النامية في آسيا وإفريقيا
العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ