ارتبطت الزراعة بصورة أساسية في البحرين وشرق الجزيرة العربية بالجماعات الحضرية ومنها البحارنة. والعديد من المفردات الزراعية في هذه المنطقة لا يمكن العثور عليها في معاجم اللغة العربية بالمعنى المتعارف عليه نفسه عند العامة، وبعض ألفاظ هذه المهنة مرتبطة بمهنة أخرى وهي الحدادة التي توفر الأدوات التي يعمل بها المزارع، والحدادة تعتبر عند القبائل العربية من أخس المهن وتتجنب العمل بها، يقول عبدالله العسكر في بحثه حول «اليد العاملة في الجزيرة العربية»:
«أما التعدين وما يتفرع منه من أعمال كالحدادة وسواها فهي في أسفل قائمة المهن الخسيسة. وكان العرب يطلقون على أصحابها اسم: القين، وهو اسم مرادف للعبد المملوك».
القليل من العرب عمل في الحدادة، وقد سبقهم لهذه المهنة شعوب سامية أخرى، حتى مهنة الزراعة نفسها لم تكن من المهن الرائجة بين القبائل العربية وقد تناولنا ذلك في فصل سابق؛ وعليه يرجح وجود مفردات سامية غير عربية ضمن المفردات الزراعية المنتشرة في اللهجة البحرانية، يقول جواد علي في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»: «والمعربات السريانية الأصل، هي في الزراعة في الغالب، وفي التوقيت، ثم في موضوعات دينية وصناعية وتجارية وفي أمور أخرى. أما المعربات عن الفارسية فهي في موضوعات زراعية كذلك» (علي 1993، ج8 ص 704)، ويربط علي بين خصوبة الأرض ودخول الألفاظ المعربة إلى مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية؛ إذ إن تلك الأراضي تحتاج إلى عمالة لتشغيلها لاستغلال مواردها ولذلك «استعانوا بالرقيق، وكان معظم الرقيق الذي جيء به، من رقيق العراق الذي يرجع إلى أصل فارسي، أو نبطي متأثر بالفارسية، لرخص ثمنه بالنسبة إلى رقيق الروم، ولفطنته ولمهارته في الحرف بالنسبة إلى رقيق إفريقيا» (علي 1993، ج8 ص 705 - 706). ولكن هذا لا يعني أن العرب الذين استقروا وتحضروا بقوا جاهلين بأمور الزراعة بل تعلموها وعملوا بها وطوروها وطوروا ألفاظها؛ بل استعملوا ألفاظاً عربية بدلاً من الآرامية والأكدية؛ ولهذا السبب نجد تمايزاً في الألفاظ الزراعية ومسميات الأدوات الزراعية من منطقة إلى أخرى، على سبيل المثال نجد ألفاظاً ومسميات في البحرين وشرق الجزيرة العربية وعُمان يرجح أنها من أصل أكدي لم يعثر عليها في كتب اللغة بالمعنى ذاته كاسم أداة الري الزاجرة، بينما نجد في مناطق أخرى في الجزيرة العربية كنجْد واليمن تستعمل ألفاظاً عربية بديلة للأدوات نفسها وهي ألفاظ شائعة في المعاجم العربية أيضاً؛ إذ نجد الاسم «سانية» بدلاً من اسم الزاجرة وهو اسم وارد في كتب اللغة.
الأكار والعكراوي
يسمى الفلاح في اللهجة البحرانية أكار، والجمع أكاره والبعض يلفظها بالعنعنة فيقول عكار وتجمع فيقال عكاروة. والعكاروة والمفرد عكراوي غير الأكار، فالعكراوي بمعنى شخص ينتسب لقرية العكر (بالقرب من جزيرة سترة) والعكراوي أيضاً كمصطلح تعني الشخص الذي يتكلم باللهجة البحرانية العتيقة وسنأتي على تفصيل ذلك في فصل لاحق. ولفظة أكار وردت في معاجم اللغة بالمعنى نفسه؛ أي «فلاّح» جاء في معجم «تاج العروس» (مادة أكر): «الأُكْرَةُ: (الحُفْرَةُ) في الأَرض (يَجتمعُ فيها الماء فيُغْرَفُ صافياً)، جَمْعُه الأُكَرُ. (والأَكْرُ والتَّأَكُّرُ: حَفْرُهَا)، يقال: أَكَرَ يَأْكُرُ أَكْراً، وتَأَكَّرَ، إِذا حَفَرَ أُكْرَةً. (ومنه الأَكّارُ للحَرّاث). ويبدو أن لفظة أكار ضاربة في القدم وأنها لفظة موجودة في اللغة السامية الأم؛ إذ إن الفلاح يعرف في اللغة الأكدية إيكَرُ ikaru (CAD 2005، v. 7، p. 49) وكذلك في الآرامية.
المكاراة والكروة
المكاراة هي عملية استئجار أشخاص للعمل في الأرض ويسمى الشخص في هذه الحالة «مَكْري» ويسمى ما يدفع له من مال كَرْوَة وتلفظ چروة. وتعمم اللفظة أيضاً على عملية استئجار دابة، وفي اللغة العربية اللفظة أكثر عمومية جاء في «تاج العروس» (مادة كرى): (الكِرْوَةُ والكِرَاءُ، بكسْرِهِما: أُجْرَةُ المُسْتَأْجَرِ)، الأخيرُ مَمْدودٌ لأنَّه مَصْدرُ، (كارَاهُ مُكاراةً وكِراءً)، والدَّليلُ على ذلكَ أنَّكَ تقولُ: رجُلٌ مُكَارٍ، ... (و) يقالُ: كارَاهُ و(اكْتَراهُ وأكْرانِي دابَّتَه ) ودارَهُ، فهي مُكْراةٌ، والبَيْتُ مُكْرًى ... ويقالُ: أَعْطِ الكَرِيَّ كِرْوَتَه». واللفظة واردة في اللغة الأكدية بالمعنى نفسه: أگارو ag?ru (CAD 1998، v. 1، part 2، p. 146).
السخين أو الصخين
السخين ويلفظ «الصخين» (أي بالتفخيم) وهو مسحاة معقوفة من الأمام تستخدم في الحفر أو حرث الأرض والجمع سخاخين، جاء في «تاج العروس»: «السَّخاخِينُ: المَساحِي بلُغَةِ عبْدِالقَيْسِ، (الواحِدُ كسِكِّينٍ لا كأَميرٍ كما تَوَهَّمَ الجوْهرِيُّ) ... وهي مِسْحاةٌ مُنْعطِفَةٌ، كما في الصِّحاحِ وفي بعضِ نسخِها: مُنْعقِفَةٌ». ومازال يعرف في البحرين وشرق الجزيرة العربية والعراق والإمارات باسم «صخين» وفي عُمان «خصين» (بتقديم الخاء)، ومن المرجح أن الاسم من أصل أكدي؛ إذ يعرف بالأكدية «خصينو» (Holes 2001, p. 293).
القدّوم و الكزمة
في اللهجة البحرانية يستخدم الاسم القدوم (الگدوم) للإشارة إلى أداتين، إحداها تستخدم في النجارة، أما الأخرى فهي المعول المستخدم في الحفر والذي تسميه العامة أيضاً (الكزمة) ومنهم من يخص لفظة القدوم بالعمود أو الهيب. والقدوم في اللغة من أدوات النجارة، ولم يرد بمعنى أداة زراعية بينما في اللغة الأكدية الگِدِمُ gidimmu هو الرفش أو المجرفة المستخدمة في أعمال الأرض (CAD 1995، v. 5، p. 65). كذلك لفظة كزمة لم ترد في كتب اللغة بالمعنى نفسه ولكن في اللغة الأكدية كَسمُ kasmu تعني القطع أو القطع بالفأس أو الشق عن طريق القطع (CAD 2008، v. 8، p. 244).
المنجل والمحش
المنجل والمحش كلاهما من أدوات قطع الزرع، وكلا اللفظتين وردتا في كتب اللغة، جاء في «تاج العروس» مادة «نجل» «المِنْجَلُ، كمِنبَرٍ: حديدةٌ ذاتُ أسنانٍ يُقضَبُ بها الزَّرعُ، وقيل: هو ما يُقضَبُ به العُودُ من الشجرِ فيُنجَلُ به أي يُرمى به». والمرجح أن أصل لفظة منجل من اللأكدية ningallu or niggallu بمعنى المنجل (CAD 2008، v. 11، part 2، p. 213). وكذلك لفظة المحش وردت في كتب اللغة، جاء «تاج العروس» (مادة حشش): «المِحَشُّ: مِنْجَلٌ سَاذَجٌ يُحَشُّ به الحَشِيشُ، وكَسْرُه أَفْصَحُ، وفي اللّسَان: والفَتْحُ أَجودُ».
الكر
الكر هو الحبل الذي يستخدم لصعود النخيل، جاء في «تاج العروس» (مادة كرر): «الكَرُّ: قَيْدٌ من لِيف أو خُوص. والكَرُّ: حَبْلٌ يُصعَد به على النَّخْل، وَجَمْعُه كُرورٌ ... ويُسوَّى من حُرِّ اللِّيف ... وقد جعل العجَّاج الكَرَّ حبْلاً تُقادُ به السُّفُن ... أو الكَرُّ: الحَبْلُ الغَليظ. قال أبو عُبَيْدة: الكَرُّ من اللِّيف ومن قِشْرِ العَراجين ومن العَسيب». ويبدو أن اللفظة قديمة فحبل القارب يسمى في الأكدية كِريت (kiritu (CDA 2000، p. 163.
العدد 3531 - الإثنين 07 مايو 2012م الموافق 16 جمادى الآخرة 1433هـ