الكل يعرف أفلام الرسوم المتحركة بلا ممثلين، يعرفها من الإعلانات ومن أفلام سينمائية مثل فيلم «شرك» أو من قناة «إم تي في MTV». ولكن القدرات الفنية والنقدية الكامنة في هذه الأفلام التي تنتج بكلفة أقل، لا تحظى بالتقدير اللائق.
نحن نريد من هذا المعرض «أفلام رسوم متحركة من ألمانيا 2004»، وكذلك من عروض الأفلام، القيام بمساهمة جديدة في تقديم الثقافة الألمانية، وفي المقام الأول للمساهمة في مجال سينما الرسوم المتحركة الذي يحظى بنجاح دولي. نحن ننوي أن نعرض لهذا الفن السينمائي الذي يلقى أحيانا اهتماما عالميا في مهرجانات السينما الألمانية والدولية يفوق الاهتمام بالأفلام الروائية الطويلة، وسنقدم 15 فيلما تتراوح أطوالها ما بين 4 و15 دقيقة، مصحوبة بعرض المواد التي تم بدء العمل فيها. وقد تطور المعرض ليصبح ساحة مهمة لتقديم صورة فنية واسعة النطاق عن كتّاب أفلام الرسوم المتحركة في ألمانيا، الذين يستندون في عملهم إلى التقنيات الكلاسيكية للرسوم المتحركة مع تقنيات الكمبيوتر المبتكرة. إن المزج بين تقديم الوسيلة الاعلامية وعرض المادة الفنية يتيح درجة مدهشة من التعمق في كيفية صناعة الأفلام وكذلك في الخبرة الجمالية. ويتبين من خلال ذلك مدى التركيز الفائق الذي يحتاجه فنان الرسوم المتحركة لعمل فيلمه. إن هذا الشكل السينمائي لا يتحمل إضاعة ثانية واحدة من الوقت أو إنتاج صورة غير مطلوبة، لأن كل لحظة، وصورة وبصورة يجب أن تنتج يدويا أو الكترونيا، بسرعة مقدارها 12 إطاراً في الثانية على الأقل.
عندما ننظر إلى الأفلام، سنجد أننا على وعي ببانوراما الأساطير الشخصية، ومخاوف العالم ونقد العصر والسياسة والفن. تنتج أرشيفات الحياة والخبرات الشخصية لقطات غنية تصلح لقصص الأفلام. ونظرا إلى أن صانعي أفلام الرسوم المتحركة لديهم هذا المدخل الشخصي المميز إلى موضوعاتهم ولأنهم نادرا ما يتأثرون بالعمل التلفزيوني، لايزال من الممكن عمل اكتشافات في هذا المجال. وهكذا تبدو الأفلام على النحو التالي، على درجة عالية من الوثوق بالذات وأحيانا مستفزة. لا تقوم وسائل الإعلام بتقليل مستوى هذه الأفلام أو تسطيحها أكثر من اللازم، لكن الأفلام تظل غير متأثرة بشكل كبير بالتوجهات الحالية. أقسام التحرير التلفزيوني لا تشجع الأفكار النابهة، وتحاول حجبها أيضا. ومن أصل خمسة عشر فيلما هناك اثنا عشر تحكي قصة. إن الصيغة الدرامية لهذه الأعمال قد حولت فكرة ما الى حبكة، في حين تعتمد الأفلام الثلاثة الأخرى بشكل خاص على قوة الصور والفانتازيا البصرية.
الخروج من عالم أفلام الكارتون التقليدي
فيما يتعلق بالمحتوى، تقدم الأفلام مشاهد من الحياة اليومية وأخرى فانتازية، مع عناصر سياسية وغنائية. غادرت الصور السطح اللامع الناصع لعالم وسائل الإعلام وحفرت في عمق الوجود الانساني. إنها تفتح أعيننا على الصعوبات وتكشف لنا مشكلات المستقبل. لكن إذا ادعى شخص ما أنه يفهم كل شيء فإنه سرعان ما سيضل الطريق في هذه المتاهة البصرية: وليس الغرض هو تقديم اجابات واضحة لكل سؤال.
لقد خلفت هذه السينما عالم الحكايات الذي تقدمه أفلام الكارتون السردية التقليدية وراءها وذلك منذ زمن بعيد وكذا تركت الحريات التي كانت متاحة لأفلام ميكي ماوس والأفلام المضحكة الأخرى. لقد تجنبت هذه الأفلام رسوم كارتون ميكي ماوس، وكارتون خيالات جرائم القتل من أجل الجنس، التي يمر بها صانعو أفلام الرسوم المتحركة إذا أرادوا أن يصلوا إلى قلب هذا الفن.
الصورة كموتيفة أساسية معظم أفلام الرسوم تعمل على خمسة مستويات:
الصورة والحركة واللغة والصوت والموسيقى. ويتطلب فهم نموذج المستويات الخمسة توازنا دقيقا بين الصورة والمصادر التعبيرية الأخرى. الصورة هي الوسيلة الرائدة في أفلام الرسوم المتحركة. المؤثرات الصوتية والموسيقى تتبعان ايقاع حركة الصورة. وعندما تتقدم الموسيقى لتأخذ دور الريادة، فإن حركة الصور ستتبع الموسيقى. هبوب العاصفة وانحسارها يدفع بقطرات المطر على زجاج النوافذ. وعندما يتجول فارس على حصانه على ضفة النهر لا بد أن يتسق ايقاع صورة الحصان المتحرك مع صوت حوافر الحصان على مضمار الصوت بدقة، ويرتفع الصوت عندما يقترب الفارس فيما يخفت عندما يبتعد.
إن المستويات الخمسة تكمل بعضها بعضا ويجب ألا يغطي أحدها على الآخر أو يلغيه. إعادة إنتاج اللغة أمر حتمي. الصوت والموسيقى يمكن لهما أن يدعما اللغة في الخلفية فقط. والموسيقى التي يتم عزفها بشكل عشوائي من أشرطة كاسيت لا يمكن أن توافق هذه المعايير. موسيقى الأفلام الجيدة لا بد من أن تؤلف خصيصا لفيلم الرسوم المتحركة. وعادة لا تراعى أهمية الموسيقى في جذب الجماهير بالقدر الكافي. وكما هي الحال في الأفلام العادية، تعتبر الموسيقى في فيلم الرسوم المتحركة بمثابة محرك للمشاعر.
يمكن أن يدور فيلم رسوم متحركة حول داوود الذي يهدد جالوت بمقلاع. لكن القزم هو الذي يحتاج إلى الحيلة من أجل الاستحواذ على وقت المتفرج، وهو الذي ينجح من وقت لآخر في انتزاع إعجاب المشاهدين من «أخيه الأكبر Big Brother جالوب».
وبمجرد البدء في حكاية ما مع وجود عنصر تشويق مستمر من البداية حتى النهاية، بلا كلمات، وباستخدام الصور وحدها، أو باستخدام راو غير مرئي، عندئذ يبدأ اللعب بفضول المتفرج، ما يعد بالتشويق وزيادة الشعور بأن كل شيء على ما يرام. وإذا لم تسر الأمور الى الهاوية، أي لو لم تكن المادة فوضوية جدا فيما يتعلق بالمعنى والشكل بحيث يشعر المشاهدون بأنهم منفصلون أو تائهون، وتطورت القصة بمنطق شكلها ومضمونها، فإن الجمهور سيستند إلى الوراء ويترك الاحساس السعيد بالتحمس والقبول يغمره.
لقد دفعت تكنولوجيا الكمبيوتر بأفلام الرسوم المتحركة إلى عصرنا الحالي. وحتى لو لم يكن من الممكن دائما التفرقة بين ما تم انتاجه بالوسائل التقليدية وما تم انجازه بالتكنولوجيا الرقمية، فإنه غالبا ما يتم استخدام التكنولوجيا الرقمية في مرحلة ما بعد الانتاج على أقصى تقدير.
البرشت آده
كاتب ألماني
العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ