العدد 3499 - الخميس 05 أبريل 2012م الموافق 14 جمادى الأولى 1433هـ

ترويج صكوك إسلامية خضراء في الشرق الأوسط

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ترويج خطط لإقامة أسواق «صكوك خضراء». وهي سابقة جديدة أن تستعمل هذه السندات الإسلامية لجمع الرساميل لمشاريع التنمية المستدامة في المنطقة. ويؤمل أن تصبح الصكوك الخضراء مفتاح تمويل اقتصادات قليلة الكربون في هذه المنطقة الساعية إلى الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وعدم الاكتفاء بالوقود الأحفوري. ومن المشاريع الخضراء التي تحتاج إلى رساميل بناء محطات لتوليد الطاقة المتجددة وتنفيذ إجراءات كفاءة الطاقة على نطاق واسع في المدن والقطاعات الصناعية.

الجهود المبذولة لترويج هذه الأدوات الجديدة تقودها «مبادرة سندات المناخ»، وهي شبكة عالمية من هيئات المجتمع المدني تم إطلاقها لدعم النمو السريع لسندات المناخ في الأسواق العالمية.

سندات المناخ (climate bonds) هي سندات مديونية طويلة الأمد تُصدر خصيصاً لتمويل مشاريع تخفيف تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها، وتنتج عائدات ثابتة للمستثمرين على المدى البعيد. وتضمن الجهة المصدرة سداد الدين إضافة إلى فائدة «استحقاق» بعد فترة زمنية معينة. والسندات أدوات مثالية لجمع تمويل القطاع الخاص للمشاريع الطويلة الأمد. وقد نقلت صحيفة The National الصادرة في أبوظبي أن «الصكوك والسندات الخضراء يمكن أن توفر 300 مليار دولار لمشاريع مكافحة تغير المناخ».

صُممت صكوك المناخ لاجتذاب أموال إسلامية مدارة من أجل استثمارها في التحول إلى اقتصادات قليلة الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وتكتسب هذه الأموال جاذبية، لأن سيناريوهات التمويل البديلة لم تتجسد حتى الآن بما يكفي لتوفير التمويل المستدام المطلوب للاستثمار في تخفيض الانبعاثات الكربونية أو التكيف مع تأثيرات تغير المناخ، بوتيرة سريعة وعلى نطاق كبير بما يكفي لإحداث تأثير قوي في مكافحة تغير المناخ.

مشاريع تمولها صكوك خضراء

تتقاعس البنوك الخاصة بشكل متزايد عن تقديم قروض لحلول المناخ، بسبب تقلبات الأسواق المالية وتحويل الأولويات في الاتحاد الأوروبي إلى معالجة أزمة الديون. ولا تملك الحكومات القدرة أو القابلية على توفير التمويل للتحول إلى اقتصاد قليل الكربون، إذ تضغط أولويات أخرى على موازناتها العامة. وإضافة إلى ذلك، يعني الفشل في إبرام اتفاقية دولية للحد من تغير المناخ أن التمويل من مقايضة الكربون وغيرها من برامج تسعير الكربون لن يتحقق قبل سنوات. صحيح أن هناك مصدراً محتملاً آخر للتمويل هو صندوق المناخ الأخضر، الذي يفترض أن يخصص 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030 لمشاريع تخفيض الانبعاثات الكربونية في البلدان النامية. لكن آليات الحوكمة والتوزيع الخاصة بهذا الصندوق مازالت بحاجة إلى تطوير بشكل رسمي. وأخيراً، تراجعت قيمة الاعتمادات الكربونية التي تدعمها الأمم المتحدة العام 2011 نتيجة زيادة العرض وضعف الطلب.

وفرت هذه الديناميات الحافز لاعتبار الصكوك الخضراء، أو صكوك المناخ، مصدر تمويل يمكن أن يوفر سيولة على المدى البعيد في سوق السندات، في حين يوفر عائدات ثابتة للمستثمرين المؤسساتيين والصغار على المدى البعيد.

يعتقد كثيرون بأن السنوات القليلة المقبلة حتى 2015 ستكون بالغة الأهمية وحاسمة في حشد الرساميل لحلول المناخ. ونصت مبادرة سندات المناخ على أن «النافذة الصغيرة المتاحة لتنمية الصناعات الحيوية القليلة الكربون تنغلق، ويتطلب تجنب ارتفاع معدل حرارة الأرض درجتين مئويتين نمواً متزامناً سريعاً للصناعة عبر جميع سبل تخفيف تأثيرات تغير المناخ». وفي الواقع، بصرف النظر عن شكل ونوع أي اتفاقية مناخية دولية ملزمة في المستقبل، أو برامج التمويل، أو التخفيضات المحددة للانبعاثات، ترى المبادرة أن «التقدم السريع في الصناعات القليلة الكربون خلال السنوات الخمس المقبلة سيكون حاسماً في نجاح أي إجراءات طويلة الأمد».

قد توفر سندات المناخ الدافع اللازم للحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لكي تجمع الرساميل لاقتصاد قليل الكربون. وعموماً، فإن التحول إلى اقتصاد طاقوي متنوع في المنطقة يحرر البلدان المنتجة للنفط لتصدير مزيد من نفطها الخام، إذ يمكنها من الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الشمس والرياح، لتلبية الطلب المحلي على الكهرباء. وسوف توفر الصكوك الخضراء التمويل اللازم للاستثمارات في توليد الطاقة المتجددة والمباني والمصانع العالية الكفاءة. بل إن إجراءات التكيف مع تأثيرات تغير المناخ قد تتأهل للتمويل من خلال صكوك خضراء إذا وجد مشروع مقنع يدر عائدات ثابتة طويلة الأمد.

ووفق «بلومبرغ»، يمكن حالياً جمع ما بين 10 و15 مليار دولار عن طريق صكوك خضراء لتمويل بعض مشاريع المناخ التي تم إعلانها في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. على سبيل المثال، تنظر دبي في خطط لإصدار صكوك خضراء لتمويل محطة للطاقة الشمسية بقدرة 10 ميغاواط تبلغ كلفتها 30 مليون دولار، ومعامل لإنتاج الغاز الحيوي (بيوغاز)، ومشاريع لكفاءة الطاقة في المباني، وفق «مركز دبي المتميز لضبط الكربون».

امتثال للمناخ والشريعة

تتضمن الصكوك الخضراء المصادقة على وثيقة الاعتماد البيئي للسند فضلاً عن امتثال ضمان الدين للشريعة الإسلامية. ولضمان الامتثال للمناخ والشريعة، تتولى مبادرة سندات المناخ، بالاشتراك مع مجلس صناعات الطاقة النظيفة، وهو مجموعة تجارية مقرها أبوظبي، تأليف هيئة لوضع معيار سندات المناخ. وسوف يستخدم هذا المعيار لتوفير ضمانات للجهات المصدرة والمستثمرين بأن الصك مصدَّق ومعتمد ليساهم في تخفيض الانبعاثات الكربونية. ومن خلال العمل معاً، تأمل مبادرة سندات المناخ ومجلس صناعات الطاقة النظيفة إشراك الحكومات والصناعة والمستثمرين في تطوير إطار تنظيمي وسياسي للصكوك الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. والمجلس هو شركة لا ربحية تمثل القطاع الخاص المنخرط في مشاريع الطاقة النظيفة في المنطقة، وهو مسجل في «مدينة مصدر» في أبوظبي.

لقد أطلقت مبادرة سندات المناخ معياراً معترفاً به دولياً كأداة فرز، لضمان أن الاستثمارات الساعية للحصول على تمويل من خلال سندات المناخ ترتبط تحديداً بتخفيف تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها. والمبادرة شراكة بين مشروع الكشف عن الكربون (CDP) وشبكة الأسواق المالية المستدامة (NSFM)، وهي شبكة دولية من محترفي قطاع التمويل والأكاديميين وسواهم ممن هم مكرسون لضمان تكامل الأسواق المالية وكفاءتها.

وتضغط مؤسسات مالية أخرى لترويج سندات المناخ لتمويل استثمارات الكربون المنخفض. وخلال المؤتمر السابع عشر لأطراف اتفاقية تغير المناخ (17COP)، بادرت مجموعة من شركات التأمين الكبيرة، مثل أليانز وسويس ري لإعادة التأمين، التي تملك أصولاً تفوق 3000 مليار دولار، بدعوة صانعي السياسة لتشجيع الحكومات على إصدار سندات سيادية خضراء.

استعداداً للمستقبل، تشمل التحديات التي يواجهها أنصار سندات المناخ إصدار الشهادات، وتوحيد مقاييس التصنيفات، وتجميع مشاريع الكربون المنخفض الافرادية، وإدخال سندات المناخ في صنف جديد من الأصول.

العدد 3499 - الخميس 05 أبريل 2012م الموافق 14 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً