بقي السياج الحديد جاثماً على صدور أهالي المنطقة الغربية حتى هذه اللحظة، كما لاتزال عملية الردم مستمرة إلى عمق البحر. ولايزال الأمل يحدو بالأهالي لاسترداد ساحلهم الذي يحلمون به منذ أكثر من عشرين عاماً... ولكن، مهما ظل جدار دمستان العازل في مكانه، فإنه لن يحجب الأهالي عن ساحلهم الذي يحملون معه ذكريات لا تنسى، ولا يمكن أن يمحوها جدار من السياج الحديد فالرابط أكبر بكثير.
بحر دمستان الذي طالما عشقه أهله سنين عدة، ها هو اليوم حبيس جدران الإقطاعيات التي مزقته قطعاً متجاورة، يتطاير شررها في وجه مرتادي البحر الذين يقصدونه من كل قرى المنطقة. ولم يجد الأهالي طريقاً لاسترجاع ساحلهم المسلوب إلا بالتحرك والمطالبة بشتى السبل السلمية، فولدت اللجنة الأهلية التي قطعت عهداً على استرداد هذا الساحل. وهي منذ تأسيسها تزحف بحركة دائبة إلى تحقيق هذا الحلم الكبير.
فعلى صعيد التواصل مع الجهات الرسمية، أجرت اللجنة الكثير من الاتصالات ونفذت عدداً من اللقاءات. ففي يوليو/ تموز الماضي قام وفد من وزارة البلديات بعد لقاء اللجنة بالوزير بزيارة ميدانية إلى القرية للاطلاع عن كثب على وضعية الساحل والمرفأ ورفع تقرير فني بشأنهما. وخلال الزيارة سلّم رئيس اللجنة عبدالحسين ضيف رسالة إلى مدير عام البلدية تتضمن مطالب أهالي المنطقة، من أجل تضمينها في التقرير الذي سيرفع إلى الوزير ومن أهمها: تخصيص الساحل الشمالي وتزويده بجميع الخدمات، واستكمال إنشاء المرفأ في موقعه الحالي، واستملاك الأرض المدفونة المحاذية للمرفأ للمنفعة العامة، وتعديل أوضاع الساحل المحاذي للأراضي المملوكة، وإزالة السياج الحديد العازل في أقرب فرصة.
المطالبات تقطف أولى ثمارها...
في هذا الصدد، يقول أمين سر اللجنة الأهلية حسين الماجد: «بعد ضغط جماهيري كبير من قبل الأهالي في مطالبتهم المشروعة بإزالة السياج غير القانوني عبر تواصل الاعتصامات السلمية وإصرارهم الذي لم يقبل التراجع أمام المتنفذين ومخربي البيئة البحرية، بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، إذ تم في أغسطس/ آب 2005م بإزالة السياج الحديد... و في الإطار نفسه، عقدت اللجنة الأهلية اجتماعاً مع المجلس البلدي في السابع من أغسطس، تم فيه مطالبة الأهالي بعدم إزالة السياج، إذ اتفق الطرفان في هذا الاجتماع على رفع المجلس خطاباً إلى إدارة التخطيط العمراني لموافاته برؤية التخطيط بشأن واقع المرفأ وخطط تطويره، وكذلك أخذ موافقة المجلس البلدي بشأن تخطيط الساحل.
ويواصل الماجد «حرصاً منها على نظافة الساحل نظمت اللجنة الأهلية وبتجاوب كبير من قبل الأهالي حملة تنظيف في منطقة المرفأ، إذ قاموا بإزالة الأنقاض والمخلفات من هذه المنطقة. كما نظمت اللجنة في سبتمبر/ أيلول الماضي جولة استطلاعية إلى سواحل المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية للاطلاع على طبيعة السواحل هناك لمقارنتها مع سواحل منطقتنا، فانبهرت من جمالها، والخدمات المتوافرة فيها، فعندما تقف على أحدها فإن بصرك لا يرتد من حائط هنا أو جدار هناك، بل تراها ممتدة بامتداد البصر».
ويستطرد «إيماناً من اللجنة بتوثيق العلاقة بجميع الفعاليات ذات الاهتمام المشترك فقد تواصلت مع أهالي المنطقة والقرى المجاورة من أجل تنسيق الجهود بما يصب في مصلحة الجميع. كما قامت اللجنة الأهلية في مارس/ آذار الماضي بزيارة لوكيل البلديات، وبحثت معه آخر مستجدات الساحل والمرفأ، نظراً إلى جمود الموضوع بعد إزالة السياج. وخلال اللقاء أوضح الوكيل أن خطط الساحل الواقع في منطقة دمستان جاهزة، وهي تحت إجراءات التنسيق مع الجهات الخدمية».
استمرار الجهود والمطالبات...
ويضيف الماجد «عقدت اللجنة في الثامن من مارس الماضي اجتماعاً مع المسئولين في المجلس البلدي بهدف إطلاعهم على نتائج اللقاء الذي جرى مع وكيل البلديات. وأثناء اللقاء تم استعراض الخطة التي تقضي بتخصيص 30 في المئة من الأرض التي دفنت جنوب المرفأ للمنفعة العامة مع تطوير الساحل الشمالي، واستكمال إنشاء المرفأ. كما كشفت اللجنة لرئيس المجلس عن المخالفات وتجاوز القانون من قبل الذين استولوا على الأراضي المطلة على الساحل، بوضع الجدران في عمق البحر، والاستمرار في دفنه، فاتخذ المجلس الإجراءات التنفيذية لوقف هذه التجاوزات بإرسال رئيس اللجنة المالية والقانونية بالمجلس مع مفتشي البلدية لمعاينة هذا التجاوزات. وتم توقيف المتنفذ عن الدفان. بانتظار الحصول على وثائق الأرض للتأكد من قانونية الجدار الممتد في عمق البحر، وذلك تمهيداً لفتح الساحل ليستفيد منه الأهالي».
... وبدأ الحلم يتحقق
يقول الماجد: «بعد هذه الجهود الحثيثة، بدأ الحلم يتحقق، والتحرك يؤتي ثماره، إذ كشف وزير البلديات يوم الثلثاء الموافق الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي عن موافقة الديوان الملكي على إنشاء مرفأ في دمستان خلال هذا العام. وأوضح النائب جاسم عبدالعال أن الوزير أثار موضوع موافقة الديوان على مرفأ دمستان خلال اجتماعهم معه، وقال إنه تم التنسيق بين وزارتي البلديات والأشغال على إعداد موازنة المشروع لتنفيذه هذا العام. أما موضوع الساحل فلم يحسم بعد والوزارة بصدد وضع الخطط لاستملاكه أو إنشاء منفذ يصل إلى الساحل، كما أن الوزارة مصرة على استقطاع 30 في المئة من الأرض المحاذية للمرفأ للمنفعة العامة عند تخطيطه».
استملاك الساحل بـ 7 ملايين دينار!
ولم تقف المستجدات عند هذا، ويواصل رئيس اللجنة الأهلية عبدالحسين ضيف سرد المزيد «آخر المستجدات أن المجلس البلدي رفع إلى الوزير تقريراً عن استملاك الساحل الذي بلغ 7 ملايين دينار، وهو مبلغ مبالغ فيه جداً، وربما يكون طرح المجلس البلدي عقبة في وجه اللجنة والأهالي... صحيح أن 7 ملايين دينار هي مبلغ لا يساوي أي شيء إذا ما قارناه بالمصلحة العامة، ولكن المبلغ يفوق القيمة الفعلية للأراضي بكثير».
ويقول: «الساحل من دمستان حتى الهملة ملك لشخص واحد، أحاطه بحائط من الإسمنت واستحوذ على الأراضي، وتم توزيع بقية الأراضي بين حدائق وبساتين وأخرى قسائم سكنية. ما نريد الوصول إليه هو أن 3 أرباع الأرض لاتزال ملكاً لشخص واحد، وهو المالك السابق، ونحن نطالب بأن يتنازل عن ملكية هذه الأراضي، أو لنقل تعويضه بمبلغ الأراضي في تاريخ الاستملاك إضافة إلى نسبة ربحية».
ويؤكد ضيف أن دراسة المجلس البلدي هي «دراسة ناقصة، وكان من المفترض عليهم أن ينزلوا ويقوموا بدراسة واقعية تسهم في حل المشكلة لا أن تعقدها على الأهالي».
«بلدي الشمالية»: إزالة السياج والأنقاض
ويعرج بنا عضو بلدي الشمالية محمد جابر الفردان إلى آخر التطورات من داخل المجلس البلدي «لقد عاينت بنفسي الجدار العازل داخل البحر، وهذا الجدار هو خارج حدود المالك والمعروف أن الأرض مفتوحة للجميع ومن الضرورة إزالة هذا الجدار... كما أننا شاهدنا دفاناً في البحر بمسافة 30 متراً تزيد على نهاية حدود ملكه في البحر».
ويؤكد أن «الدفن مخالف للقانون بكل المقاييس لأنه عبارة عن أنقاض، ولنفترض بأن لديه وثيقة، ولكن لا يمكنه أن يدفن من دون وجود رخصة للدفان».
وعن الخطوة التي سيتخذها المجلس يقول الفردان: «لقد طلبنا من اللجنة عمل تقرير عن المخلفات، وسنقوم برفعها في خطاب إلى وزير شئون البلديات والزراعة لإزالة الجدار العازل والأنقاض لأن ما يجري في دمستان ضربة مباشرة للقانون الذي أصدره جلالة الملك عن السواحل.
ساحل حكم عليه بالفناء، ليحول إلى قسائم سكينة ومجموعة من الحدائق التي لا يسمح بدخولها إلا لملاكها... هل هي قسوة الزمن الذي لم يبق على متنفس للناس، أم أنه الطمع والجشع الذي لم يبقِ لا حجراً ولا مدراً. والأهم من ذلك بالنسبة إلى أهالي المنطقة الغربية هو؛ متى يرون مرفأهم في بحرهم؟ ومتى يشرع في الطريق المؤدي إلى الساحل؟ ومتى يُزال الجدار العازل من عرض البحر؟...
أصدر جلالة الملك قانون رقم (20) لسنة 2006 بشأن حماية الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية والذي جاء فيه «لا يجوز التصرف في الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية المخصصة للنفع العام والمطلة عليها المدن والقرى الساحلية وغيرها بأي تصرف»، كما جاء في القانون أنه «يحظر الترخيص بردم السواحل ويصدر بتعيين حدود الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية المشار إليها في هذا القانون قرار من مجلس الوزراء». وتطرق القانون إلى العقوبات التي تطول كل من يتعدى على السواحل، ومع ذلك بقي ساحل دمستان عرضة للردم بين فينة وأخرى، والأهالي ينتظرون بفارغ الصبر اعتماد وزارة البلديات تخطيط الساحل واستملاكه قبل فوات الأوان
العدد 1475 - الثلثاء 19 سبتمبر 2006م الموافق 25 شعبان 1427هـ