العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ

اليوم الدولي للسلام: مدونات من مناطق صراع

هذا التقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على موقعها الإلكتروني:

احتفل العالم، 21 سبتمبر/ أيلول، باليوم الدولي للسلام.

وفي كلمة بهذه المناسبة قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان «أدعو الناس في كل مكان أن يلتزموا الصمت لمدة دقيقة واحدة اليوم، باسم السلام. ولنتذكر ضحايا الحرب. وليتعهد كل منا بالقيام بالمزيد، كلما أمكننا أن نحدث التغيير، لتحقيق سلام دائم».

للتعرف على آراء وتجارب أفراد تأثروا بشكل مباشر بأعمال العنف، توجهت «بي بي سي» بأسئلة إلى بعض منهم، من بينها هل كانوا يعلمون بوجود مثل هذا اليوم؟ وهل هناك جدوى من وراء مثل هذه الاحتفالات؟

اقرأ تجاربهم وشارك في الحوار.

- سميرة عزيز، الشيشان: لن أنسى ما حييت ذلك اليوم قبل عشر سنوات.

لقد حاولوا أن يضعوا ذلك الشاب بحيث يستقبل القبلة في مكة، الطلقة الصغيرة القاتلة التي أصابته كانت بالكاد ترى، وظل رجل عجوز يقف بجواره يردد «تذكر الله»، لقد مات هذا الرجل بهدوء.

لقد كان هناك الكثير منهم في ذلك اليوم، أولئك الذين سيبقون صغاراً إلى الأبد.

تعرضت مدينة غروزني للقصف مجدداً، ولم يعد مهماً من يقاتل من، إنها حرب أخرى من دون معنى ضحاياها من النساء والأطفال الذين لا يعرفون لماذا يقتلون، إذ استهدفت الحملة العسكرية الأخيرة كل شخص في المدينة التي كانت تعيش حياة هادئة.

في ليلة الخامس من أغسطس/ آب كنت أعد لبرنامج الغد، كنت أكتب نصاً بشأن طبيب قتل في الحرب الأولى بالشيشان، كان منظر المدينة التي دمرتها الحرب يصيبني بالحزن، لكن على رغم ذلك شعرت بالسعادة لأن كل تلك الذكريات قد ولت، وأويت إلى فراشي وأنا مطمئنة.

استيقظت صباحاً على أصوات قتال في مكان ما بالمدينة، وعندما وصل القصف إلى منطقتنا شعرت وكأن المبنى الذي نسكن فيه قد صنع من الورق، وبدأت والدتي في إعداد مخبأ لنا في الطابق السفلي من المبنى الواقع تحت الأرض.

في اليوم التالي شاهدت شخصاً يموت أمامي لأول مرة في حياتي، كانت على وجهه ابتسامة لن أنساها ما حييت، لقد كان جثمانه الملفوف في قطعة بالية مسجى خلف الحائط بالقرب مني. ومن مخبأ آخر كنا نسمع صراخ طفل جائع، لم تستطع أمه إرضاعه لأنه لم يعد لديها لبن في صدرها.

أعلن الحادي والعشرين من سبتمبر كيوم عالمي للسلام، لكني أتمنى أن تعلن مئة عام من السلام حتى لا تنشب الحرب مجدداً. وعلى رغم كل ما جرى، فإن الناس يعيشون بالحب والأمل، ولا يمكننا أن نحيا إلا بالحكمة وحب الحياة التي تتحول الأرض من دونها إلى صحراء قاحلة.

- عاملة ناجي، بغداد: لم أكن على علم بأن الأمم المتحدة قد خصصت 21 سبتمبر يوما للسلام العالمي. فلأول مرة سمعت عنه من «بي بي سي».

سألت عددا من الأصدقاء بشأن معلوماتهم عن هذا اليوم ولم يكن اي منهم على علم به أساسا على رغم ان السلام يمثل أهم حاجاتنا وأعز أمانينا وقمة أحلامنا هنا في العراق. ما الذي سيحصل لو حل السلام في بلادي يوم 21 سبتمبر وانتهت كل أشكال الاحتلال والحرب والعنف؟ ما الذي سنفعله يومها؟

ستمتلئ المطارات بالعراقيين القادمين من شتى أنحاء العالم، وستكتظ الحدود الدولية بآلاف العراقيين، مهندسين وأطباء وأكاديميين ومهنيين وفنيين وفنانين وأدباء وكل من رحل أو هاجر مجبرا بسبب الحرب والعنف والقتل.

ولأول مرة منذ زمن ليس يسيرا سيخرج الأطفال والشباب من بيوتهم إلى مدارسهم وجامعاتهم من دون أن ترتعب أمهاتهم ويقلق آبائهم خوفا من رصاصة طائشة أو مقصودة، وسنتمكن من السير في الطرقات بحرية.

ستمتلئ المطاعم والمقاهي بروادها، وسيسمح للفتيات بمغادرة البيت للتسوق مع أمهاتهن أو ابائهن بعد ان امتنعت العائلات عن مصاحبة بناتها خارج المنزل خوفا من الخطف أو الاعتداء.

سنتمكن من تفقد الأقرباء وزيارة الأصدقاء بعد أن انقطعنا عن بعضنا لسوء الحال الأمنية وتجنب مغادرة منازلنا إلا للضرورات. وأخيرا سيذهب الجميع للعمل في ذلك اليوم ستفتح الأسواق وتفيض الأرزاق للعامل والكاسب. سيقل عدد العاطلين عن العمل في ذلك اليوم وستقل عدد الأفواه الجائعة تباعا. سيفتح الطبيب عيادته التي أغلقها وسيجد المريض من يعالجه.

أحلام! نعم. من حقي أن أحلم.

- ماجد عمرو، الخليل: أنا وكثير من أهالي المنطقة التي أقطنها قد سمعنا بيوم السلام العالمي، لكننا نجهل التاريخ المحدد لهذا اليوم، فهو بالنسبة إلينا ليس أكثر من مناسبة عابرة لا حضور لها سوى على ورقة التقويم.

ولا شك أن فشل مشروع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي الذي علقت عليه الكثير من الآمال يقف سببا مباشرا وراء نزعي كامل الثقة من مفهوم كلمة (سلام) في منطقتنا، فالسياسات والممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني على أرضه في الضفة والقطاع رسخت لدي قناعة مفادها أن نظرة الإسرائيليين إلينا هي أننا عبارة عن أزمة خطيرة تهدد وجودهم سواء اخترنا السلم أو الحرب فكلاهما سيان بالنسبة إليهم.

وبناء عليه فإن نظرتي إلى الحاضر أو المستقبل مليئة بالتشاؤم والخوف من المجهول القادم، فالأفق مسدود والواقع لا يبشر خيرا. على رغم الهدوء الذي يسود الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية منذ أكثر من عامين فإن الإجراءات التي كان يمارسها الجيش الإسرائيلي إبان الانتفاضة من حصار وحواجز واعتقالات واغتيالات ومصادرة للأرضي بقيت على حالها ولم تتغير حتى هذه اللحظة.

فمفهوم الأمن لدى «إسرائيل» مفهوم مطلق لا تعرف له حدود، فهو قد يبدأ بشارة نصر يرفعها طفل فلسطيني أو كلمة يتفوه بها ثم إلى ما لا نهاية وهو ما من شأنه أن يقف حائلا من دون الثقة المتبادلة التي يجب أن تبنى عليها اتفاقات وقف إطلاق النار بين الجانبين، والتي عادة ما تكون بمثابة قاعدة صلبة لبناء سلام دائم في مناطق الصراعات.

ظروف الحياة القاسية التي عانيت منها منذ اندلاع الانتفاضة الأخيرة في سبتمبر من العام 2000 حتى هذا اليوم قد حولتني من إنسان واثق بمستقبل واعد تبنى عليه الكثير من الآمال والطموحات إلى إنسان طريح الاكتئاب وعديم الثقة بكل ما يقال ويتردد عن الأمن والسلام.

عندما يقتل صديق مقرب لي أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمدينة الخليل لا لذنب سوى جلوسه في باحة بيته يحتسي الشاي بعد صلاة الفجر، ومشاهدتي بأم عيني على نقطة العبور بين الأردن و«إسرائيل» رجل أمن إسرائيلي يدفع امرأة فلسطينية في الستينات من عمرها عائدة من الأردن بعد أن أجرت عملية جراحية في القلب هناك، فيرديها أرضا بقوة، معللا ما قام به بدوافع أمنية، وغير ذلك من الحوادث التي لا يتسع المقام لذكرها، هذه الحوادث لا تسهم إلا في زعزعة الثقة لا بل تحطيمها عندما يدور الحديث عن السلام.

وأخيرا أرى أن السلام في عالمنا الحاضر لا يمكن أن يتحقق مادام القوي يستغل نفوذه لإخضاع الضعيف صاحب الحق

العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً